رد الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بحدة على الاقتراحات التي ناقشتها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي في الأسبوع الماضي، التي يمكن اتخاذها ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها إذا ما نفذ خطوته للتوجه إلى مجلس الأمن، من أجل الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة رغم المطالبة الأميركية بعكس ذلك، تجنبا لاضطرار إدارة الرئيس باراك أوباما إلى استخدام حق النقض (الفيتو).
وكانت اللجنة قد ناقشت من جملة ما ناقشته من مقترحات عقابية فتح الملفات المالية لأبو مازن ونجليه طارق وياسر. وقال أبو مازن لـ«الشرق الأوسط»: «فليفعلوا ذلك.. فأنا أتحداهم أن يحققوا ويثبتوا أنني تسلمت قرشا واحدا بشكل غير قانوني.. والشيء ذاته بالنسبة لولدي سواء طارق وياسر». وأضاف: «ياسر يعمل قي قطر، وطارق يعمل في مؤسسة إعلانات ودعاية».
وكرر أبو مازن الذي كان يتحدث لـ«الشرق الأوسط» من فوق متن الطائرة التي تقله والوفد الكبير المرافق له إلى نيويورك لتقديم طلب عضوية دولة فلسطين إلى مجلس الأمن، وإلقاء خطاب في جلسات الجمعية العامة، القول: «أتحدى أن يثبتوا أنني حصلت على قرش واحد بشكل غير قانوني، ليس بعد قيام السلطة فحسب، بل منذ أن تسلمت رئاسة الدائرة المالية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1974، وحتى خروجي منها عام 1979».
واستطرد أبو مازن، الذي لم يكن يعلم أن لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس قد ناقشت مثل هذا الاقتراح: «أنا شخصيا لا أتدخل في صندوق الاستثمار الفلسطيني، ولكنني طلبت من إدارته أن لا تستثمر قرشا واحدا من أمواله خارج حدود فلسطين. وأؤكد أنه منذ تسلمي السلطة لم يُستثمر قرش واحد خارج فلسطين. ولكننا مؤخرا قررنا الاستثمار في الخارج، ولكن ليس على النحو السابق. قررنا الاستثمار في المخيمات الفلسطينية في الخارج فقط». وبشأن ذمة السلطة المالية قال: «إن ذمة السلطة المالية هي الأنظف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». وتحدث عن وجود ثلاث لجان إشراف ومراقبة مالية.
وأشار أبو مازن إلى وجود تناقض في موقف البنك الدولي، موضحا: «نحن لدينا مؤسسات أفضل بكثير من مؤسسات دول في المنطقة وغيرها». وبالنسبة إلى المساعدات المالية العربية، قال أبو مازن: «لا نتلقى مساعدات، والدول العربية لا تدفع، ولا أدري السبب. والوضع المالي سيئ وسيزداد سوءا». وفي لقاء مع الصحافيين المرافقين على متن الطائرة، وهي طائرة خاصة تابعة لشركة «رويال جيت» الإماراتية، أكد أبو مازن أنه لن يلتقي الرئيس باراك أوباما، الذي أعلن عن لقاء سيتم بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقال: «أنا شخصيا لم أطلب لقاء مع زعيم أو مسؤول دولي سيشارك في دورة الجمعية العامة»، مضيفا أنه تلقى طلبات للقاء نحو مائة مسؤول، مؤكدا أنه سيلتقي وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.
وفي هذا السياق أشاد أبو مازن بالموقف الروسي الواضح والمؤيد للمسعى الفلسطيني لطلب العضوية في مجلس الأمن، الذي تجلى في بيان اللجنة الرباعية الدولية في 11 يوليو (تموز) الماضي، معربا عن اعتقاده بأن هذا الموقف لن يتغير خلال التصويت على طلب العضوية في مجلس الأمن. وكما ذكرت «الشرق الأوسط» أمس فإن الوضع ليس محسوما حتى الآن والمعركة لا تزال محتدمة بين الجانب الفلسطيني من جهة، والجانب الأميركي من جهة ثانية، الذي يسعى جاهدا، مرة بالترغيب وتارة بالوعيد، لحمل أعضاء المجلس غير الدائمين وهم لبنان ونيجيريا والغابون والبرازيل وجنوب أفريقيا وألمانيا وكولومبيا والبوسنة والهند والبرتغال على عدم التصويت لصالح مشروع القرار الفلسطيني، وضمان عدم حصولهم على الأصوات التسعة من أصل الـ15 اللازمة لتمرير المشروع، حتى لا يرغم على استخدام الفيتو في مثل هذه الأوضاع التي تسود المنطقة العربية.
لكن أبو مازن قال إن الأصوات مضمونة، مضيفا: «نحن نعرف أن هناك تسع دول تعترف بنا، ولا ندري أن كانت ستغير مواقفها هناك». وحول اللقاء الأخير مع ديفيد هيل، القائم بأعمال مبعوث السلام الخاص، ودنيس روس مستشار أوباما لشؤون الشرق الأوسط، قال أبو مازن: «لم يأتيا بجديد، بل كررا طلب العودة إلى المفاوضات». وقال: «كان ردي عليهما أنني لست ضد العودة إلى طاولة المفاوضات، ولكن على أي أساس؟». وزاد قائلا: «قلت لهما أيضا إن لديّ طلبين للعودة إلى المفاوضات، هما: القبول بدولة فلسطينية في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك وقف الاستيطان».
وأعاد أبو مازن التشديد على «أننا لن نعود إلى الانتفاضة المسلحة وإلى أعمال العنف إطلاقا.. نحن لا نمارس العنف، بل هم الذين يمارسونه، والمستوطنون هم من يطلقون كلابهم وخنازيرهم على الفلسطينيين بهدف التخريب والترهيب والترويع». وعن موقف حماس الرافض لهذه الخطوة، قال: «سمعت عنه ولا أدري لماذا اتخذوا مثل هذا الموقف». وكانت حماس قد اعتبرت على لسان المتحدث باسمها سامي أبو زهري أن الخطوة منفردة، وقررت منع مسيرات تخطط حركة فتح للدعوة إليها خلال الخطاب الذي سيلقيه أبو مازن يوم الخميس القادم. لكن عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الموجود ضمن الوفد الفلسطيني، قال إنه حصل على ضمانات من قيادة حماس في دمشق لعدم التصدي للمسيرات الفتحاوية. وقال الأحمد، وهو المسؤول عن ملف المصالحة، لـ«الشرق الأوسط» إنه تحدث قبل أن يغادر رام الله مع محمد نصر، عضو المكتب السياسي لحماس في دمشق، وحصل منه على وعد بعدم منع المسرات التأييدية للخطوة الفلسطينية. وردا على سؤال حول الخطوة التالية بعد مجلس الأمن، قال أبو مازن: «جهودنا الآن مركزة على مجلس الأمن. وبعد ذلك تنجلي الأمور. وفي يوم 24 (سبتمبر «أيلول») سأعود إلى القيادة الفلسطينية للتشاور في الخطوة التالية»، بيد أنه لم يخفِ مخاوفه من أن الوضع سيكون صعبا للغاية لاحقا.
وقال أبو مازن إن الثورات العربية منشغلة بنفسها ولكل مشكلاته، والقضية الفلسطينية ليست شغلها الشاغل. وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول ما إذا كان قد تلمس تغييرا في الموقف المصري بعد الثورة، سلبا أو إيجابا، قال أبو مازن إنه لم يلمس أي تغير على الإطلاق. وأضاف: «إن الرئيس (المخلوع حسني) مبارك كان متعاونا معنا، وكذلك الحال بالنسبة للنظام الحالي»، مستطردا: «نحن لا نريد أن نظلم أحدا». وعن مدى استعداده للقاء المسؤولين الإسرائيليين، قال أبو مازن إنه التقى إيهود باراك (وزير الدفاع الإسرائيلي) مرتين، كما التقى الرئيس شيمعون بيريس 3 مرات، ولكنه لم يجد تغييرا في الموقف الإسرائيلي في ما جاء به من اقتراحات. وردا على سؤال إن كان مستعدا للقاء نتنياهو، قال: «لن أقطع الخيوط لأنني في النهاية أتعامل مع ممثلي الشعب الإسرائيلي»، ونتنياهو هو من يمثله في الوقت الحاضر.
وحول ما سيقوله لنتنياهو لو التقاه (ليس هناك خطة أو حتى مجرد التفكير بمثل هذا اللقاء)، أضاف: «سأقول له ما قاله 500 مفكر ومثقف إسرائيلي في رسالة مفتوحة إليه، وهو أننا لو كنا مكانك لكنا تقدمنا بطلب عضوية دولة فلسطين للأمم المتحدة، بأنفسنا»، مشيرا إلى أن نحو 70% من الإسرائيليين يؤيدون السلام
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها