بقلم: سليم الزعنون - رئيس المجلس الوطني الفلسطيني

 

نتناول في هذه الدراسة الوضع القانوني والعوامل التي تساعد على إنجاح مسعى القيادة  في التوجه إلى  الأمم المتحدة للحصول على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

خصوصا بعد أن أغلقت الولايات المتحدة وإسرائيل كل الأبواب ، وأبقت على باب واحد مفتوح وهو القبول بالاحتلال  كأمر واقع.. وما يفرضه هذا الاحتلال من وقائع على الأرض يوميا.

وتبقى الأسئلة مشروعة... إذا، ما العمل؟ وكيف نتصرف كفلسطينيين أمام انسداد الآفاق؟ وما السبل الكفيلة باستمرار المحافظةعلى وجودنا في أرضنا و تحصيل حقوقنا حسب قرارات الشرعية الدولية؟

نرى أن  خيارنا هو  الصمود على الأرض هذا من ناحية، وتوجه  القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة من اجل اكتساب العضوية الكاملة  لفلسطين فيها، والحصول على اعتراف العالم بالدولة الفلسطينية المستقلة على كامل حدود الرابع من حزيران عام1967من ناحية أخرى.

 

ونود هنا توضيح بعض المسائل الهامة التي لها صلة وثيقة بهذا الموضوع ، ولها علاقة بالاستعدادات المطلوبة، حيث باتت منطلقات أساسية مكرسة في أدبياتنا كمجلس وطني فلسطيني ، خضنا بها معاركنا البرلمانية الدولية وسنواصل خوضها معززين بالخطاب السياسي الفلسطيني الموجه للمجتمع الدولي،  وهذه المسائل هي:

 

أولا :إن الشخصية الدولية لفلسطين مستمرة منذ عصبة الأمم المتحدة وعهد الانتداب، فقد اعترف لشعب فلسطين باستقلاله كغيره من الشعوب العربية التي كانت خاضعة للدولة العثمانية حسب المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1919، وتكرس ذلك في معاهدة لوزران لعام 1923، وجرى تأكيده في ميثاق الجامعة العربية، والذي بناء عليه تمثلت فلسطين في الجامعة العربية بعضوية كاملة .

 

ثانيا: لدولة فلسطين العربية شرعيتها الدولية، التي منحها إياها القرار 181 لعام 1947،المعروف بقرار تقسيم فلسطين، والذي بموجبه أنشئت الدولة العبرية أيضا .

 

ثالثا: إن حق الشعب الفلسطيني في الاستقلال والسيادة الوطنيين هو حق طبيعي وتاريخي ووطني مشروع تكفلته الشرعية الدولية، وهو حق غير قابل للتصرف أو الإلغاء مؤكدا بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وقد أصبح واضحا وصريحا بدءا من عام 1974 في القرار الصادر عن الجمعية العامة رقم 3236 باعتباره جزءا لا يتجزأ من حق تقرير المصير، وأن واجب المجتمع الدولي احترام هذا الحق وصيانته وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسته، وبالتالي فإن من حقنا مطالبة المجتمع الدولي برعاية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

 

رابعا :إن الاعتراف بالدولة المستقلة كاشف لوجود الدولة وليس منشئا لها، وأن عدم الاعتراف بوجود الدولة من القوة الأجنبية المحتلة لا يؤثر على وجود هذه الدولة التي تعرضت لانكماشين لا يؤثران على بقائها: أولهما عندما اقتطع منها ما نسبته 54%، بموجب قرار التقسيم وأسمي هذا الجزء فيما بعد بدولة إسرائيل، وثانيهما عندما اقتطع ما نسبته 22% من أراضيها بحكم هزيمة حزيران 1967.

 

خامسا :إن السيادة، هي حق إدارة الشؤون الداخلية والخارجية دون الخضوع لدولة أخرى، وهي حق من الحقوق الوطنية الفلسطينية، وهي سيادة كامنة لفلسطين منذ انتهاء الحكم العثماني، ويتفق ذلك مع ما استقر من قواعد أساسية في القانون الدولي، فسيادة الشعوب غير قابلة للتجزئة أو التنازل أو التفويض، ولا يمكن للاحتلال أن يلغيها أو ينتقص منها، فالاحتلال والضم كمبدأ مكسب للسيادة قد تجاوزه العصر الحديث ونبذته قواعد القانون الدولي، ، فقد نبذته اتفاقيتا لاهاي لعام 1899 و1907، ومنذ ذلك الحين أخذ يستقر في القانون الدولي مبدأ  أن الاحتلال لا يمنح  المحتل السيادة وان كان يؤدي إلى تعليقها أو إعاقة ممارستها واحتجازها، تكرس ذلك في نص المادتين الثانية والتاسعة من ميثاق الأمم المتحدة وقد ، وأصدرت الجمعية العامة إعلانا بهذا الخصوص في 24 أكتوبر 1970 جاء فيه "أن أية مكاسب إقليمية تم الحصول عليها عن طريق استخدام القوة أو التهديد باستخدامها لا يمكن الاعتراف بشرعيتها ،أي أن السيادة رغم الاحتلال تبقى كامنة لصاحبها الأصلي،ألا وهو الشعب المحتلة أرضه .

 

سادسا : إن الاتفاق التعاقدي الذي تم في اوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية هو اتفاق تعاقدي لفترة زمنية مؤقتة مدتها خمس سنوات بدأت في 4/5/1994 وانتهت في 4/5/1999، وهو اتفاق لا يلغي الحقوق الطبيعية والتاريخية والوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، ولا يغير من الشخصية الدولية لفلسطين وسيادتها وإن كان يمس شكل الحكم وكيفية حل النزاع القائم، وأن المفاوضات وسيلة وليست غاية، ولا يمكن ان تصبح وهي كذلك، هي المرجعية الأولى والأخيرة .ولا يجوز لأمريكا وإسرائيل  اعتبار المفاوضات غاية بينما هي وسيلة.

 

سابعا: إن المؤسسات والهيئات والأجهزة والمناصب التي أنشأها الشعب الفلسطيني على أرض الوطن في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة لا تحجب ما قبلها من مؤسسات وهيئات وأجهزة ومناصب أنشأها الشعب الفلسطيني في إطار كيانه الوطني المتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، فقد استمرت تلك الهيئات، وتكرس التعامل مع م.ت.ف كمرجعية عليا للشعب الفلسطيني وقد اعترفت بها الحكومة الإسرائيلية حسب الرسالة التي وجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين للشهيد ياسر عرفات في 10/1/1993، باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني .

 

ثامنا: إن المؤسسات والهيئات والأجهزة التي نشأت على أرض الوطن، وعلى الرغم من ولايتها المحددة بالاتفاقات الموقعة، شكلت وتشكل خطوة على صعيد استكمال عناصر ومقومات قيام الدولة الفلسطينية وخاصة لجهة تعزيز السيطرة الفعلية على الإقليم، لذلك يجب التمسك  بهذه المكتسبات وبما تم بناؤه على الأرض وخلق أمر واقع يقره المجتمع الدولي ويسنده القانون الدولي.

 

تاسعا: يوجد فرق جوهري بين إعلان الاستقلال الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني في 15/11/1988 وبين المسعى الفلسطيني لاكتساب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة والحصول على اعترافها بدولة فلسطين على كامل حدود الرابع من حزيران عام 1967 في أيلول القادم، فالأول: تعبير عن ممارسة سياسية لحق طبيعي أصيل استطعنا من خلاله سد الفراغ الذي ترتب على فك الارتباط الأردني بالضفة الغربية، وان الاعتراف الدولي الذي نتج عن ذلك الإعلان عزز الوجود القانوني لدولة فلسطين وكثف الوجود الفعلي ولم ينشئه، واعترفت به الأمم المتحدة بقرار جمعيتها (رقم 49/12 /أ) المؤرخ  في 15 كانون الأول 1988 والذي تقرر على أثره استعمال اسم فلسطين بدلا من منظمة التحرير الفلسطينية في هيئة الأمم المتحدة .واما الثاني: فهو تعبير عن الارادة السياسية الفسطينية لترجمة الحق الفلسطيني إلى عضوية كاملة  في الأمم المتحدة خصوصا أن قرار التقسيم جاء منشئا لدولة اسرائيل وكاشفا للدولة الفلسطينية، من هنا سيكون  التوجه الفلسطيني إلى مجلس الأمن وفي حال الاصطدام بالفيتو الأمريكي الذهاب إلى الجمعية العامة للحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة. الأمر الذي يترتب على انضمام دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة، اولا:وضع الاراضي الفلسطينة كاراض محتلة وليس اراض متنازع عليها،

 ويمنح دولة فلسطين الحق في الانخراط الفعلي في منظمات الأمم المتحدة والتوقيع على الالتزامات والمعاهدات الدولية وكذلك العضوية الكاملة في المنظمات والمؤسسات الدولية.

 

عاشرا: إن الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة والاعتراف بفلسطين دولة على حدود الرابع من حزيران، فهو دفاع مشروع عن حق ممارسة السيادة وتقرير المصير لتوافر عناصر الدولة على الأرض وهذا يسقط مصطلح الأرض المتنازع عليها لصالح أرض محتلة للدولة الفلسطينية من حقها استرجاعها، وهنا فإن إقامة الدولة كتعبير عن حق تقرير المصير هو شأن فلسطيني داخلي لا يحق لإسرائيل أن تحدد شكل الدولة أو أن تقيد سيادتها، ومن المعروف أن م.ت.ف قد حددت حدود الدولة بحدود الأراضي المحتلة لعام 1967 بما فيها القدس الشرقية ولم تتجرأ  أي دولة من دول العالم أن تعترف لإسرائيل بالسيادة على أي جزء منها، لان ذلك يعتبر مسا بالقرار 242، كما رفضت  الدول نقل سفاراتها الى القدس التي تعتبرها اسرائيل عاصمة لها.

 

 وهنا لا بد من دعوة الجنة القانونية في المجلس الوطني الفلسطيني الى الاجتماع بأقصى سرعة  وذلك لأننا ملزمون بالمرور عبرها وفق قراءات ثلاث وذلك لتأصيل اللجوء إلى صيغة  Unity For Peace (متحدون من اجل السلام) وان يقترحوا وصف حالة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بالشكل الذي لا يتعارض مع  قواعد قبول  دولة جديدة في الأمم المتحدة، والبحث في كيفية الاستفادة من هذا القرار للانتصار على الفيتو الأمريكي المتوقع، كما حصل  بالنسبة لتغيب  الاتحاد السوفيتي عن اجتماع مجلس الأمن الدولي فاستعملت أمريكا وحلفاءها صيغة ( متحدون من أجل السلام) لحماية كوريا الجنوبية في سنة 1950 وكذلك السوابق الأخرى المماثلة.

 

برز في خضم هذا التحرك السياسي اتجاه ينصح  بالأخذ بمثال سويسرا التي لجأت إلى صيغة non member state) )، لكنني لا انصح باللجوء إليها، لان المزايا التي سنحصل عليها لا تختلف كثيرا عن عضوية المراقب  تحت اسم فلسطين التي نتمتع بها حاليا.

 

 وبما أن القيادة الفلسطينية وفصائلها ومستقلوها مجمعون على صيغة متحدون من اجل السلام فيجب تحشيد الجهود للوصول إلى ذلك ، فلا يجوز أن نفضل الذي هو أدنى بالذي هو خير(أفضل)، وهذا ليس استفزازا لإسرائيل وأمريكا وليس عملا أحادي الجانب ونحن نعود إلى القرار (الأم ) 181 الذي أنشأ دولة جديدة إسمها إسرائيل وأبقى على ما نسبته 44% من أراضي الدولة الفلسطينية الموجودة أصلا.

 

وغنني أذكّر بأهمية الصمود والثبات وطول النفس والاعتماد على موقف شعبنا وإرادته والتمسك بالثوابت والإنشاد دائما وأبدا للمصالح الوطنية العليا، مما سيوصلنا حتما وان طال المسير إلى هدفنا المنشود وحلمنا الخالد في  قيام دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية .