صقر أبو فخر
في العام المقبل تكون حركة فتح فد بلغت الخامسة والخمسين منذ الاجتماع التأسيسي في الكويت في 10/11/1959. ويمكننا أن نُعيد تاريخ التأسيس الى ما قبل ذلك، أي إلى سنة 1957 حين عقد اللقاء الأول التمهيدي الذي حضره كل من ياسر عرفات وخليل الوزير (أبو جهاد) وعادل عبد الكريم ويوسف عميرة وتوفيق شديد، أو إلى 30/9/1958 حين جرى اللقاء التكويني في أثناء اجتماع الخفجي (في المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية)، أو إلى 10/10/1958 حين تألفت النواة التأسيسية للحركة.
كانت تلك محطات أولية على طريق تأسيس حركة فتح. أما الاجتماع التأسيسي الذي بدأت منه حركة فتح بالظهور فكان اجتماع 10/11/1959. قبل ذلك في سنة 1958 صيغ البرنامج السياسي للحركة، وفي الاجتماع التأسيسي أُقِّر النظام الداخلي والبنية التنظيمية، وصدر "بيان حركتنا". وفي ما بعد، في سنة 1962، ظهر "هيكل البناء الثوري" الذي كتبه كل من فاروق القدومي (أبو اللطف) ومنير سويد وعادل عبدالكريم وعبدالله الدنان وخليل الوزير حين كانوا يجتمعون في أحد المقاهي البحرية في منطقة السالمية بالكويت. وفي تشرين الأول 1959 ظهر اسم "فتح" في الاوساط الفلسطينية،ولا سيما في الكويت وسورية ولبنان، بعد صدور مجلة "فلسطيننا – نداء الحياة" في بيروت التي أصدرها كل من توفيق حوري وهاني فاخوري لتكون ناطقة باسم الحركة.
من الضروري، بعد مرور هذه السنين، أن نعيد التذكير بهذا التاريخ البهي، وان نكرر رواية المرحلة التأسيسية بمحطاتها الخطرة، وبوقائعها المثيرة، وبرجالها الرواد؛ هذه المرحلة التي حوّلت الشعب الفلسطيني من لاجئين إلى مناضلين، ووضعته على خريطة السياسة في الشرق الأوسط.
البدايات
كانت الكويت منشأ الخلية الأولى لحركة "فتح"، وفيها تمكن ياسر عرفات من الحصول على دعم الأثرياء الفلسطينيين أمثال طلعت الغصين وهاني القدومي وعبد المحسن القطان وهاني أبو السعود. وضمت الخلية الأولى لحركة "فتح" كلاً من: ياسر عرفات وأبو جهاد وعادل عبدالكريم (مفتش مادة الرياضيات في مدارس الكويت) وتوفيق شديد ويوسف عميرة وعبدالله الدنان. وهؤلاء صاغوا "بيان الحركة" واتفقوا على اسم "فتح"، ثم بدأوا الاتصال برفاقهم القدامى في غزة وسورية، فانضم اليهم صلاح خلف وكمال عدوان في سنة 1959. ولم تكد سنة 1959 تنصرم كان عدد أعضاء الحركة قد فاق الخمسمئة.
أسست هذه الخلية منبراً إعلامياً في لبنان باسم "فلسطيننا – نداء الحياة". وصدرت هذه المجلة في تشرين الأول/ اكتوبر 1959 باشراف كل من الحاج توفيق حوري والسيد هاني فاخوري. وكان توفيق حوري معلماً في مدارس المقاصد وينتمي الى "جماعة عباد الرحمن" الاسلامية. وظلت هذه المجلة توالي الصدور حتى سنة 1964. وكان أبو جهاد يشرف عليها، ويكتب مع ياسر عرفات معظم مقالاتها. وعملت "فلسطيننا" على ترسيخ الاتصال بين أعضاء حركة "فتح"، فكانت مثل صندوق البريد لهم. ويظهر من مقالات هذه المجلة التي كتب ياسر عرفات بعض مقالاتها تشديدها على تحرير فلسطين بالكفاح المسلح، وعلى الاستقلال التنظيمي عن الأحزاب العربية، وعلى عدم التدخل في شؤون الدول العربية.
في سنة 1960 باتت "فتح" قوة حقيقية في الوسط الفلسطيني، فانضم اليها كل من عبد الفتاح حمود وماجد أبو شرار وأحمد قريع (أبو علاء) وفاروق القدومي(أبو اللطف ) وخالد الحسن (أبو السعيد) وهايل عبد الحميد (أبو الهول) وهاني الحسن ومحمود عباس (أبو مازن) ثم زكريا عبدالرحيم في سنة 1963 وخالد اليشرطي.
وهكذا توزع أعضاء حركة فتح الأوائل على مختلف العواصم العربية. ففي الكويت كان ياسر عرفات وعبد الفتاح حمود ونمر صالح(أبو صالح) وخالد الحسن وعبدالله الدنان ويوسف عميرة وعادل عبدالكريم وكمال عدوان وزهير العلمي وتوفيق شديد وفاروق القدومي ( أبو اللطف)؛ وفي قطر كان محمود عباس ومحمد يوسف النجار ومحمود المغربي؛ وفي السعودية صلاح خلف ووليد أحمد نمر الحسين(أبو علي إياد) وممدوح صيدم ورفيق النتشة؛ وفي الجزائر خليل الوزير ثم منهل شديد؛ وفي ليبيا محمود أبو الفخر.
منذ البداية، ظهر في حركة فتح تياران: الأول كان يرى ضرورة التروي والتهيئة المدروسة قبل البدء في العمليات العسكرية، وسُمِّيَ أصحاب هذا التيار بـِ "العقلانيين"، وكان من بينهم خالد الحسن وعادل عبدالكريم وعبدالله الدنان. أما الثاني فكان يرى أن من الضروري شن الكفاح المسلح فوراً. ودُعِيَ أصحاب هذا التيار بـِ "المجانين"، وكان منهم ياسر عرفات وخليل الوزير. وتغلب المجانين على العقلانيين، وأُقر إعلان بيان العمليات العسكرية باسم "قوات العاصفة". ومنذ بداية تأسيس الهيكل التنظيمي لحركة فتح تولى ياسر عرفات قيادة المجلس العسكري، وتولى محمد يوسف النجار القيادة العامة لقوات العاصفة. وكان القادة الفعليون للحركة سنة 1963 ياسر عرفات وخليل وعادل عبدالكريم ويوسف عميرة وآخرين. لكن خبرة ياسر عرفات ومزاياه الشخصية ومثابرته جعلته الرأس الموجه لهم جميعاً.
كان الاتفاق قد جرى على إعلان انطلاقة الكفاح المسلح في أوائل أيلول/سبتمبر 1964. لكن المجلس العسكري أرجأ ذلك، لأنهم كانوا مازالوا يحتاجون إلى نحو 500 قطعة سلاح ونحو 50 ألف دينار كويتي لهذه الغاية، الأمر الذي لم يكن متوافراً في ذلك التاريخ. وكان ياسر عرفات جالساً مع أبو يوسف النجار على شاطئ مدينة الكويت يفكران في هذا العائق. وفجأة تطلع ياسر عرفات الى أبو يوسف النجار قائلاً: عندما قابلت هواري بومدين وزير الدفاع الجزائري وطلبت منه المساعدة قال لي: إذهب واطلق رصاصة ثم عد إليّ. الآن ما رأيك أن تقوم أنت بعملية عسكرية، فإذا نجحت العملية تتبناها فتح. واذا فشلت يكون الذين قاموا بها مجموعة من الشبان المتحمسين ليس أكثر، ونتابع نحن الاستعداد للانطلاقة. وجاء أبو جهاد من الجزائر، واجتمع المجلس العسكري، ووافق على الفكرة.
وهكذا بدأ المسير نحو لحظة انطلاقة الرصاصة الأولى التي انطلقت بالفعل في 1/1/1965. أذيع البيان الأول لقوات العاصفة في 1/1/1965 فشكّل تدشيناً لعصر جديد سيعم المنطقة العربية بأسرها، هو عصر الكفاح المسلح الفلسطيني. ثم أذيع أول بيان سياسي لها في 28/1/1965 فحملت "العاصفة" معها للشعب الفلسطيني وعوداً طال انتظارها كثيراً. غير أن الشهور التي اعقبت انطلاقة العمل الفدائي لم تشهد الكثير من العمليات العسكرية، بل انصرف الجهد، في معظمه، الى ترسيخ حركة فتح في الاوساط الفلسطينية، وفي تأسيس القواعد السرية في الضفة الغربية، واقتصر الجهد العسكري على التسلل عبر الحدود في لبنان والأردن وسوريا وزرع العبوات البدائية والألغام، وكان ياسر عرفات في مقدمة دوريات التسلل هذه.
استمرت حال العمل العسكري طوال الفترة الممتدة بين مطلع العام 1965 وأيار / مايو 1967 على ما هي عليه من تسلل واغارة وزرع الغام وبناء القواعد السرية وترسيخ هيكلية تنظيم حركة فتح في البلدان العربية لكن مع وقوع حرب الخامس من حزيران/ يونيو 1967 واحتلال اسرائيل غزة والضفة الغربية والقدس والجولان بدأت مرحلة جديدة من مراحل الصراع العربي – الصهيوني، وصار ما قبل التاريخ تاريخاً، وما بعده تاريخاً آخر. أوجد الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة وضعاً جديداً تماماً، وخلق مشكلات لم تكن في الحسبان البتة، الأمر الذي أجبر حركة فتح على الانتقال الفوري من مرحلة التأسيس وبناء القواعد السرية الى مرحلة بناء قواعد الاسناد الثابتة ولاسيما في الاردن. وفور توقف الاعمال القتالية في حرب حزيران/يوليو 1967 قاد ياسر عرفات فريقاُ صغيراً قوامه عبدالعزيز شاهين ( أبو علي) وعبد الحميد القدسي وعمر أبو ليلى وأبو علي المدني ومازن أبو غزالة وعبد الإله الأثيري وممدوح صيدم ( أبو صبري) وآخرون، وأقاموا في كهف قريب من طوباس بعد أن تسللوا الى الضفة الغربية من الاردن لاعادة تنظيم خلايا فتح في الداخل وشن عمليات عسكرية ضد الاحتلال. وفي 1/8/1967 أقام ياسر عرفات مقر قيادته في مدينة نابلس وشرع مع محمود مِسْوَدَة ونمر صالح (أبو صالح) في تأسيس الخلايا العسكرية المقاتلة وكُلِّف خليل الوزير تنظيم شبكة الامداد وقواعد الاسناد السرية في الاردن. وجرى تنشيط معسكر الهامة القريب من دمشق. وفي 28/8/1967 بدأ شن العمليات العسكرية في ما اعتُبر الانطلاقة الثانية لحركة فتح. وتتالت الدورات التدريبية في الخارج، وبالتحديد في الصين. وعاد المتدربون في نهاية العام 1968 الى الاردن ليباشروا بناء قواعد الاسناد والتنظيم المحلي. وفي هذه الاثناء كان ياسر عرفات ينشط في الضفة الغربية لتمتين بنية الخلايا السرية لحركة فتح، ويتنقل بسرية تامة من مكان الى آخر على الدراجة احياناً، ويتواصل مع المناضلين بواسطة بعض النساء أمثال سهام محمد زكارنة من قباطية. وفي قباطية التقى عزت أبو الرب(خطاب)، ومكث في الضفة الغربية من 1/7/1967 حتى نهاية تموز من ذلك العام، وكاد أن يعتقل مرات عدة، لكنه كان يفلت من عناصر الشين بيت ببراعة، وكان اسمه آن ذاك "أبو محمد" وأحياناً " الدكتور محمد" وكان باروخ كوهين يتعقبه باستمرار، وباروخ كوهين هذا تولى المسؤولية الأمنية عن منطقة نابلس في تموز 1967، أي في الفترة التي كان ياسر عرفات مازال موجوداً في حي القصبة في المدينة. وقد اطلق محمد بودية النار على باروخ كوهين هذا في مدريد في 26/1/1973، وكان اسمه "حنان يشاي".
الانطلاقة الثانية
مع تصاعد العمليات القتالية راح العمل الفدائي يكتسب سمعة عالية جداً من الاحترام في صفوف المناضلين العرب، ولا سيما أن الجيوش العربية كانت قد مُرِّغت بالهزيمة. وظهر أن العمل الفدائي بات يتحول، بالتدريج، الى عمل منظم ذي فاعلية، وما عاد مجرد أعمال تسلل وتحرش وزرع ألغام، فنفذت أول عملية في 31/8/1967، ثم عملية بيت فوريك في 7/12/1967، وهذا الأمر أقلق القيادة الصهيونية كثيراً، فتوهمت ان في امكانها القضاء على الفدائيين بعملية عسكرية كبيرة ومنسقة. فقامت في 21/3/1968 بالهجوم الشامل على بلدة "الكرامة" في الاردن حيث كانت تنتشر قواعد الفدائيين. وكان عديد الفدائيين على النحو التالي: 250 مقاتلاً من حركة فتح؛ 80 عنصراً من قوات التحرير الشعبية؛ 30 عنصراً من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة أحمد جبريل انسحبوا جميعاً بأوامر من قيادتهم الى خارج منطقة القتال قبل بدء العمليات وعندما بدأ تقدم آليات الجيش الاسرائيلي أصدر اللواء مشهور حديثة القائد العسكري الاردني لمنطقة نهر الاردن أوامره الى المدفعية الاردنية بقصف الدبابات الاسرائيلية المتقدمة من دون انتظار أوامر هيئة الاركان. وجرت معركة كبيرة بجميع المقاييس قادها ياسر عرفات بنفسه، وأسفرت عن انسحاب الجيش الاسرائيلي الى مواقعه السابقة بعدما تكبد 28 قتيلاً و90 جريحاً، ودُمِّرت له أربع دبابات وخمس عربات وطائرة واحدة. ومع أن خسائر الفدائيين والجيش الاردني كانت كبيرة، الا ان النتائج السياسية لمعركة الكرامة فاقت أي توقع. فتدفق آلاف المتطوعين الفلسطينيين والعرب على قواعد حركة فتح في الاردن، وعلى مكاتبها في العواصم العربية. وقامت بعض المجموعات الفدائية الصغيرة بحل تشكيلاتها والانضمام الى فتح أمثال " جبهة التحرير الوطني الفلسطينية" (ج ت ف) التي كان شفيق الحوت ونقولا الدر وسميرة عزام وراجي صهيون وخالد اليشرطي من مؤسسيها؛ و"جبهة ثوار فلسطين". وشارك في معركة الكرامة أبو عمار وأبو صبري ونصر يوسف واسماعيل جبر وصلاح التعمري والفسفوري. في كانون الأول / ديسمبر 1968 صدرت مجلة "التايم" الأمريكية وعلى غلافها صورة ياسر عرفات، وقالت عنه انه سيكون واحداً من أخطر الرجال في الشرق الأوسط، وربما في العالم. وهكذا خطت حركة فتح بقيادة ياسر عرفات خطوة جبارة نقلتها من حركة مقاومة الى حركة تحرر وطني بل الى احدى ابرز حركات التحرر الوطني في العالم الثالث. وفي هذا الميدان عرضت فتح في سنة 1969 أفكارها عن "الدولة الديمقراطية" في فلسطين التاريخية التي يعيش فيها العرب ( مسلمون ومسيحيون) واليهود في مساواة تامة في اطار دولة ديمقراطية. وكانت فكرة "الدولة الديمقراطية" عُرضت أول مرة بشكل رسمي في المؤتمر الثاني لنصرة الشعوب العربية في القاهرة ( 25/1/1969). وكان سبق ذلك مناقشات مكثفة في هذا الامر، وصدرت وثيقة بعنوان "نحو فلسطين ديمقراطية" بقلم محمد رشيد ( الاسم الحركي للدكتور نبيل شعث). وقد كان لهذه الوثيقة صدى كبير في الرأي العالمي ولا سيما لدى اليسار الاوروبي والتيارات الليبرالية أيضا، ووضعت حركة فتح في قائمة قوى التحرر العالمية.
مكان على الخريطة العربية
بدأت حركة فتح تنسج علاقاتها العربية والدولية منذ أوائل ستينيات القرن العشرين، فزار ياسر عرفات الجزائر والتقى الرئيس أحمد بن بلة، ثم قام خليل الوزير في الصين وفييتنام وكوريا، وتطورت علاقات الآباء المؤسسين مع أمراء الكويت والسعودية. ومع ذلك لم تسنح الفرصة لياسر عرفات للقاء الرئيس جمال عبد الناصر، بصفته قائداً لحركة فتح، الا في تشرين الثاني 1967 عقب هزيمة حزيران بعد وساطات متعددة شارك فيها كمال جنبلاط ومحمد حسنين هيكل. فالقيادة المصرية قبل هزيمة حزيران اعتقدت ان فتح هي واجهة لجماعة الاخوان المسلمين، وهي أداة في يد القيادة السورية التي دأبت على معارضة جمال عبد الناصر على قاعدة الخلاف البعثي – الناصري الموروث منذ زمن الوحدة المصرية – السورية ومنذ زمن الانفصال معا. ولم يتبدد هذا التصور الا بعد حرب حزيران 1967 حينما اقترب جمال عبدالناصر أكثر من الثورة الفلسطينية، وما عاد يعتمد على تقارير أجهزته الاستخبارية وحدها، وعلى ما تنقله اليه حركة القوميين العرب. حضر اللقاء الاول مع جمال عبد الناصر صلاح خلف وفاروق القدومي وأدت القيادة المصرية تحفظها عن سلوك بعض المنظمات الفدائية، وكانت تخشى ان تقوم فتح بتوريط مصر في معارك غير محسوبة. ومهما يكن الامر، فقد خرج الجميع من اللقاء الاول وقد وضعوا اقدامهم على عتبة جديدة من العلاقات الوثيقة، وكُلّف محمد حسنين هيكل بمتابعة هذه العلاقات، الامر الذي كان يعني ابعاد مدير المخابرات العامة المصرية صلاح نصر عن هذا الشأن. ومن النتائج العملية لهذه العلاقات الجديدة ان الرئيس عبد الناصر اصطحب ياسر عرفات معه الى موسكو في زيارة سرية وبجواز سفر مصري باسم "محسن أمين". وكانت تلك الزيارة فاتحة العلاقات الفلسطينية – السوفياتية. حتى سنة 1968 لم يكن لحركة فتح قائد، بل كان جميع اعضاء اللجنة المركزية متساوين. لكن ياسر عرفات كان أكثرهم دينامية. وكان لا بد أن تختار اللجنة المركزية واحداً من بين اعضائها ليتولى مهمة الناطق الرسمي باسمها، فاختلفوا فما كان من ياسر عرفات وهو الاسم الذي اختلفوا عليه ، الا ان غادر دمشق وترك في مكتبه ورقة عليها ثلاث كلمات هي: " القيادة في الميدان"، وتسلل الى الضفة الغربية ليعيد تنظيم الحركة في الداخل. وعندما عاد الى دمشق، وقدَّم تقريره لرفاقه، اختاروه ناطقاً رسمياً باسم الحركة في 15/4/1968 في ختام المؤتمر الثاني لحركة فتح.
كان العام 1969 عاماً صاخباً في حياة ياسر عرفات وفي مسيرته السياسية. وفي ذلك العام اندلعت المواجهات بين مجموعات الفدائيين في جنوب لبنان والجيش اللبناني، وتزايدت، في الوقت نفسه، الصدمات بين الفدائيين والجيش الاردني. وكانت المنطقة العربية كلها تغلي بالانعطافات الحادة. فقد اندلعت حرب الاستنزاف على الجبهتين السورية والمصرية، ووقعت "ثورة الفاتح من أيلول" 1969 في ليبيا فأطاحت الملكية وحملت العقيد القذافي الى السلطة، ووقع انقلاب عسكري في السودان ضد حكم احمد المحجوب، وتفاقم الصراع في سوريا بين اللواء صلاح جديد واللواء حافظ الاسد. وفي 23/4/1969 اندلعت مواجهات دموية بين الجيش اللبناني ومتظاهرين لبنانيين نزلوا الى الشوارع احتجاجا على قمع الجيش الفدائيين في منطقة العرقوب. وفي الاثر اعتكف رئيس الحكومة رشيد كرامي وأعلن تأييده العمل الفدائي، فدخل لبنان، آنذاك، في أزمة دستورية وأمنية انتهت بتوقيع اتفاقية القاهرة في 3/11/1969 بين ياسر عرفات وقائد الجيش العماد إميل البستاني برعاية الرئيس جمال عبد الناصر، وصار اسم ياسر عرفات مرادفاً لقضية فلسطين.
كانت جميع الغيوم السوداء تتجمع في سماء المنطقة العربية في سنة 1969 منذرة بأحداث دامية لا يمكن معرفة نتائجها. ومع ذلك تمكن ياسر عرفات من ان يسجل حضوراً لامعاً في تلك الفترة لحركة فتح، وكانت قمة هذا الحضور حين تسلم أبو عمار قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في 1/2/1969 بعد أن أُرغم أحمد الشقيري على الاستقالة في 24/12/1967، وبعد مرحلة انتقالية تولاها يحيى حمودة.
ان تسلم ياسر عرفات رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، علاوة على قيادته حركة فتح، كان يشير الى انتقال القضية الفلسطينية من قاعات السياسات العربية الى مغاور الاغوار في الاردن، أي الى القرار الفلسطيني المستقل والمسلح معاً.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها