لا تعارض حماس المفاوضات مع اسرائيل، لكنها لا تريد الدخول في حقل ألغامها، كما ليس باستطاعتها احتمال اتهامات ثقيلة بالخيانة كالتي يطلقها قادة متنفذون فيها، وتقذفها وسائل اعلامها يمينا ويسار بما حملت من المصطلحات الملوثة السامة، فقيادة حماس لا تمانع المفاوضات مع اسرائيل رغم الضجيج المثار.. لكنها تنتظر نتائجها..لتبني عليها ان كانت ايجابية كما فعلت عندما عارضت اتفاق اوسلو وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، لتدخل فيما بعد من بابها العريض الى المجلس التشريعي، ثم يرأس اسماعيل هنية القيادي فيها رئاسة مجلس الوزراء للسلطة الوطنية قبل الانقلاب، أو لتبقى حماس في حال فشل المفاوضات تركض في مضمار موقفها الرافض في العلن، المعاكس لموقفها المبطن المكتوم، المباح به في المجالس الخاصة، كسبيل للتكسب الحزبي على حساب المصالح العليا للشعب الفلسطيني، والتناغم مع سياسات قوى ودول اقليمية، ولتحقيق مكاسب على صعيد الشارع كما تزعم!!.. لكن تفاصيل لقاء عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد مع رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل على هامش مؤتمر القضية الفلسطينية في الدوحة قبل بضعة ايام تؤكد ما ذهبنا اليه، فالأحمد قال:" نحن لم نختلف على المفاوضات وعاتبنا حركة حماس على تصريحات ابو مرزوق الذي اخذ من المفاوضات ذريعة للتهرب من استحقاق المصالحة " مؤكدا ان المفاوضات سبق واتفقنا عليها كأحد وسائل العمل النضالي في الساحة الفلسطينية.. فوثيقة الوفاق الوطني, الموقعة في العام 2006 تتضمن بندا صريحا يؤكد: أن المفاوضات هي من عمل رئيس منظمة التحرير الفلسطينية, ويستدرك الأحمد:" لذا لا داعي لاعتبارها نقطة خلافية ".

 

أثبت اعتراف واقرار القيادي في حماس د.محمود الزهار باجتماعاته مع مسؤولين اسرائيليين في الثمانينيات ومطلع التسعينيات منهم ( شمعون بيريز ) للبحث في امكانية انشاء كيان فلسطيني في غزة والضفة واستعداد (جماعته) ملء الفراغ بعد انسحاب الاحتلال الاسرائيلي من غزة اولا ومن الضفة بعد ستة شهور !! ونذكر أن لقاءات الزهار جاءت بعد خروج قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، كآخر قاعدة مواجهة عسكرية مع اسرائيل، وبحث الأنظمة الرسمية العربية في قمة فاس عام 1984 عن حلول، ومحاولة فرضها على قيادة منظمة التحرير حينها، الأمر الذي دفع رئيسها ياسر عرفات بحنكته المعهودة للعودة الى طاولة الكبار كرقم فلسطيني لا يمكن تجاوزه.

 

تخشى قيادات الجماعات والأحزاب الشمولية المصارحة والصدق مع اعضائها وجماهيرها، أو انها تفتقد منطق المراجعة الحقيقية، وقراءة الواقع بعقلية سياسية، اذ تحكم هذه القيادات عقلية الخطاب الشكلي المؤجج للغرائز والمشاعر والانفعالات.. فهؤلاء يعملون وهم مطمئنون لقدراتهم على التحول في اللحظة المناسبة وحشد الجماهير التي اسسوها على اساس السمع والطاعة.. جماهير لا تقرأ المتغيرات، مقطوعة الصلة بالواقع.. فمهمة الجماهير لدى هؤلاء الموت فقط، أما القيادات فتبقى دائمة البحث عن الفتاوى ونظم الخطابات التبريرية للتغييرات والانقلابات في سياستها ومواقفها.