إياد مسعود

شهدت مدينة غزة وبعض المناطق اللبنانية مؤخراً تحركات احتجاجية للاجئين الفلسطينيين ضد أداء وكالة الغوث (الأونروا) وتقصيراتها في تقديم الخدمات لمن يستحقونها، فما هي العلاقة التي تربط بين هؤلاء اللاجئين والمنظمة الدولية؟

يرتبط اللاجئون الفلسطينيون بوكالة الغوث (الأونروا) بعلاقة ملتبسة ومركبة في آن. فهي بالنسبة لهم علامة على اعتراف المجتمع الدولي بالظلم الذي لحق بهم جراء تقسيم فلسطين بين دولتين، ومنح الدولة الإسرائيلية أرجحية في المساحة على الدولة الفلسطينية. فضلاً عن كونها اعترافاً من المجتمع نفسه بمسؤوليته عن حل قضيتهم عبر اعادتهم إلى الديار والبيوت التي هجروا منها منذ العام 1948. ويبدو تحديد تفويض الجمعية العامة للأمم المتحدة، دورياً، لوكالة الغوث، بالنسبة للاجئين الفلسطينيين تحديداً للاعتراف بالمسؤولية الدولية عن قضيتهم، وتأكيداً لحقوقهم الوطنية المشروعة، وفي مقدمها حق العودة إلى الديار.

كما ينظر اللاجئون الفلسطينيون إلى وكالة الغوث باعتبارها المؤسسة الرسمية المعنية بتقديم الخدمات الاغاثية والطبية والتعليمية لهم، كجزء من التعويض الدولي عما لحق بهم من كوارث. والأونروا هي المنظمة الإنسانية الأكبر التي تعنى بقضايا اللاجئين وهمومهم اليومية بما في ذلك إدارة المخيمات والإشراف على اوضاعها الصحية والبيئية. ولكي نتلمس حقيقة الدور الذي تلعبه وكالة الغوث لنتخيل كيف ستكون عليه المخيمات لو أن هذه المنظمة توقفت عن تقديم خدماتها للاجئين واحالت هذا العبء الكبير إلى عاتق الدول العربية المضيفة. لقد لعبت وكالة الغوث منذ العام 1950 حين بدأت بتقديم خداماتها للاجئين، دوراً مهماً في إعادة بناء الشخصية الوطنية والكيانية والسياسية للاجئين الفلسطينيين، عبر الرعاية التي قدمتها لهم، إن في مجال التعليم، أو الإيواء، او الاغاثة أو الصحة أو سواها من الخدمات اليومية الضرورية.. وتحت علم وكالة الغوث نشأت أجيال فلسطينية شعارها "عائدون" تأكيداً على التمسك بالوطن والهوية رغم فداحة النكبة وحجم الكارثة التي لحقت بشعب فلسطين.

من جهة أخرى يرى اللاجئون في وكالة الغوث وتمديد التفويض الدوري لها (مرة كل 3 سنوات) علامة على عجز المجتمع الدولي الزام إسرائيل بالتزام القرار 194 الذي نص على وجوب عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أملاكهم ومنازلهم. وفي كل مرة تجدد الأمم المتحدة تفويضها لوكالة الغوث، معناه تمديد أمد الهجرة واللجوء والعذابات الجسدية والنفسية والابتعاد عن الوطن.

كذلك ينظرون إلى وكالة الغوث من زاوية عجزها عن الوفاء بكل ما هو مطلوب منها من خدمات، بذريعة العجز المالي المركب الذي تعاني منه الوكالة. فارتفاع مستوى المعيشة، وتزايد الحاجات السكانية فضلاً على تزايد أعداد اللاجئين أنفسهم تفرض على الوكالة أن تزيد وأن تطور في خدماتها، ما يعني الحاجة إلى المزيد من الأموال لتنفقها على مشاريعها وبرامجها الخدمية، غير أن الوكالة تشكو على الدوام من عجز مالي مركب، سببه، كما توضح رئاسة الوكالة ومصادرها المعنية عدم وفاء الجهات المانحة بالتزاماتها المالية. فالوكالة هي منظمة دولية تصوغ موازنتها بناء على ما تقدمه الجهات المانحة لها من تبرعات. وموازنتها، خلافاً لباقي المنظمات الدولية ليست جزءاً من الموازنة العامة للأمم المتحدة، وإن كانت هذه المنظمة تسهم بجزء من الموازنة خاصة بما يتعلق بمرتبات كبار الموظفين الأجانب. ويبدو أن الدول المانحة فقدت الأمل بإمكانية إيجاد حل جذري لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين فبدأت التزاماتها المالية نحو وكالة الغوث بالتراجع عاماً بعد عام، أو أن التزاماتها لم تتطور بما تتطلبه الاحتياجات المتزايدة للاجئين الفلسطينيين.

لذلك تتسم العلاقة بين الوكالة وبين المجتمع المحلي للاجئين الفلسطينيين بالتوتر الدائم، بين من يطالب على الدوام بمزيد من الخدمات الضرورية للعيش الكريم، وبين من هو عاجز عن تقديم هذه الخدمات لعجز في الموازنات. وهذا ما يفسر لماذا يلجأ اللاجئون الفلسطينيون إلى الاحتجاج بين فترة وأخرى والاعتصام أمام مراكز وكالة الغوث يطالبونها بدور افضل، ويفسر في الوقت نفسه كيف أن الوكالة تتذرع على الدوام بنقص التمويل والعجز بالموازنات.

بل إن بعض أوساط اللاجئين تتخوف من أن يكون تراجع خدمات الوكالة وتفاقم عجزها المالي إشارة إلى نية المجتمع الدولي حل هذه المنظمة خاصة إذا ما توصل المتفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون إلى اتفاق ما حول قضية اللاجئين.

نعتقد أن إشراك المجتمع المحلي للاجئين الفلسطينيين في رسم أولويات وكالة الغوث وبرامجها الخدمية وأولويات أوجه الانفاق في موازنتها من شأنه أن يطور في دور الوكالة وفي قدرتها على الوفاء بواجباتها. إذ لا يتردد المجتمع المحلي للاجئين الفلسطينيين في انتقاد وكالة الغوث بسبب بعض مظاهر الهدر لرواتب كبار الموظفين على حساب مشاريع الوكالة وبرامجها الخدمية.

ستبقى وكالة الغوث عنواناً من عناوين قضية اللاجئين الفلسطينيين، وستبقى في الوقت نفسه موضع نقدهم طالما لم يتوفر لها التمويل الضروري لتطوير موازنات ومصاريف برامجها الخدمية.