تقرير: وسام يونس
بريطانيا هي سبب نكبتنا ومآسينا، عبارة يجمع عليها الفلسطينيون في مخيمات الشتات في لبنان، مؤكدين أن المملكة التي لم تغب عنها الشمس غابت عنها روح العدالة، وقيم الدولة الحضارية، من خلال جريمتها المستمرة ضد الشعب الفلسطيني منذ 100 عام، عندما قام وزير خارجيتها آرثر جيمس بلفور بتقديم وعده المشؤوم لليهود، بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين.
قابلنا بعضاً ممن عاشوا النكبة، واللجوء، وذاقوا مرارة التشرد، والحرمان، وعانوا من تبعات هذا الوعد، الذي لم يجلب لهم إلا الشر، والدمار.
يقول فؤاد يوسف، اللاجئ الفلسطيني إلى لبنان من قرية فارة في صفد داخل أراضي عام 1948، "الكذبة الأبرز في هذا الموضوع أن الصهاينة والبريطانيين رفعوا شعار "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وهذا الشعار ظالم، وغير دقيق، ويجافي الواقع، والحقيقة، فأرض فلسطين هي للشعب الفلسطيني، ووعد بلفور أعطي قبل الانتداب البريطاني على فلسطين لتسهيل تنفيذ الوعد للصهاينة."
ويعتبر يوسف "أنه لم يكن بالإمكان إقامة المشروع الصهيوني في فلسطين، لولا الدعم البريطاني، والتسهيلات التي قدمتها بريطانيا للعصابات الصهيونية"، مؤكداً أن بريطانيا وفرت للمشروع الصهيوني كل مقومات البقاء، والنمو، والتطوّر، انطلاقاً من مصالح الاستعمار البريطاني في الوطن العربي، التي عبر عنها أحد رؤساء وزراء بريطانيا نهاية القرن التاسع عشر، قبل عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل بسويسرا عام 1897.
ويشير يوسف إلى أن الاستعمار البريطاني منع أي حراك، أو نشاط سياسي، أو مشاريع تنموية للشعب الفلسطيني بهدف تعبيد الطريق أمام الصهاينة، لتنفيذ مشروعهم باحتلال فلسطين عام 1948.
وأضاف: "حصل هناك استعمار استيطاني إحلالي عنصري لم يشهد التاريخ له مثيلا، حيث اقتلِع شعب من أرضه، بفعل المجازر، والمذابح على يد العصابات الصهيونية، وتشردنا إلى المنافي بعيداً عن بيوتنا، وأملاكناً، وما زلنا نعاني بفعل ذلك الوعد المشؤوم الذي غير حياة شعب بأكمله."
ودعا يوسف بريطانيا إلى الاعتذار من الشعب الفلسطيني، ومساعدة منظمة التحرير الفلسطينية في المحافل الدولية، بتنفيذ قرارات هيئة الأمم في حق العودة، وانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية، تكفيراً عما ارتكبته بحق شعبنا الفلسطيني.
بدوره، اعتبر علي يوسف أبو خرج، وهو لاجئ فلسطيني من قرية صفورية في الناصرة، أن الوعد هو ليس البداية، إنما هو حلقة في سلسلة أحداث تاريخية عملت بريطانيا خلالها على بسط انتدابها على فلسطين لتنفذ وعدها فيما بعد لليهود بإقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين.
ويقول أبو خرج: "بريطانيا ارتكبت جريمة كبيرة بحق شعبنا، وأجهضت التحركات، والثورات الفلسطينية للدفاع عن فلسطين، وارتكبت جرائم كثيرة في فلسطين، منذ الكشف عن وعد بلفور، من خلال إجهاضها للثورات المتتابعة التي قام بها الفلسطينيون (يافا- والبراق- وثورة القسام)، بالإضافة إلى حرق القرى، والمحاصيل واعتقال آلاف الشبان من الحركة الوطنية في فلسطين.
"بريطانيا تقتل القتيل وتمشي بجنازته" بألم كبير يصف أبو خرج التهجير والتشريد الذي تسبب به وعد بلفور، "من فلسطين انتقلنا إلى لبنان، وتنقلنا بعدها إلى أكثر من مكان، حتى استقر بنا الحال في مخيم نهر البارد، الذي دمر في العام 2007 بسبب النزاع بين الجيش اللبناني وجماعات متطرفة، وما زلنا في حالة عدم استقرار إلى يومنا هذا، نتيجة تشتت أبناء المخيم في أكثر من مكان."
ويؤكد أبو خرج أن بريطانيا مستمرة في انتهاكها لكافة المواثيق الدولية، من خلال رفضها الاعتراف بالحقوق الوطنية، والشرعية للشعب الفلسطيني، واحتفالها بمئوية وعد بلفور إلا تكريس لجريمتها، وحقدها على الأمة العربية بشكل عام، والشعب الفلسطيني على وجه الخصوص.
ودعا أبو خرج إلى موقف عربي يواجه السياسة البريطانية المساندة للاستكبار، والتعالي، والغطرسة الإسرائيلية، وشعورها المتمادي بأنها دولة فوق القانون.
من جهته، يقول عاطف دبور من قرية فارة وهو لاجئ فلسطيني اكتوى بنار النكبة، "مئة عام مضت على وعد بلفور، وما زلنا نردد الصيغ العربية المشهورة المرافقة لهذا الوعد، وأبرزها: المشؤوم، والغادر، والكارثة، وقد نحتنا له قولاً مخدراً: "أعطي من لا يملك وعدا لمن لا يستحق".
ويضيف: "غفونا عقوداً، ثم وضعنا الوعد في صندوقنا التاريخي المملوء بالنكبات، نخرج كل عام نكبة من النكبات، نسبُّ ونلعن صاحبها، فنلعنُ أرثر جيمس بلفور، ونهجو حكومة جلالة الملك بمعلقات خطابية يوم الثاني من نوفمبر في مؤتمرات، وندوات، ثم نعيده إلى الخزانة من جديد في انتظار موسمه في العام القادم."
وسأل، "كيف يسمح العالم لدولة أجنبية محتلة أن تمنح وطنا بأهله وساكنيه إلى جماعة من الجماعات؛ أو إلى الجالية اليهودية في بريطانيا، والتي وُجِّه إليها الوعد، متمثلا في رئيس هذه الجالية البارون روتشلد؟ أي قانون يمنح المحتلين بيع الأوطان؟ فهل يعقل أن يظلّ شعبنا الفلسطيني يردد هذه الصرخة قرنا من الزمن، ويتحمل تبعاتها، وأوزارها؟
ويضيف دبور "فقدنا منازلنا، وممتلكاتنا، ومزارعنا، وأعمالنا، ومدننا، وقرانا، وأجبرتنا الميليشيات الصهيونية والجيش الإسرائيلي لاحقا على الرحيل، والتشرد، واللجوء، خارج وطننا، بهدف خلق "دولة" ذات أغلبية يهودية في فلسطين، ثم عمدت إسرائيل إلى نقل اليهود إلى منازل الفلسطينيين، الذين تم تهجيرهم، ومصادرة أراضي اللاجئين، وممتلكاتهم بغض النظر عن حق الفلسطينيين، أو رغبتهم في العودة إليها."
بدورها، تعتبر اللاجئة زهرة ربيع من قرية الحسينية داخل أراضي عام 1948 أن وعد بلفور المشؤوم تسبب بالكوارث والويلات لشعبنا الفلسطيني، مؤكدة أنه ورغم هذا الوعد، إلا أن شعبنا ما زال متماسكاً في كافة أماكن تواجده، ولم يتخلَ عن إصراره، وعزيمته في البقاء والنضال.
وحملت ربيع بريطانيا مسؤولية ما حصل لشعبنا منذ بلفور وحتى يومنا هذا، مطالبة إياها بالاعتذار لشعبنا، والتكفير عن جريمتها، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، ودعم جهود فلسطين في الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، والعمل على الإنهاء الفوري للاحتلال لأرض فلسطين، وإلا ستبقى وصمة عار على جبين بريطانيا.
وتروي ربيع، "أن قرية الحسينية التي تبعد 11 كيلومترا شمال شرق مدينة صفد، تعرضت لمجزرة ذهب ضحيتها 25 شهيداً، منهم أفراد من عائلتها، ثم انتقلوا من فلسطين إلى بنت جبيل، ثم إلى قرية معركة في جنوب لبنان، وبعدها مكثوا في مخيم برج الشمالي، وتهجروا أكثر من مرة، نتيجة اجتياح إسرائيل للبنان عامي 1978 و1982 وهُدّمت بيوتهم مرة أخرى."
وتضيف: "عانينا كثيراً في الشتات، وفي مخيمات اللجوء، نتيجة حالة عدم الاستقرار التي عشناها كشعب فلسطيني، وكامرأة فلسطينية وقع عليها العبء الأكبر في تحمّل المسؤولية بسبب وعيها، وحرصها على بناء أجيال فلسطينية تحفظ الذاكرة، وتتمسك بالأرض، والتراث، والحق بالعودة إلى فلسطين، وهزمت مقولة "غولدا مائير" بأن (كبارهم يموتون وصغارهم سينسون.(
وختمت "لكل امرأة حكاية ينسجها الأمل، ويعلوها النجاح، وهذا هو شعار المرأة الفلسطينية في الحفاظ على الإرث، والتاريخ، والذاكرة التي لن تُنسى."
أما محمد قاسم من قرية الرأس الأحمر في صفد فيقول، "بداية وعد بلفور كان ظالماً وجائراً بحقنا كفلسطينيين، وما زلنا إلى اليوم نعيش تداعيات وعد بلفور، الحكومة البريطانية مجتمعة مسؤولة عن هذه المأساة، التي عاشها شعبنا من 48 إلى اليوم."
ويضيف قاسم: "بسبب هذا الوعد ارتكبت بريطانيا والعصابات الصهيونية المجازر، والمذابح، والتنكيل بحق شعبنا، وتم تدمير مئات القرى واستشهد الآلاف من أبناء شعبنا، والى اليوم لا يزال البريطانيون يرفضون الاعتراف بجريمتهم وتقديم اعتذار واضح للشعب الفلسطيني المنكوب."
ويعتبر قاسم أن بريطانيا تتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية عن كل ما لحق بالشعب الفلسطيني حتى يومنا هذا، "لجأت عائلتي إلى جنوب لبنان في البداية ثم انتقلنا إلى مخيم عين الحلوة حتى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ثم اضطرت عائلتي لمغادرة المخيم، وتشردنا في أكثر من منطقة، هربا من الاعتداءات الإسرائيلية."
ويؤكد أنه متمسك بحقه في العودة إلى فلسطين، ولن يتخلى عن هذا المطلب مهما طال الزمن، ويحمل الحكومة البريطانية مسؤولية التهجير والتشريد الذي ما زال يعانيه هو وعائلته، نتيجة إمعان بريطانيا بسياساتها المجحفة ضد حقوق شعبنا الفلسطيني.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها