بمناسبةِ مرور أربعين يوماً على وفاته، نظَّمت حركة "فتح" – قيادة منطقة الشمال مهرجاناً جماهيريًّا كرَّمت فيه الشهيد الدكتور عبدالمجيد الرافعي، بمنح درع القدس لعائلته، تقديراً لجهده المتواصل ودعمه للقضية الفلسطينية، اليوم الثلاثاء 29-8-2017، في قاعة مجمع الشهيد الرمز ياسر عرفات في مخيّم البداوي.

وتقدَّم الحضور عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" الحاج رفعت شناعة، وأمين سر حركة "فتح" - إقليم لبنان حسين فيّاض، ومُمثِّل رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي د.خلدون الشريف، ومُمثِّل وزير العدل السابق أشرف ريفي، ومسؤول "المنتدى القومي العربي" في الشمال الأستاذ فيصل درنيقة، وزوجة الفقيد السيدة ليلى بقسماطي الرافعي، وأمين سر حركة "فتح" وفصائل "م.ت.ف" في منطقة الشمال أبو جهاد فيّاض، وممثِّلون عن قوى وأحزاب وطنية لبنانية وفصائل فلسطينية، ولفيفٌ من رجال الدين، وفعالياتٌ من مخيَّمات الشمال، ومدينة طرابلس، والمنية، وعكّار.

بدايةً كانت كلمةٌ لعائلة الشهيد ألقتها زوجته ليلى بقسماطي الرافعي حيثُ قالت: "لعبدالمجيد الرافعي ذكرياتٌ كثيرةٌ مع فلسطين. فمنذ عمر التاسعة سأل والده عن الصورة المعلَّقة للمجاهد فوزي القاوقجي، فأجابه والدُهُ بأنَّ هذا القائد يأخذ المجاهدين لمحاربة الصهاينة في فلسطين، ومنذ ذلك الوقت انطبع ذلك الاسم في قلبه، وبقي معه طوال حياته".

وتابعت: "وقعت نكبة فلسطين وهو يدرس في سويسرا، فأسَّس جمعيّةً للطلبة العرب في لوزان أسموها "آريبيا"، وعندما عاد إلى لبنان كانت فلسطين محور نضالاته الجماهيرية والثقافية كافّةً، فانتسبَ لحزب "البعث العربي الاشتراكي" مُتمَسِّكاً بكلمات الأستاذ ميشال عفلق "فلسطين لن تُحرِّرها الحكومات، بل الكفاح الشعبي المسلّح، فلسطين طريق الوحدة والوحدة طريق فلسطين.

بدأت العلاقة بينه وبين الشهيد الرمز ياسر عرفات في العام 1966 في بيت الصديق الرفيق خالد يشرطي، واستمرَّت إلى يوم استشهاده. لبَّى نداء الأستاذ ميشال عفلق، والتحقَ بمجموعةٍ من المناضلين لمساندة المقاومة (حركة "فتح") في أحداث الأردن المؤسِفة. كان يحلم أن يتحقَّق الشعار "(أُمَّة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)".

وختمت كلمتها قائلةً: "كانت وصيّته لكم بأن تُمَتِّنوا الوحدة بين الفصائل، وتترفّعوا عن جميع الصغائر والحسابات الضيّقة مُتيقّناً أنَّ هذه الوحدة ستكون حافزًا لوحدة أقطارنا العربية، وإعادة قضية فلسطين إلى أُولى الأولويّات".

وبعد ذلك قدَّم كلٌّ من الحاج رفعت شناعة، وحسين فيّاض، وأبو جهاد فيّاض، وفيصل درنيقة، درعَ القدس للسيدة ليلى بقسماطي الرافعي تقديراً للجهود التي بذلها شهيد فلسطين د.عبدالمجيد الرافعي في خدمة القضيّة الفلسطينية.

ثُمَّ كانت كلمة الدكتور خلدون الشريف مُمثِّلاً دولة الرئيس الأستاذ نجيب ميقاتي، ممَّا جاء فيها: "اليوم يتم إحياء ذكرى مناضل عروبي قدَّم حياته من أجل قضية فلسطين في المخيَّم عنوان الوفاء، فأنتم يا أبناء البداوي ونهر البارد رموز الوفاء لقضيّة كُلنا نناضلُ من أجلها، هي القدس وأقصاها حتى ينقطع النَّفَس".

وأضاف: "لم يكن الدكتور عبد المجيد الرافعي لُبنانياً ولا طرابلسياً، وإنَّما عُروبياً يؤمن أنَّ فلسطين هي قلب الأُمّة وقضية كلِّ مناضل شريف، والأمانة تُرِكَت بيدٍ أمينة لأنَّها عند السيدة ليلى عقيلة الدكتور الشهيد."

وأردف: "لقد قدِمتُ منذُ سنَةٍ لإحياء ذكرى استشهاد الرمز ياسر عرفات في هذه القاعة، وقلتُ إنَّه قد عانى من المضايقات، ومحاولات الاغتيال العديدة، والإبعاد حتى جرى اغتياله بالسُّم، والدكتور عبد المجيد قد عانى ما عاناه الرمز ياسر عرفات، وهذه ضريبة يدفعُها كلُّ إنسان يقبض على الحق، فالمجدُ لك أيُّها الشهيد، ولكلِّ شهداء فلسطين، وأبنائها الذين تصدّوا لمَن أرادوا تدنيس المسجد الأقصى، والتحية لكم في مخيّمات الشتات، لأنَّكم ما زلتم ملتزمين بحقِّ العودة إلى فلسطين حتى تعود محرَّرة من البحر إلى النّهر".

كلمة "المنتدى القومي العربي" ألقاها المحامي الأستاذ خليل بركات، فقال: "كانت فلسطين ومواجهة الاحتلال الصهيوني في وجدانه باعتبارها القضية المركزية للأُمَّة التي يجب أن تتظافر الجهود وتتوحد الطاقات حولها، لتحرير الأرض واسترجاعها إلى كنف الأُمّة، لذلك اندفع مع رفاقه في الحزب وفي مقدَّمهم الرفيق الراحل أحمد الصوفي إلى العمل المقاوم، وحثَّ شباب طرابلس على الالتحاق بالمقاومة على أرض الجنوب، حيث استُشهِد المقاومون: هوشر وحمود والترك، الذين رووا بدمائهم تراب الجنوب، وهُم يقاومون العدو الصهيوني.

أمَّا على الصعيد الوطني والشعبي، فقد كان د.عبدالمجيد حاضراً في مقدّمة التحركات الشعبية المطلبية والوطنية سواء في طرابلس أو في بيروت، وكان في البرلمان اللبناني صوتاً إلى جانب الفقراء والكادحين".

ثُمَّ كانت كلمة حزب "طليعة لبنان العربي الاشتراكي" ألقاها الأستاذ رضوان ياسين الذي قال: "لقد كُنتَ كتاباً فريداً تآلف في قلوب الناس الذي انطوى كل واحد منها على حكايا جميلة، أو موقف عرفان، أو شاهد فضل وإحسان، كما مواقفك سَرَت حروفك والكلمات تروي عطشنا لثرى الأرض السليبة في فلسطين التي أحببتَ، ووهجتَ فينا نار الحماسة، وعقودك التسعة تطوي في حنايانا آلاف مواقف العزّ والكرامة حاملةً لتاريخ شاهدٍ على تحدّي عوادي الزمن".

وأردف: "حين نتحدَّث عن علاقة عبدالمجيد الرافعي القائد والإنسان بالقضية الفلسطينية، فإنَّنا نتحدّث عن علاقة عضوية عقدية مصيرية لا انفصال لها، وحالة من حالات التجذُّر العميق في الوعي الفكري، والثقافي، والسياسي، الذي يتأسَّس على رؤية شموليّة ذات آفاق رَحِبَة، وتدرك أبعاد الصراع ومخطّطات العدو الصهيوني، لعزل الأُمّة عن قلبها النابض، وتعي أنَّ العمل لفلسطين، وإنقاذها ينبغي أن يستغرق كلَّ الجهد والتفكير والعطاء بلا حدود من الدم واللحم والوقت، من دون خفضٍ لسقف التضحيات مهما بلغَ الثمن".

أمَّا كلمة حركة "فتح" فألقاها الحاج رفعت شناعة، مُستحضرًا سير كلِّ الشهداء من عظماء القوم الذين رهنوا أنفسهم من أجل قضية الاُمّة، وأضاف: "في وسط رحاب الشهداء، تنتصب هامة الدكتور عبدالمجيد الرافعي الذي نؤبِّنه اليوم لأنَّه يستحق، ولأنَّه تعلَّم من عظماء القوم كميشال عفلق وصدام حسين، الذين خطوا النهج القومي الذي سار عليه، والذي تربَّى على منظومة حزب البعث العربي الاشتراكي تحت شعار "أُمَّة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"، لكنَّنا اليوم نسأل: أين هذه الأُمَّة الواحدة؟ وأين الرسالة الخالدة؟".

وتابع: "ونحن نودِّعك يا شهيدنا نفتقدُ القائد المخضرم الذي عاش التجارب بكلِّ مرارتها وقليل حلوها، نفتقدُ القائد المؤصَّل الذي عرك الأيام وعركته. عندما كنا نلتقيكَ كنا نشعرُ بأنَّك تُسابِق الزمن لإنجاز ما لم يتم إنجازه، لأنَّك الحريص على تأدية الأمانة، سوف يفتقدك أهلك ورفاقك، سوف يفتقدون للحكمة التي تُدير بها الأمور الوطنيّة.. برحيلك أيُّها الشهيد فقدنا هامةً وطنيّةً مهمّة".

وأضاف: "عندما كنا نزوره في بيته كنا نستمع إلى محاضراته وتوجيهاته، ورغم قسوة المرض إلَّا أنَّه كان يقاوم ويتحدّى، لأنَّه يريد أن يُسلِّم الأمانة إلى الرفاق قبل أن يُسلِّم الروح إلى باريها. أجمل ما فيك أيّها الشهيد أنَّ فلسطين كانت تعيش في قلبك وأفكارك. لقد عاش فلسطين بكل الظروف الصعبة التي مرَّت بها، فأصبحت فلسطين وعروبتها وقدسها جزءًا لا يتجزّأ من كيانه، هذا ما جعله يحمل رسالةً قوميّةً إطارها حزب "البعث العربي الاشتراكي"، ومحورها فلسطين".

وتابع: "لقد كان قائدًا ميدانيًّا مُتفاعلاً مع جمهوره.كان يسألنا عن أوضاعنا في كلِّ جلسة نلتقيهُ فيها. واليوم أقول له: نَم قرير العين أيّها الشهيد، وأنتَ الذي عِشتَ مع الكبار، فشعبك الفلسطيني سيظلُّ مرابطاً مدافعاً عن الأقصى، وسنُقيم دولتنا الفلسطينية شاء من شاء، وأبى مَن أبى، وسنعمل بكلِّ جهدنا من أجل إنهاء الانقسام، وتمتين الوحدة الوطنية، لأنَّ عدونا يبني سياسته مع أمريكا على أساس الانقسام، لذلك يجب أن نُفكِكَ الانقسام والعملية ليست شاقّةً إذا أدركنا أنَّ عدونا هو الصهيوني وأمريكا التي تسعى اليوم من خلال الاتصالات التي تُجريها في الوطن العربي، لدفع هذه الدول للتطبيع مع إسرائيل. لذلك يجب أن نسعى من أجل عقد المجلس الوطني الفلسطيني، لأنَّه عنوانٌ لتحديد الرؤى الفلسطينية، والوحدة الوطنية. فنحن بأمَسِّ الحاجة لعقده، وهناك حوارات دائرة لن نتركها مهما كلَّف ذلك من تضحيات".

وحول الوجود الفلسطيني في لبنان ووضع المخيّمات قال شناعة: "نُعلِمُكَ يا شهيدنا، وقلبك كان يحترق على المخيَّمات، بأنَّنا جميعنا مُقصّرون بحقِّها، لأنَّنا بحاجة لتحديد آليات مواجهة التكفيريين الذين باعوا القِيَم الفلسطينية، وارتهنوا إلى مشاريع خارجيّة لا تمتُّ إلى قضيّتنا بِصِلة، ولن نُضحِّي بالمخيَّم من أجل مجموعة هنا أو هناك، فنحن حريصون على شعبنا أكثر من هذه المجموعات، ونقول بأنَّ هذه المخيمات عناوين للعودة إلى الوطن، وفرض حقوقنا وثوابتنا الوطنية .

ونحن نقول لبعض الفصائل الإسلامية الذين لهم علاقة مع هذه المجموعات طالما هناك قنوات حوار مع تلك الأطراف التي تدَّعي أنَّها "إسلامية"، حاوروهُم بما يضمن حماية المشروع الوطني الفلسطيني الذي تأسَّس العام 1964، وهو منظمة التحرير الفلسطينية، فإمّا أن ننجح في هذا الموضوع، وإلّا فإنَّنا سنتجه إلى الحسم الميداني".

وختم كلمته قائلا: "من هنا نعاهد شهيدنا، ونقول له: إنَّ دماءَ شهدائنا وتاريخَ قادتنا لن تذهب هباءً".