يا قاتِلي! سأقولُ لكَ ما قالَه المتراسُ في بَيروتَ المحاصَرةِ لجُنديٍّ إسرائيليٍّ يُشبِهُكَ:
قِفْ وفَكّرْ!
قبْلَ أنْ تُطلِقَ رصاصَتَك على رأسي لتقتلَني، اسألْ نفْسَك: ما الذي تريدُ أن تحقِّقَهُ بَعدَ قَتْلي؟ انظرْ حولك: هلْ تستطيعُ أنْ تُحصي عددَ الذينَ يقفونَ أمامَكَ عندَ بواباتِ الأقصى؟ كلّهم يُشبهونَني، فكمْ إنساناً يشبهني ستقتلُ حتى تتأكّدَ أنّكَ قَتلْتَني؟
قِفْ وفكّرْ!
عندما تعودُ إلى ثكنتِكَ آخرَ الليلِ مُثقَلاً بالهُمومِ، مُضرّجاً بدَمي، ستشاهدُ في نشرةِ الأخبارِ جنازتي.. سيُصيبُكَ الذُّعرُ وأنتَ تراني أسيرُ خلفَ نعشي وأتوعّدُ قاتلي! هلْ أدْركتَ الآن أنّ كلَّ الذين يسيرونَ في الجنازةِ يُشبهونَني؟
سَتعودُ في الصّباحِ إلى موقعٍ آخر لتبحثَ عنّي، وستَجدُني بعدَ أن قتلْتَني واقفاً أمامَكَ وعلى وجهيَ ابتسامَةٌ ساخرةٌ، كأنَّني أقولُ لَك: مَنْ مِنّا هُوَ الذي قُتِلَ بالأمْسِ يا قاتلي؟ أنا أمْ أنْتَ؟
يا قاتلي!
قِفْ وفكّرْ!
كيفَ ستَحمي نَفْسَكَ ومَنْ يشبهونَكَ مِنْ غضَبي، وأنا القتيلُ العائدُ كلّما قتلْتَني لأسخرَ منك؟ هلْ ستُنفّذُ أوامرَ قائدِكَ بأنْ تُعيدَ قتلي كلّ يوم؟ وبعدّ ذلك؟ نعم! أنت مُحق: ستعودُ إلى ثكنتِك مهموماً مضرّجاً بدمي، وستشاهِدُني مرةً أخرى وأخرى سائراً في جنازتي حاملاً نعشي على كَتفي، ساخراً منك وأنا أحُثُّ الخُطى كَيْ أدْفِنَك!
قِفْ وفكّرْ!
اسألْ قائدَك: لماذا عليكَ أنْ تُعيدَ قتلي كلّ يومٍ وأنتَ وقائدُكَ على يَقينٍ أنّني سأعودُ لأقفَ في وجهِكَ وأسخرَ منكَ كلّ صباح؟
قِفْ وفكّرْ!
ما الذي يجعلُني -وأنا القتيلُ- أُبْعَثُ حَيّاً كُلّما قَتلْتَني؟ سأفْشي لكَ السرَّ رغمَ يَقيني أنكَ لنْ تفهَمَه: لأنّني أنزفُ دماً في أرضٍ أمتلكُها أنا، فأَنبُتُ فيها من جَديد! أرضي هيَ التي تُعيدُني الى الحياة! أمّا أنْتَ فإنّكَ تَقتُلُ نفسَكَ كلّما توهّمْتَ أنّكَ قتلْتَني، وتَرفضُ الأرضُ أن تُعطيكَ قبْراً لأنّها لا تَعرِفُ مَنْ أنتَ أيّها الغريبُ عنها، فتخالُ نفْسَكَ ما زلتَ حَيّاً وأنْتَ المَيْت..
قِفْ وفَكّرْ!
يا قاتلي الميِّتَ كلّ يوم!
أنتَ متَّ معَ أوّلِ رصاصةٍ أطلقتَها على رأسي حين قتلْتَني أوّلَ مرّة، أما أنا فقدْ أدمَنْتُ الحياةَ وعشقَ أرضي التي تَبعثُني حَيّاً كلّما قتلْتَني، أنا أحيا مُجدَّداً لأسْخرَ منك.. فكيفَ أموتُ وأنا الذي لا تَقتلُهُ رصاصةٌ يطلقُها عليه جنديٌّ غريبٌ مَيّت؟
قِفْ وفكّرْ!
أعِدُكَ أنَّ كابوسَكَ سيتكرّرُ كلّ يوم: أنتَ الذي تُطلِقُ الرصاصَ فتموتُ، وأنا الساخرُ منَك كلّما قتلتني أعودُ إلى أرضي لأُبْعَثَ حَيّا..
أيّها الجنديُّ الغريبُ الميّت!
أتظلُّ تقتلُني كلّ يومٍ لأحيا وتموتَ أنْت؟
قِفْ وفكّرْ!
وارسو/ بولندا 26-7-2017
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها