تحقيق: سمية الجرشي
تُمثِّلُ الاتحادات الإطار الشعبي الفلسطيني العام بكلِّ ألوانه وفئاته، ويُعدُّ الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية أحدَ أهم هذه الاتحادات، وقاعدةً من قواعد الثورة الفلسطينية، إذ عمِلَ في كلِّ فروعه على تنظيم المرأة الفلسطينية وتعبئة طاقاتها بهدف تحرير الوطن، والمساهمة الفعّالة في تحسين الواقع الاجتماعي والاقتصادي لحياة المرأة وأُسَرتها، وتعزيز مشاركتها في المجتمع المحلي. وقد قدَّم الاتحاد في لبنان تجربـةً فريـدةً ونموذجيّـةً وخاصةً في مخيَّم الرشيدية حيثُ ينشط دور الاتحاد ومؤسَّساته وبرامجه مُتَحدِّياً المعيقات التي تواجهُهُ.
تأسيسُ الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية
تأسَّس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية عام 1965 كتنظيمٍ شعبي ديمقراطي، يهدفُ إلى تنمية قدرة المرأة ورعايتها في جميع أماكن وجود الشعب الفلسطيني. وباعتباره مؤسّسةً من مؤسّسات منظمة التحرير الفلسطينية، وضعَ الاتحاد أهدافه خلال مؤتمره الأول في القدس عام 1965، إذ استندت أولويّاته إلى تعبئة وتنظيم طاقات المرأة الفلسطينية في خدمة القضية الفلسطينية، والإسهام الفعّال في معركة تحرير الوطن المغتصَب، والنضال من أجل تحقيق مساواة المرأة بالرجل في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك بالربط بين قضية التحرير الاجتماعي للمرأة وقضية النّضال من أجل التحرير الوطني.
وتشكَّلت اللجنة التحضيرية للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية من: زليخة الشهابي، وسميرة أبو غزالة، وسعاد الكيلاني، وفايزة عبدالمجيد، وسلمى الخضرا الجيوسي، ووديعة خرطبيل المصري. أمَّا الهيئة التنفيذية الأولى للاتحاد فشُكِّلت عبر الانتخابات الديمقراطية برئاسة عصام عبدالهادي، ونيابة فريدة أرشيد. وانتخَبَ الأعضاء سميحة خليل أمينة سر، وليديا الأعرج أمينة صندوق، وأمنية الحسيني مسؤولة علاقات خارجية، ونهيل بحيضة مسؤولة علاقات داخلية.
ومع تشكيل خلايا الثورة في لبنان، بدأت النساء الفلسطينيات بالالتحاق بقواعد الثورة والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية. وخلال العام 1969، عُقِدَ مؤتمرٌ للاتحاد في بيروت تحت عنوان "توحيد جهود الهيئات النسائية الفلسطينية". وفي العام 1974 عُقد المؤتمر الثاني في لبنان تحت شعار "تنظيم جهود المرأة الفلسطينية دعامة أساسية في معركة التحرير". وفي ضوء هذه المؤتمرات والانتخابات الدوريّة، تأسَّسَ فرعٌ للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في لبنان، وامتدَّت مراكزه إلى المخيّمات الفلسطينية كافةً.
اتحاد المرأة في الرشيدية: دوره وأبرز مؤسساته
كان الهدف الأساسي للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية منذ تشكيله في لبنان الاستقطاب الجماهيري للقضية الفلسطينية. ونظراً للدور النضالي الكبير للمرأة الفلسطينية عبر مسيرة الشعب الفلسطيني، فقد استهلَّ اتحاد المرأة في لبنان مسيرتَهُ بالعمل على تعبئة النساء الفلسطينيات تعزيزاً لدور المرأة في المجتمع لتحقيق الهدف الرئيس للاتحاد لا سيما وأنه تأسَّس تحت شعار "تنظيم جهود المرأة الفلسطينية"، بحسب أمينة سر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في مخيَّم الرشدية، عليا زمزم.
وتُشيد زمزم في حديثها لمجلّة "القدس" بالدور النضالي العظيم والتضحيات الجِسام التي بذلتها وما زالت تبذلها الفلسطينيات في الاتحاد على جميع الصُّعد رغم كلِّ الصعوبات، فهن الفدائيات ومُنفِّذات العمليات الخاصة في الداخل المحتل، والرائدات في المجالات كافةً، منوِّهةً إلى تقديم الاتحاد عدداً كبيراً من الشهيدات بينهن: هدى خريبي، وشادية أبو غزالة، وسميرة خشان، وهدى فارس، وسامية زكريا، وغيرهن.
أمَّا عن تأسيس الاتحاد في مخيّم الرشيدية وأبرز مؤسساته وبرامجه، فتقول: "أُسِّسَ اتحاد المرأة الفلسطينية في الرشيدية بهدف مساندة الفدائيين في المخيَّم للوصول إلى تحرير فلسطين والعودة. والنظام الداخلي الذي أقرَّه الشهيد الرئيس ياسر عرفات، يُشجِّع كلَّ العالم، وليس الشعب الفلسطيني فقط، على الانضمام إلى صفوف الثورة الفلسطينية. وقد بدأ الاتحاد عمله في المخيَّم العام 1972، وأسَّسَ روضةَ أطفالٍ بِاسم "الشهيدة شادية أبو غزالة"، ونظَّم دوراتٍ تدريبيةً عسكريّةً للمرأة متساوية مع الفدائيين، وكانت آخر دورة عسكرية بعد حصار المخيَّم العام 1982، وقد خرَّجت نحو 75 امرأة. كما نظَّم الاتحاد دوراتٍ تدريبيةً وتثقيفيّةً حول الإسعافات الأوليّة بالشراكة مع الدفاع المدني، وكانت من أهم الدورات في تلك الفترة، بسبب ظروف الحرب إذ كان المخيَّم يتعرَّض يومياً للقصف، فكان الاتحاد يساعد الهلال الأحمر الفلسطيني في عمله الإسعافي".
وتضيف: "منذ بداية عمل الاتحاد في مخيَّم الرشيدية وعلى مرِّ السنوات أنشأ عدداً مهمًّا من المؤسسات التابعة له، منها التربوية مثل روضة "الشهيد صلاح خلف"، وروضة "الشهيد معين بسيسو"، والاجتماعية والثقافية مثل مركز "القدس للشباب" ونادي "بيسان" ومؤسَّسة "الشهيد أبو جهاد الوزير" ومكتبة "هاني القدومي" العامّة. ويُنفِّذ الاتحاد من خلال مؤسّساته ومراكزه عدداً من النشاطات التربوية والتعليمية والثقافية، إضافةً إلى دورات الدعم النفسي الاجتماعي لمختلف الفئات، والأنشطة الترفيهية للأطفال، كما يُقدِّم خِدماتٍ تدريبيةً من خلال الدورات المختلفة التي يُنظِّمها. ومن المشاريع العامّة لمساعدة أبناء شعبنا الفلسطيني من الناحية المالية والاقتصادية، برامج القروض، وبينها "القرض الدوار" الذي يُشرِفُ عليه الاتحاد في مخيّمات لبنان كافةً، والذي نعمل به بالشراكة مع "اليونسيف" منذ عشرة أعوام. ويستفيد من "القرض الدوار" أكثر من 350 شخصاً على مدار السنة. وبالتوازي، يُقدِّم الاتحاد "قرض المهن" للشباب الذي يدعم أكثر من 150 شابًّا وشابةً من خرّيجي المعاهد المهنية والجامعات في بناء وتطوير مشاريع صغيرة، وهذا البرنامج من أنجح المشاريع لدينا لأنه غيّر حياة كثيرين".
وبسؤالها عن مصادر تمويل الاتحاد، أجابت زمزم: "المصدر الأساسي للتمويل هو منظمة التحرير الفلسطينية، إضافةً إلى مساعدات تُقدِّمها "اليونسيف" ومؤسسة "التعاون". ويعمل الاتحاد بالشراكة مع عددٍ من المؤسّسات والجمعيات والبرامج الإنمائية في مشاريع مختلفة مثل جمعية "MAP" وجمعيات ومؤسسات نرويجية وإيطالية،كما أنَّ الاتحاد قد بنى شراكةً عميقةً أشبه بالتوأمة مع المؤسسة الفرنسية منذ 15 عاماً بعد زياراتٍ ولقاءاتٍ متبادَلةٍ وتواصلٍ مستمرٍّ، تُقدَّم من خلالها خِدمات متبادَلة.
وحول أبرز العقبات التي تعترض عمل الاتحاد في لبنان قالت: "العقبة الرئيسة هي عدم حصول الاتحاد على "علم وخبر" من الدولة اللبنانية، كون الاتحاد يتبع لـ"م.ت.ف"، حيثُ أنَّ الحصول على علم وخبر يجعل الاتحاد قانونيًّا على الأرض اللبنانية وبالتالي يمكِّننا من تأسيس مؤسسات أكثر والاستفادة من المؤسسات الدولية بشكل أكبر، هذا إضافةً إلى مشاكل تمويلية وتنموية ولوجستية".
وتلفت زمزم إلى أنَّ الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية يُعِدُّ سنوياً تقريراً حول عمل الاتحاد خلال العام وحول الثغرات والنقص والتحديات والاحتياجات، وبناءً على ذلك يتمُّ إعدادُ خطّةٍ لكلِّ مراكز الاتحاد في لبنان تُراعى فيها خصوصية كلِّ منطقة، ثُمَّ تُقدَّم هذه الخطة إلى المؤسسات الدولية التي تعمل بالشراكة مع الاتحاد، وبدورها تُجري هذه المؤسسات دراساتٍ مع مؤسّسات المجتمع المحلي وبحسب حاجات المجتمع تضع خطةً، وتُنفِّذ مشاريعها.
إنجازات المرأة في الرشيدية
تشير عضو الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، والمشرفة على رياض الأطفال في منطقة صور، نادية قاسم، إلى أنَّ الاتحاد وخلال سنوات عمله في مخيَّم الرشيدية حقَّق العديد من الإنجازات المهمة من خلال مؤسساته المختلفة. وتوضح: "على صعيد رياض الأطفال، أحرز الاتحاد تقدُّماً مهمّاً من خلال اتِّباع الرياض منهجيةً جديدةً كان لها نتائج إيجابية على تحسين المستوى التعليمي للأطفال، إضافةً إلى الدعم النفسي الذي تقدِّمه للأطفال. كما يتم العمل بشكل مستمر على صيانة وتجديد أقسام المراكز لتوائم المتطلبات الصحية للأطفال إضافةً إلى المتابعة الصحية للأطفال من خلال الهلال الأحمر الفلسطيني في المخيَّم. ومن أهم إنجازات الاتحاد أيضاً إنشاء مركز دعم نفسي في تجمُّع المعشوق الذي يُقدِّم خِدمات دعمٍ نفسيٍّ للأطفال الذين يتبيَّن أنَّ لديهم مشاكل نفسية حيثُ تجري متابعتهم من قِبَل أخصائيين، ويتابع المركز حالياً نحو200 طفلٍ من سبع رياض أطفال مختلفة في منطقة صور".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها