كتب الوزير الاسبق المهندس سمير الحباشنة مقالة حملت انطباعاته حيال معيشة وأحوال المواطنين الفلسطينيين الذي يقارعون الاحتلال بإمكاناتهم المحدودة جدا، فكتب المقالة بعد عودته من زيارة قام بها الى فلسطين والتي التقى خلالها الرئيس محمود عباس ابو مازن.
نص المقالة (الفلسطينيون يحفرون اساسات دولتهم بأظافرهم)
برغم أنه احتلال مقيت، يعد على الفلسطينيين أنفاسهم، يراقب حركاتهم بالمجهر، بحواجزه وطرقه الالتفافية، بجداره العنصري مثل أفعى تلتف حول عنق كل قرية فلسطينية، برغم من الفارق النوعي والكمي في القدرات بين احتلال مدجج بالنووي والكيماوي مدعوم باقتصاد عملاق، وبين شعب فقير وسلطة محدودة الموارد وقوة عسكرية بأسلحة وطلقات محدودة، وبرغم الاختلال الكبير في توازن دولي منحاز على عماه الى جانب اسرائيل المعتدية والمحتلة ضد فلسطين آمنة أسيرة.وبرغم الضعف والتفكك العربيين وانشغال الاشقاء كل في محنته، الى جانب بخل عربي على فلسطين وشعبها يبدد حديثنا المزعوم عن الكرم العربي، وبرغم اقتطاع قطاع غزة من الجسم الفلسطيني وانقسام سياسي داخلي غير مبرر، وبرغم تلك الظروف الصعبة التي يواجهها الشعب الفلسطيني وقيادته وسلطته، فإنهم يحفرون اساسات دولتهم على أرضهم بأظافرهم، وذلك زادهم ارادة لا مثيل لها وتشبث بالأرض والوطن لا حدود له، يعملون بقوة ومعنويات خارقة لإخضاع الواقع المرير عبر التعامل معه أولا لا على قاعدة الاستسلام له، انما باستخدام أدواته لتغييره من داخله لخدمة هدفهم النبيل ثانيا، دولة مستقلة لشعب يمتلك روح الاستقلال والقدرة على الفعل من أجل الاستقلال.
نعلم أن الدولة لا تكتمل إلا بالمؤسسات لذا فان الشعب الفلسطيني المنزرع في أرضه مثل زيتونه العتيق، طوى صفحة اللجوء الاختياري أو القصري، وشمر عن ساعديه، يوصل الليل بالنهار لبناء مؤسسات تقوده بالضرورة الى استكمال مشروع الدولة.
رأيت بإعجاب وبفخر، كيف للفلسطينيين بكل هذه الظروف ألقاسية أن يكون لهم وزارات وجامعات ومؤسسات خدمات على اختلافها، بل لديهم جامعة عسكرية، وكلية للشرطة، وأخرى للمخابرات، وثالثة للتجنيد والتدريب وميادين رماية وحرس رئاسة، بل ولديهم رئاسة للدولة هي أشبه بحلقة عمل ونقاش منعقدة بشكل دائم، لا فرق بين رئيس ومسؤول، يتحدثون بلغة واحدة وبقلب واحد لهدف واحد، بناء الدولة الناجزة والمستقلة.
تحدثت للرئيس عباس، في لقاء طويل، وجدت أن ما يقوله في الاعلام يقوله في الغرف المغلقة يسعى الى اعادة اللحمة ألفلسطينية ويتعامل بحصافة وبحياد ايجابي مع الموضوع السوري وكل القضايا العربية، ذلك ان لا مصلحة للفلسطينيين كأبناء قضية مركزية أن يدخلوا في التناقضات العربية وأن ينحازوا الى طرف دون طرف.
تثمينهم للأردن وللأردنيين قيادة ومؤسسات وشعب تثمين كبير، ولا غرابة فنحن اشقاء بالروح وبالجغرافيا وبالتاريخ وبوحدة الدم، واعتقادي، وكما ذكرت للرئيس عباس وللعديد من القيادات الفلسطينية التي التقيتها، بأن مستقبل الاردنيين والفلسطينيين هو مستقبل واحد، سيأتي وبالضرورة وبرغبة الشعبين العربيين وذلك بعد قيام الدولة الفلسطينية التامة الاستقلال.
زرت القدس القديمة، ويا لتلك المشاعر، حزن مر ينتاب أي عربي يكون في القدس، أسواقها العتيقة ورجالها الذين يدحرون المستحيل فينتصرون على الاحتلال بإرادة الصمود والبقاء. يتعرفون علينا فتقول سيدة فلسطينية (تبيع رمانا وخوخا): أنتم من عمان ؟ أحب عمان… متى ستخلصونا من ذل اليهود؟
وآخر يقول: رؤيتي بأن جند الشام لابد أن يأتوا وآخرون يحييون الصديق القائد الفلسطيني عزام الاحمد بعبارات لا يعتريها يأس ولا يضعفها احباط. الفلسطينيون في القدس أكبر من الاحتلال، يواجهون البندقية بالصمود، في كل لحظة يقولون نحن هنا ولن نكون الا هنا. زرت الصخرة المشرفة، ووقفت في المغارة التي صلى نبينا العربي عليه السلام بالأنبياء قبل معراجه الى السماء.
زرت المسجد الأقصى، وبين الأقصى والصخرة فوجئت كما فوجئ من معنا بمكان يسمى مصطبة الكرك خاطبني فلسطيني بالقول مداعبا «تعالوا يا كركيون واستعيدوا مصطبتكم- شرفة» ويعتقدون أنها سميت كذلك لان حملة تحرير القدس بقيادة صلاح الدين انطلقت من الكرك.
لم ينغص رحلتنا إلا بعض الذين يفهمون الدين بشكل خاطئ استكثروا على عزام الاحمد ان يكون في المسجد الاقصى مع ان جنود الاحتلال المدججين بأسلحتهم منتشرين في باحات الاقصى بل وفي داخلها
زرت قيامة السيد المسيح عليه السلام، وعلى بعد امتار منها مسجد عمر- رضي الله عنه-ذلك القائد العظيم الذي خط بيده عهدته الشهيرة التي أسست لعلاقات مسيحية اسلامية قوامها العيش المشترك والمحبة المتبادلة رابطها العروبة الذي هو فوق كل الروابط.
مررت بطريق الآلام حيث صلب اليهود المسيح عليه السلام، وكما هو في معتقد اشقائنا وقلت في نفسي كم نحن مقصرون فكريا وإعلاميا حين سمحنا للصهيونية ان تختطف المسيحية في العقل الغربي دون أن نوضح بأن الأعداء الحقيقيين للمسيحية والمسيح هم اليهود وليس المسلمين.
وكانت محطتي الاخيرة في بلدة بيت أمر- الخليل حيث يقطن أخوالي وهناك دفنت والدتي وهناك ذكريات الطفولة في نفسي يتقاسمها المكان الواحد الغالي، في الكرك وبيت امر في الخليل، وحالتي ليست بالخاصة، فشعبنا الواحد يسري في عروقه الدم الاردني الفلسطيني ألواحد يجمعهم مصير واحد ومستقبل واحد
واخيرا، فلا بد من صنعا وان طال السفر.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها