إعداد:  خالد غنام أبو عدنان

نظّمت مجموعة التكتل من أجل السلام والعدالة في فلسطين مهرجانها الخطابي السنوي في برلمان ولاية نيو ساوث ويلز بالتعاون مع مجموعة أصدقاء فلسطين الخاصة بأعضاء برلمان الولاية، وبدعم كامل من كتلة حزب الخضر البرلمانية، وذلك بمدنية سدني مساء الأربعاء الموافق 31 أيار 2017.

بدأ المهرجان بكلمة من عريفة الحفل الرفيقة سيلفيا هال (Sylvia Hale) أكدت فيها التزام المجموعة بالتضامن مع حق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى وطنه وإقامة دولته المستقلة، وأن التضامن مع الحق الفلسطيني يتصاعد بشكل متسارع في الرأي العام الأسترالي وفقاً للإحصاءات الأكاديمية والصحافية، وهذا يتطلب منا مضاعفة الجهود بتوعية الرأي العام بحقيقة المأساة الفلسطينية. ثم طلبت من الرفيق دومينيك واي كاناك (Dominic Wy Kanak) إلقاء كلمة الإفتتاحية باسم السكان الأصليين بالقارة الأسترالية. وبدأ كاناك حديثه بانطباعاته عن زيارته لفلسطين في بداية شهر أيار من العام الحالي، حيث قال أن الصورة مقلوبة في فلسطين إذا ما قورنت بوضعنا بأستراليا، هنا نسير بشوارع المدينة ونعلم أنها كانت غابات وأماكن صيد ورحلات، ويحدثنا الأجداد عن نزهاتهم بها، أما في فلسطين فقد تحولت قراهم إلى غابات وتم طمس مبانيهم بشكل يمحو تاريخهم، بحديثي مع الفلسطينيين شعرت أنهم أقوى منّا وأنهم مازالوا قادرين على التعرف على معالم قراهم، فهم يعرفون مواقع الآبار وأين كانت الشوارع وما هي الأشجار الأصلية وما هو مصطنع من القوى المحتلة، لقد طلبت منهم ضرورة تدوين كل ذلك حتى لا يبقى في الذاكرة الشفوية. إن التجوال في شوارع القدس لا يعطيني الراحة النفسية ولم أسقط بهالة القداسة الدينية رغم أنني حققت حلمي بزيارة الأماكن المقدسة المسيحية، إلا أن مشاهدة أولاد لا يتجاوز عمرهم العشرين عاماً يحملون السلاح ويرتدون زي الشرطة والجيش الإسرائيلين بالمقابل رأيت أولاد الفلسطينيين يتم إيقافهم بسبب أو بدون سبب فالدور الأساسي للجيش الإسرائيلي هو عرقلة الحياة اليومية للفلسطينيين، كيف يمكن أن نحلم بالسلام ونحن نرى أولادنا يدخلون بصراعات لم يكونوا سبباً فيها، علينا أن نعمل على إعادة البراءة لهذا الجيل الذي يعيش بين فقدان الأمل والخوف من الآخر. قد يكون السلام ممكنا إذا ما منح الفرصة وأول السلام هو ترك السلاح والاعتراف بحق الآخر بالعيش بسلام، وهذا هو العلم الفلسطيني يروي لنا قصة هذا الشعب فاللون الأحمر هو رمز الدم والشهادة دفاعاً عن الوطن واللون الأخضر هو لون الأرض المزوعة والعمل الجاد، أما اللون الأسود فهو لون النكبة والحزن على خسارة الوطن ويتوسط ألوان العلم اللون الأبيض وهو لون القلب الفلسطيني فهو متسامح ومحب ومنفتح فلا تجعلوا البياض يختفي من علم الفلسطينيين. باسمي وباسم أجدادي من السكان الأصليين أفتتحت هذا المهرجان تضامنا مع أحبابنا في فلسطين.

ثم تحدث عضو البرلمان من حزب الخضر الرفيق ديفيد شوبريدج (David Shoebridge) وأكد أن زيارته للأراضي الفلسطينية في أيار من العام الحالي كانت تجربة مهمة في حياته حيث أنه تعلم الكثير عن النضال الفلسطيني وأساليب الاحتلال الإسرائيلي بطمس الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، وأن مجرد زيارة منطقة الكنيست الإسرائيلي وتذكر أن هذه الأراضي كانت تخص قرية دير ياسين التي تعرّضت لمجزرة وحشية من العصابات الصهيونية يجعل المرء يشعر بقشعريرة قاسية هل ذبحوهم حيث أقف أم أنني أقف فوق جثث مدفونة. لقد زرت مركز الحكم العسكري لقوات الاحتلال في الضفة الغربية، هناك ترى الجنود مسلحين والأمهات تصرخ وهي تقول أن إبني بريء وآخرى تقول أريد أن أرى طفلي وشاب يقول للجندي أنا لا أعرف العبرية أريد مترجم، وأكثر من كل هذا فإن التعامل خالي من روح إلإنسانية فالتعالي سمة ملتصقة بالجنود والضباط الإسرائيليين ويتعاملون مع كل الفلسطينيين أنهم مجرمون، نعم مجرد بقاء الفلسطيني بوطنه يعتبر جريمة بمفاهيم جيش الاحتلال الإسرائيلي، مجرد أن تطلب أم أن ترى اإنها المخطوف بلا محاكمة منذ أكثر من شهر يعتبر إرهاب ضد الدولة الإسرائيلية. أن ترى الفلسطيني مستمر بالنضال هو دليل قاطع أنه لا يؤمن أن النكبة ستستمر للأبد.

وبعدها تحدث الدكتور محمود أبوعرب عن تجربة والديه أثناء النكبة وقال: أنا من قرية مجدل كروم من قضاء عكا وهي قرية مزوعة بالتين والزيتون والأعناب من قبل ميلاد المسيح عليه السلام، وعنبها مذكور بالتاريخ ومعصرة النبيذ فيها تعود لقبل الحكم اليوناني لفلسطين، فلسطين التي تعاقب عليها الاحتلال تلو الاحتلال من الفراعنة للفرس والبابليين والآشوريين حتى ننتهي بالبريطانيين والإسرائيليين. في أثناء أحداث النكبة كان أهلي يسكنون قرية اسمها شعب وجاءت العصابات الصهيونية وأمرت كل الرجال الركوب بعربة شاحنة مقطورة ثم تم نقلهم قسرا إلى الحدود اللبنانية، وهي ليست الشاحنة الوحيدة بل أن أغلب منطقة عكا تم شحن رجالهم قسرا وتحت تهديد السلاح للحدود اللبنانية، وكانت العصابات الصهيونية تتوقع أن التهجير القسري للرجال سوف يدفع النساء والأطفال اللحاق بهم طوعا، لكن والدي تكمن من التسلل والعودة إلى قرية شعب، كانت فرحة أمي كبيرة بعودته، وهي تذكر لي أنهم لم يحضروا أكلا يكفيهم مما جعل والدي يعود إلى منزلنا في مجدل كروم لإحضار الطحين والبقوليات رغم أنها كانت منطقة عسكرية مغلقة، قد يتوقع البعض أن والدي كان شجاع أو بطل لكنه بالحقيقة مجرد إنسان بسيط لم يمتلك إلا خيارات محدودة والمغامرة باستمرار الحياة أفضل من انتظار الموت. وإنني أدعو الفلسطينيين واليهود على ضرورة إتمام المصالحة التاريخية والعيش معاً بسلام.

تلى ذلك حديث البرفسور جون ماكدونالد (John MacDonald) الذي أعرب عن شكره لجميع الحضور وخاصة البرلمانيين وقيادة حزب الخضر، وقال إنه قبل عشرين عاماً كان عدد الأستراليين المتضامنين مع الشعب الفلسطيني عدد نخجل من ذكره، أيامها كان مجرد أن تقول أنك مع الحق الفلسطيني يعد أمراً بطولياً، وبالنسبة لي كان لي دور أكاديمي لأنني أستاذ محاضر في جامعة بير زيت وبعض الجامعات الأخرى، وأنا مستمر بذهابي لفلسطين شهر كل عام منذ عشرين عاماً وأقول لكم أن المستوى الأكاديمي في الجامعات الفلسطينية مرتفع ويمتلكون كوادر أكاديمية متفوقة إلا أن الفلسطينيين يشعرون بالامتنان لمجرد حضوري لهم ويقولون لي دائما أن وجودك أكثر من تضامن فأنت جزء من نضالنا وتواصلنا يبني لبنات المستقبل الذي نحلم به. وسوف أشارككم بحادثة حقيقية حدثت في مؤتمر علمي أقيم في غزة في عام 1999 وكان من بين الحضور أستاذ صهيوني متعصب قال: إن العلاقة بين فلسطين وإسرائيل هي زواج فاشل ولابد من تنفيذ طلاق رسمي بشكل قانوني يضمن حقوق الطرفين، فقلت له: أنا مختلف معك بتعريفك الأساسي فهي حالة اغتصاب قسري وفي حالات الاغتصاب لابد من اعتراف الطرف المعتدي أنه أخطأ وأنه مستعد للعقاب ومستعد لتعويض الضحية، ومازلت عند موقفي العلمي أن فلسطين مغتصبة وتتعرض لاغتصاب بشكل يومي والعالم كله يطالب الفلسطينيين بقبول أن هذا وضع طبيعي وهذا مخالف لكل العلوم الفلسفية، أن أقول أن 60% من شباب فلسطين تم سجنهم لفترات في سجون الاحتلال يعني أن الاغتصاب يشمل الأرض والشعب ولابد أن يكون الاعتذار عن هذه الجريمة بداية المصالحة التاريخية وبدونها فإن نكبة فلسطين ستستمر، وإنني فخور بأصوات الأكادميين الإسرائيليين المناصرة للحق الفلسطيني وأرى أنها بداية النور في زمن الاحتلال المظلم.

واختتمت المهرجان عضوة البرلمان جوليا فينن (Julia Finn) وأعربت عن شكرها لكل من دعم مشروع أصدقاء فلسطين في برلمان الولاية وأن المجموعة تقوم بحملة تبرعات لدعم المؤسسات الفلسطينية الفاعلة بموضوع الأسرى ومساندة أسر الأسرى، وأنها تعتبر انتصار الأسرى لدليل قوي على أن الشعب الفلسطيني يرفض أن يعيش بدون كرامة وأن صموده ضد ممارسات الاحتلال يعد أكبر تحدي للنكبة، وأن الفلسطينيين في مخيمات الشتات وفي أستراليا مازالوا متمسكين بحق العودة وأن العودة للوطن ليس مجرد حلم بل هو برنامج عمل نسعى لتحقيقه بالتعاون مع كل أنصار الشعب الفلسطيني بالعالم.