يربض مدفع رمضان بسبطانة لا تزيد عن مترين في ساحة مبنى إطفائية بلدية نابلس منذ سبعة عشرة عاما، لكن هذا المدفع لا يطلق أي قذيفة.
مدفع رمضان أحد الطقوس المحببة لأهالي المدينة خلال شهر رمضان، التي باتت مجرد ذكريات اليوم، بعد أن اندثرت بفعل قيود فرضها الاحتلال الإسرائيلي.
ويشعر كبار السن في مدينة نابلس بالشوق والحنين لسماع صوت مدفع رمضان، الذي اعتادوا عليه خلال القرن الماضي.
يقول محمد الحلو (84 عاما)، وهو أحد سكان البلدة القديمة، لـ"وفا"، إن مدفع رمضان من الطقوس التي كانت تمتاز بها المدينة خلال رمضان، وله مكانة خاصة لدى النابلسيين، الذين كانوا ينتظرون لحظة الإفطار ليس لتناول الطعام والشراب فقط، بل للاستمتاع بسماع صوت المدفع.
وقبل نصف ساعة من إطلاق مدفع رمضان، كان الأطفال وحتى كبار السن يتجمهرون قرب بلدية نابلس حاليا، مكان إطلاق المدفع سابقا، وكذلك ينتظر الأهالي خلف شبابيك بيوت البلدة القديمة ليشهدوا عملية الإطلاق، وسط هتافات وتصفيق الصغار، يضيف الحلو.
مدفع رمضان كان يستخدم كوسيلة للإعلان عن موعد الإفطار، والإمساك، وعن الطعام والشراب طوال شهر رمضان المبارك، فيما تطلق سبع قذائف إذا ثبت هلال عيد الفطر السعيد، ابتهاجا وترحيبا به، ويطلق طلقة واحدة عند كل أذان خلال أيام العيد الثلاث، وتتكرر العملية خلال عيد الأضحى، وفق الحلو.
وتتعدد الروايات حول تأريخ حكاية مدفع رمضان، إلا أن الشائع منها أنها بدأت عندما كان والي مصر في العصر الإخشيدي "خوشقدم" يجرب مدفعا جديدا أهداه له أحد الولاة، وتصادف ذلك وقت غروب الشمس في أول يوم من شهر رمضان، ومع توافد العلماء وأهالي القاهرة على قصر الوالي لتناول الإفطار، انتهزوا الفرصة ليعبروا عن شكرهم بتنبيهه لهم بإطلاق مدفع الإفطار، وعلى ما يبدو أن الوالي قد أعجب بالفكرة؛ فأصدر أوامره بإطلاق مدفع الإفطار يوميا، وقت أذان المغرب في رمضان.
ومدفع رمضان تقليد متبع في العديد من العواصم والمدن الإسلامية كالقاهرة، وبيروت، ومكة المكرمة...، وفي مدينتي القدس، وغزة، بالإضافة إلى نابلس.
وكباقي أهالي مدينة نابلس يتمنى فؤاد حلاوة (81 عاما) سماع صوت مدفع رمضان يدوي مجددا في سماء مدينته، التي عرفته، واعتادت عليه منذ عقود.
وخلال حديثنا حول مدفع رمضان، بدأ حلاوة يدندن بأناشيد كان يرددها الأطفال لحظة إطلاق المدفع كل يوم، قائلا: ضايل للمدفع أربع دقائق ..تلات دقائق.. طفى ضو.. ولّع ضو، قال المدفع بو".
ويوضح حلاوة أن مدفع رمضان يعود لفترة الحكم العثماني لمدينة نابلس، واستمر خلال حكم الانتداب البريطاني والأردني، إلا أن فترة الاحتلال الإسرائيلي بعد عام 1967 شهدت توقف المدفع فترات طويلة.
ويضيف "رمضان في نابلس وتحديدا في البلدة القديمة غير، يا ريت لو تعود الأيام، ويعمل المدفع، نابلس تحافظ على العادات العريقة في رمضان".
ويعود تاريخ صناعة المدفع الموجود حاليا في إطفائية بلدية نابلس للعام 1918، ويعمل بالبارود والشرائط بدلا من القذائف المدفعية، وأحضر من مدينة عكا، وفق ما تحدث مدير إطفائية بلدية نابلس رامز الدلع.
ويشير إلى أن عدة أشخاص تعاقبوا في مهمة إطلاق مدفع رمضان، بينهم جميل البغدادي، وأبو إبراهيم البكري، وجده رامز الدلع، والذين كان دورهم يتمثل بحشو فوهة المدفع بالأقمشة، والشرائط وإشعال البارود، وقت الإمساك، والإفطار برمضان، وبالأعياد.
ويضيف الدلع، أن الاحتلال الإسرائيلي كان يسمح للمسؤول عن مدفع رمضان بإخراج الكمية اللازمة من البارود لضرب المدفع بحضور مراقب من شرطة الاحتلال، إلا أنه منع تشغيله عدة مرات خاصة في الانتفاضة الأولى.
ويتابع: بعد قدوم السلطة الفلسطينية عام 1995 للمدينة، تم الاستعانة بالألعاب النارية بدلا من البارود لتشغيل المدفع، حيث كنا نحضر كميات من مدينة بيت لحم تكفي طوال شهر رمضان.
ولم تستمر فرحة أهالي المدينة وبهجتهم بعودة مدفع رمضان طويلا، حيث توقف عن العمل بداية انتفاضة الأقصى بفعل منع الاحتلال الإسرائيلي إطلاقه؛ لدواع أمنية، وكذلك نتيجة خلل في فوهة المدفع، وفق الدلع.
ويتمنى الدلع أن يعود مدفع رمضان يدوي في سماء نابلس، إلا أنه يستبعد ذلك في وقت قريب، نتيجة عدم إمكانية إصلاح فوهة المدفع، أو استبداله بمدفع جديد.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها