حاورتها / منال خميس - خاص مجلة "القدس" الاصدار السنوي 333 كانون ثانٍ 2017

مع نهايةِ يوم الأحد الرابع من كانون الأوّل 2016، كانت أعمال المؤتمر العام السابع لحركة "فتح" الذي عُقِدَ في قاعة الشهيد احمد الشقيري في مقر المقاطعة برام الله، قد انتهت بدورها، فيما لا يزال الحديث الذي بدأ قبل عقد المؤتمر حول أهميّته وآليات انعقاده وقراراته ونتائجه وكيفية البناء عليها متواصلاً حتى اليوم. وللوقوف على هذه النقاط، وغيرها، كان لمجلة "القدس" هذا الحوار مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" دلال سلامة.

 

برأيكم هل شكّل انعقاد المؤتمر السابع لحركة "فتح" نقطةً فارقةً تشمل رؤية فلسطينية جديدة بين "فتح" وبعضها داخلياً؟ و"فتح" والعرب خارجياً؟ و"فتح" والمحيط الإقليمي والدولي؟

كان المؤتمر العام السابع لحركة "فتح" على قدر كبير من الأهمية، وأهميّته تكمن في أكثر من جانب، أولها الحفاظ على دورية عقد دورات مؤتمراتنا العامة، وتعزيز النهج الديمقراطي من خلال هذه المؤتمرات لاختيار الأُطُر القيادية، كذلك اتّسم المؤتمر بتمثيل واسع لأبناء الحركة، الذين جاءوا عبر الأُطر التنظيمية والحركية، ومن الكفاءات المتعدّدة، وبالتالي كان عنوان وحدة إيجابية داخل الحركة في هذا الاتجاه، ومن جهة ثانية كان عنواناً لتعزيز وتمثيل الحركة الذي أتى من خلال زوايا متعددة، هي برنامجنا السياسي، وبرنامج البناء الوطني، والبرنامج الخاص بالنظام الداخلي للحركة. فعلى صعيد البناء الداخلي للحركة، هناك معطيات هامة جداً في البنية التنظيمية والحركية، وهذه البنية لها رصيد أكثر من خمسة عقود من عمر الحركة، والآن نحن مُقبِلون على ذكرى الانطلاقة المجيدة الـ52، وبالمحصلة نتيجة هذه المدة أصبح هناك زخم هائل من الكادر الحركي والتنظيمي، والكادر المناضل الذي لا يمكن استيعابه من خلال الهياكل التنظيمية الموجودة أو لا يعرف كيف يمكن أن يكون ممثَّلاً في داخل المؤتمر العام للحركة، ولذلك هناك مقترحات عدة وُضِعَت في هذا السياق، سواء أكان من خلال فكرة المجالس الحركية أو إعادة دمج المتقاعدين العسكريين، وإشراكهم في البنية التنظيمية، في المناطق أو الأقاليم أو غيرها من الأُطر الحركية المتعددة، ونحن في اللجنة المركزية والمجلس الثوري بعد انعقاده، سنعمد إلى اعتماد هذه التعديلات بما يزيد من قدرة استيعاب النظام الداخلي للكادر جميعه داخل الأطر، وليكون هذا الكادر ممثَّلاً ويشعر أّنه ممثَّل، هذه النقطة مهمة، لأنه كلما كان لدينا قدرة في الإطار الداخلي، أصبح  لدينا قدرة على استيعاب الحالة التنظيمية بكافة أطيافها، وهذا يؤسِّس لتمتين وتقوية للأطر، ويساعدها على حمل البرنامج السياسي أيًّا كان، ويؤهّلها للقيام بدورها في إطار البرنامج الوطني.

أمّا بالنسبة للمحيط العربي والمحيط الدولي، فهناك مَن أراد عربيًا أن يصادر القرار الفتحاوي، أو أن يملي الأوامر على "فتح" وعلى القيادة الفلسطينية لأنَّ "فتح" لا تقود نفسها فقط، بل هي تقود جميع الشعب، ومحاولة مصادرةِ قرارها هي مصادرة للقرار الفلسطيني، لذلك كان عنواننا القرار الفلسطيني المستقل الذي نرفض أي تدخُّل فيه، فنحن نؤمن بعمقنا العربي، ونؤمن بالتكامل والتنسيق والتعاون لصالح القضية الفلسطينية، ولكن ليس على حساب استقلالية قرارنا ومصادرة القرار لصالح فكرة هنا أو اتجاه هناك.

 

وصفَ البعض نتائج المؤتمر بأنَّها كارثية وأنَّها انتحار سياسي داخلي لفتح، ما رأيكم بذلك؟

أعتقد أن مؤتمراً عُقِد بنجاح بمشاركة كافة أطرنا الحركية والتنظيمية، لا يعتبر انتحاراً سياسياً، وبالتأكيد في أي مؤتمر تكون فيه انتخابات، وليس فقط أوراق عمل، وبرامج سياسية وبرامج بناء وطني وتنظيمي، لا بدَّ أنَّ كلَّ مَن يخرج من هذه الانتخابات ستكون له رؤية لربما يشوبها شيء من الضبابية، أو عدم الرضا، ولكن نحن كفتحاويين لا يوجد لدينا مَن يُستثنَى خارج إطار "فتح" التنظيمي، ومَن لم يحالفه الحظ بالتأكيد ستكون له إحدى المهمات الحركية أو سيُكلَّف بإحدى المسؤوليات الوطنية. فحركة "فتح" متشعّبة وممتدّة، لها مؤسساتها ومهماتها الحركية المتعددة والوطنية، وتحرص على أن يكون جميع أبنائها موجودين داخل منظومتها، ولكلٍّ دوره في قيادة الدفة، وكلنا نعمل لإنجاز مشروعنا الوطني الفلسطيني من أي موقع كنا فيه. كذلك أريد أن ألفت إلى أنَّنا في اللجنة المركزية في اجتماعينا الأول والثاني، كان لنا حديث في هذا السياق وبأنه لكل مؤتمر نتائجه، وللنتائج تبعات، وبناء على ذلك فنحن كلنا نعمل من أجل التواصل مع أبنائنا، وبناتنا جميعاً، لاحتواء وترطيب الأجواء، والكل يعرف بأنه ليس خارج الإطار التنظيمي، وامتعاض البعض ردود فعل أولية طبيعية.

 

ما مردود تمثيل الأقاليم الخارجية والشتات في المؤتمر على تفعيل الحركة النضالية الفلسطينية في الخارج لحشد التعاطف والموقف الدولي مع قضيتنا الفلسطينية؟ وعلى ضمان استمرارية التواصل والتفاعل التنظيمي بين أبناء الحركة؟

نعم هذا الأمر مهم جداً، والإشارة التي تناولها المؤتمر وتلمّسناها في ذلك السياق وجود ضرورة قصوى لاستمرار حالة التفاعل التنظيمي، عبر انتظام المؤتمرات بين أبناء "فتح" أينما وُجِدوا في العالم، فحالة التواصل دورياً مهمة جداً، لأنَّ طبيعة تجربة الفعل التنظيمي بتحصيل الحقوق المشروعة تتباين من منطقة إلى أخرى ولكنها تتكامل.

وكمثال أقاليمنا في أوروبا تعمل بطريقة مهمة جدًا، فالآن يعود الثقل هناك من جديد، فبعد أحداث العالم العربي جالياتنا في أوروبا زاد عددها بسبب الهجرة من سوريا ولبنان، وللعِلم في فترة السبعينيات كان الثقل لطلابنا في أوروبا، ولكن في الثمانينيات والتسعينيات خفَّ هذا الفعل، أمَّا الآن فيوجد جيل شاب هائل غادر سوريا ولبنان إلى الدول الأوروبية، وهؤلاء بدأوا يندمجون في الحالة التنظيمية ومن المهم جدًا التركيز عليهم.

 

إلى جانب تجديد الشرعيات والهيئات داخل الحركة، هل تمَّت مناقشة حلول جديّة لملفات قطاع غزة العالقة؟

لقد حاكى المؤتمر المعطيات والمشاكل التي يعيشها أبناء شعبنا في كل مكان. ففي سوريا يعيشون حالة قهر وصراع، وأيضًا أبناؤنا في قطاع غزة يعملون في ظروف قاهرة، في ظل هيمنة حماس وتعدياتها، وما بين الضفة وغزة التي لا يفصلهم شيء، ورغم كل حالة التشابه بالفعل التنظيمي إلا أنَّ هناك مشكلات وتحديات موجودة بغزة نتيجة انقلاب حماس وهو أمر  مختلف عن هنا، فمعاناة أبنائنا هناك ناتجة عن الظروف الاقتصادية والانعكاسات الاجتماعية لها، والبطالة والفقر وكثير من القضايا والإجراءات التي تتّخذها حماس بحقهم بغزة، وكلها تنعكس بشكل أو بآخر على أبنائنا الفتحاويين، لجهة الوظائف أو غيرها.

بالمحصلة هذه القضايا والملفات المتعلّقة بغزة تحديداً هي محطة راوحت مكانها في اللجنة المركزية السابقة، ويجب أن نسعى للخروج بحلول إبداعية لأبنائنا، فلا يجب أن نقوم بمساواتهم بنفس الدرجة مع حماس، ولا يجب أن يكونوا ضحية أحد، نحن نحتاج حلولاً إبداعية لتسوية أوضاعهم الوظيفية، وكثير من القضايا التي لها علاقة بالانقسام، واعتقدُ أن التوجه الفتحاوي الذي كان بالمؤتمر يقول أنه يجب أن نقف جديًا أمام محطة إنهاء الانقسام.

 

هل أنتم راضون عن نسبة تمثيل المرأة في اللجنة المركزية والمجلس الثوري وفي المؤتمر نفسه؟

بالأساس لم نكن منذ البداية راضين عن نسبة تمثيل المرأة بالمؤتمر، لأنها لم تصل إلى الـ14%، وكنا قد سعينا بعد المؤتمر السادس لأن نضمن وصول نساء بنسبة 20% في كل الأطر القيادية، حيث أننا وبشكل عملي استطعنا من خلال العمل بالأطر التنظيمية، ومفوضية التعبئة والتنظيم، سواء أكانت في غزة أو الضفة الغربية، أو الشتات، أن نصل إلى نسبة تزيد عن 20% للأطر القيادية بالأقاليم، وكذلك كان التعامل مع ملف المنظمات الشعبية، والمكاتب الحركية، حيث تجاوزت النسبة 20% بكثير، وهذا كان شيئاً إيجابياً، ولكن المعضلة كانت في زوايا أخرى متعددة لم تكن النساء ممثَّلة فيها، ولذلك النسبة انحصرت في الـ14%، وبالتالي عدم اعتماد المادة 116 ونتائج المؤتمر على 20% للمجلس الثوري، أو المركزية لم نكن راضين عنه، وكان الأمر يحتاج إلى قرار من المؤتمر بشأنه أو حتى اتخاذ قرار بشأن المؤتمر اللاحق، وهذا أحيل بضمانة الرئيس ووعده إلى اللجنة المركزية والمجلس الثوري القادم من أجل اعتماده، وسنصوِّت للصيغة في المادة 116 لنضعها بصيغة الالتزام بنسبة الـ20% بكافة الأطر القيادية.

 

هل تتوقعين أن يعيَّن السيد الرئيس إحدى الأخوات باللجنة المركزية من ضمن التعيينات؟

لقد حاولنا أن ننظِّم حركتنا باتجاه أنه طالما لم يتم اعتماد الـ20% أن نضمن وصول 2 إلى 3 من الأخوات إلى اللجنة المركزية، ولكن للأسف لم تؤهِّلنا قدرتنا العددية ربما، وأيضاً صيغة التحالفات والتوافقات، للوصول للعدد المطلوب، وكان نجاحي أنا فقط بالوصول إلى اللجنة المركزية، ونأمل أن نعمل عبر آليات جديدة للمؤتمرات القادمة لتجاوز هذه الحالة، هذا من زاوية. ومن زاوية ثانية فقضية التعيينات تأتي في إطار بعض المعايير المعروفة تاريخيًّا عبر مسيرة الحركة، يحكمها مثلاً كفاءات حركية خاصة مهمة لعمل الحركة في مجالات محدَّدة، وقد يتم الأخذ بمعايير أخرى كالجغرافيا أو النوّع الاجتماعي، ولكن حتى الآن لم تُناقَش المعايير في اجتماعاتنا، والبند الأول الأهم الخاص بالكفاءات الحركية، هو ما يستدعيه الفعل الهام للحركة ومسيرة عملها. لذلك لا نستطيع نفي أو تأكيد ما سيقرّره الرئيس "أبو مازن".

 

هل ستشهد المرحلة القادمة وضع خطط واستراتيجيات نوعية للنهوض بملف المرأة داخل حركة "فتح"؟

في هذا السياق يجب التمييز بين حالتين. أولاً، بين البنية التنظيمية للحركة، ونقصد بها الأعضاء رجالاً ونساء، وهذه البنية التي من خلالها يجب أن نحافظ وأن نستمر جميعنا للحفاظ على تمثيل المرأة بنسبة 20% بالحد الأدنى في الأطر القيادية سواء أكانت لجنة الشعبة أو المنطقة او الإقليم، وهذا أمرٌ في غاية الأهمية، لأنَّ المرأة لا تعمل في ملف المرأة وحده، هي تعمل في التنظيم بكافة ملفاته وكل زواياه، وتعمل في ملف التعبئة والاستقطاب، والمكاتب الحركية، والمالية والإدارية، والمقاومة الشعبية، والشبيبة، المرأة باختصار تدير ملفاً نضالياً.

أمَّا بالنسبة للمحطة الثانية الخاصة بالحالة النسوية المبنية على النوع، فهناك جزءان، الأول أنَّنا لدينا توصية من المؤتمر بأن يكون لدينا إطار نسوي يتم اعتماده في النظام الداخلي، فقد أُسِّس في بدايات 1982 اتحاد لجان المرأة الذي يمثِّل كل فصائل منظمة التحرير، والكل حافظ على إطاره النسوي لوجود قضايا نوع تهم المرأة، وحركة "فتح" يجب أن يكون إطارها النسوي غير منفصل عن البنى التنظيمية الأخرى، وهنا نقول إطار مثل غيره من الأطر، ولا نقول تنظيماً نسويًّا موازيّاً، هو إطار نسوي حركي، وهذا الإطار له عضويته ويتناول قضايا المرأة الفتحاوية.

ثانياً هناك المكتب الحركي المركزي للمرأة الذي يعبِّر عن الإطار الحركي للفتحاويات في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية الذي يمثِّل كل فصائل منظمة التحرير، الفتحاويات الموجودات بالاتحاد العام اللاتي يحملن قضية المرأة في أفقها العام، من قوانين وتشريعات وتغيير سياسات، إلى غير ذلك نحن نحملها مع الفصائل الأخرى بالاتحاد العام العريق، بالتالي المكتب الحركي المشكَّل من الحركيات الفتحاويات نتيجة وجود اتحاد المرأة، هذا له مهمة حركية نقابية، وهذا المكتب يجب أن يكون في إطار متابعة المنظمات الشعبية، هذا المكتب يتابع أوضاع الفروع، وكيف نقوم بدورنا كفتحاويات في إطار الاتحاد العام، ومن شأنه أن يفعّلها. إذا فعَّلنا وعقدنا مؤتمرات دورية لاتحاد لجان المرأة بهذه الطريقة اعتقد أنَّنا نمتلك رؤية ناضجة لكيف يمكن أن نفعّل هذا الجيش الذي يشكل نصف المجتمع الفلسطيني المتمثل بأخواتنا، فالمرأة الفلسطينية، وأصلاً في الجوهر المرأة الفتحاوية قدَّمت كل الرؤى الخاصّة بالمرأة، ومن المهم جداً إعادة التواصل مع أخواتنا، فهناك زخم نسائي فتحوي ليس لهن صلة بالإطار النسوي الفتحاوي، ولا باتحاد المرأة أيضاً، ولكنهن منتميات، كيف نعيد الصلة معهن وبيننا وبينهن؟ هذا لا يتحقَّق إلا إذا شعرن أن لهن مساحة بهذا الإطار النسوي حيث ممكن أن يضعن بصماتهن فيه، وهذا من شأنه أن يفعّل مشاركة المرأة بحركة "فتح" في كل الأطر التنظيمية أو الحركية الأخرى.

 

ما هي الرسالة التي توجِّهينها إلى أبناء حركة "فتح" في الوطن والشتات؟

أريد أن أوجِّه كلمة لأبناء حركة "فتح" أينما وُجِدوا، سواء أكانوا على أرض الوطن، أو في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو في القدس عاصمتنا الأبدية، أو في مخيّمات اللجوء والشتات، لأبناء شعبنا جميعاً، وفي مقدّمهم الفتحاويون أقول هنيئًا لكم انطلاقة الثورة الفلسطينية الثانية والخمسين، هنيئاً لكم نجاح انعقاد مؤتمركم العام، هنيئاً لنا بكل ما اعتُمِدَ بهذا المؤتمر، وإن شاء الله سنكون أوفياء لعهدنا للشهداء، والأسرى والجرحى، ولكل المناضلين، وإن شاء الله سنستمر على عهدنا لهم، وإنَّنا على الدرب سائرون حتى دحر الاحتلال، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلّة.

وفي هذه الانطلاقة نؤكِّد أنَّ التراكم في فعلنا السياسي هو شيء إيجابي، فالعالم يقترب منا بشكل كبير في دعمه لحقوقنا العادلة، ولمطالبنا المشروعة، ونحن اقتربنا منه باعتمادنا لاستراتيجية المقاومة الشعبية، اقتربنا منه لمفاهيمه للنضال، وهو يدرك بأن نضالنا مشروع بأي شكل كان.

وبالتأكيد فنحن مستمرون بهذا الاتجاه نحو عمقنا العربي وتفعيل حالة التضامن الدولية معنا التي أسَّست لمحطة مجلس الأمن والتصويت على قرار وقف الاستيطان 2334، والعالم يدرك عدالة قضيتنا، وعدالة حقوقنا، التي لها مريدوها، ونحن في "فتح" بشكل رئيس سنسعى بكل جهدنا للحفاظ على أولوية القضية الفلسطينية على أجندة المحيط الإقليمي والدولي فهذا أمر هام جداً لنا، ومن شأنه مساعدتنا في تحصيل حقوقنا المشروعة وعلى رأسها إقامة دولتنا المستقلة وعودة اللاجئين.