حذر د. رياض المالكي، وزير الخارجية، في حديث نشرته "الأيام" في صفحتها الأولى بعددها الصادر اليوم (الاثنين)، من أنه إذا ما تمادت الحكومة الإسرائيلية في الاستيطان بعد قرار مجلس الأمن، فإن فلسطين ستدرس التوجه إلى المجلس مجدداً؛ لطلب قرار ضمن البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وربما نبدأ بالحديث عن عقوبات تفرض على إسرائيل نتيجة لهذا التوجه.

وكشف د. المالكي النقاب عن "أننا سوف نُفعّل طلب انضمام فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن، ونحن ندرس ذلك بكل جدية، أما متى وكيف نبدأ بمثل هذه الجهود، هل نبدأ بها الآن قبل مغادرة إدارة أوباما أم مع بداية العام بشكل تدريجي؟ كيف نقوم بذلك؟ هذا كله قيد الدرس".

واعتبر المالكي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يزيد تعميق عزلة إسرائيل في المحافل الدولية، من خلال سلسلة الخطوات التي شرع بها ضد الدول التي صوتت لصالح القرار في مجلس الأمن، وباستمراره بسياسته الاستيطانية على الأرض.

وأضاف المالكي: "في حال استمرت إسرائيل بنفس مواقفها ونفذت فعلاً قرارها ببناء أكثر من 5000 وحدة استيطانية في مستوطنات مختلفة في القدس وحولها، فإن هذا يعني أننا سنعود من جديد إلى مجلس الأمن وإلى تلك الدول التي صوتت لصالح القرار؛ لإبلاغها بأن ما قامت به من تصويت لم يكن كافياً للجم إسرائيل ووقفها عن مثل هذه الخطوات المرتبطة بالاستيطان، وبأن المطلوب الآن هو شيء أكبر بكثير من موضوع قرار في مجلس الأمن ضمن البند السادس، وإنما ربما قد نحتاج إلى التحرك ضمن البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وربما نبدأ بالحديث عن عقوبات تفرض على إسرائيل نتيجة لهذا التوجه".

وتابع: "نحن ندرس هذه القضايا بكل جدية ونحاول جس نبض بعض الدول حول مثل هذه الخطوات لنرى ردود فعلها، وهل هي على استعداد وجاهزية لكي تتقبل طرح هذه القضايا في هذا التوقيت".

ورفض وزير الخارجية الكشف عن الخطوات القادمة بعد قرار مجلس الأمن، وقال: "كنا نتحدث عن التوجه إلى مجلس الأمن بشكل علني ولفترة طويلة، وكان هناك استعداد من الجانب الإسرائيلي، وفقط عندما شعروا بأن هناك تباطؤاً في الموقف العربي، من خلال ما صدر عن اللجنة الرباعية العربية استرخى الإسرائيليون، ومن ثم جاءتهم المفاجأة، ونعتقد الآن فيما يتعلق بالخطوات القادمة، أنه إذا ما طرحنا القضايا أمام وسائل الإعلام فإن ذلك سيوفر الإمكانية لدى الجانب الإسرائيلي لكي يحضر نفسه ويتسلح بكل الإمكانيات من أجل إحباط أي جهود قد نقوم بها".

ولكنه استدرك قائلاً: "ولكن هناك نقطتين أساسيتين يمكن للمرء من خلالها أن يفهم هذه القضايا: النقطة الأولى هي أن قرار مجلس الأمن قال إن الاستيطان غير شرعي وإنه مخالف للقانون الدولي وبالتالي تصبح هذه مرجعية قانونية على المستوى الدولي يجب أن ينطلق منها أي عمل جديد، والنقطة الثانية هي ما جاء في نص القرار بأن على الدول أن تفرق وتميز ما بين إسرائيل والأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، وهذا مهم؛ لأن هناك محاولات إسرائيلية لشرعنة الاستيطان ومصادرة الأراضي وتمددها في الأراضي المحتلة، وهذا يعني من جهة أن الدول التي توقع اتفاقيات تجارة حرة مع إسرائيل أو اتفاقيات ثنائية يجب أن تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، وإذا لم تأخذه فهذا يعني أن الاتفاقية مخالفة للقانون الدولي.. كل الاتفاقيات السابقة أو التي سوف تأتي إذا لم تراع هذه النقطة فهي مخالفة للقانون الدولي".

وتابع: "كما أن الجهد الذي بدأ على مستوى التعامل مع منتجات المستوطنات، من خلال وسم منتجات المستوطنات؛ لكي يطلع عليها المستهلك الأوروبي، أصبحت الآن قضية محورية أساسية، بمعنى أنه يمكن البناء عليها، وليس فقط في الاتحاد الأوروبي وإنما خارجه أيضاً، بحيث يتم تبني هذه المقاطعة لمنتجات المستوطنات بشكل أساس، ليس فقط للتدليل على أن هذه المنتجات هي منتجات مستوطنات، وإنما أيضاً لمقاطعتها ولمنع أي مؤسسة أو بنك أو شركة من أن تعمل في المستوطنات، وهذا يضيف عبئاً جديداً على الاتحاد الأوروبي في تطوير موقفه الحالي، وأيضاً يستدعي من المجموعات الأخرى، مثل: الاتحاد الإفريقي وأميركا اللاتينية ومنظمة التعاون الإسلامي، أن تتعامل مع هذا البند بكل وضوح والتزام".

وقال: "أساساً توجهنا إلى المحكمة الجنائية الدولية وطلبنا أن يتم فتح تحقيق فيما تقوم به إسرائيل من انتهاكات وجرائم، وقدمنا 3 ملفات أحدها الاستيطان، وها قد مضى عامان على الدراسة الأولية التي تقوم بها المحكمة الجنائية الدولية حول هذا الموضوع، والآن فإن تمرير القرار في مجلس الأمن سوف يعزز من هذه الدراسة التي تقوم بها المحكمة الجنائية الدولية، وقد يُعجل في اتخاذ القرار المناسب من قبل المحكمة باتجاه الوصول إلى قناعة بفتح تحقيق في هذا الموضوع".

وأضاف د. المالكي: "الأهم من كل ذلك هو أنه يمكن في هذه اللحظات لكل من تأثر وتأذى من السياسات الاستيطانية عبر كل السنوات الماضية أن يتقدم إلى المحكمة الجنائية ضد المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم المسؤولون السياسيون بالاسم. إنهم هم من تسببوا بالأذى لكل هؤلاء؛ من خلال ما أقدموا عليه من إجراءات مخالفة للقانون الدولي ومخالفة للقرار الذي صدر عن مجلس الأمن 2334 ".

نرى إمكانيات كثيرة للعمل

وعلى ذلك، فقد أشار د. المالكي إلى أننا "نرى إمكانيات كثيرة للعمل، والإمكانيات موزعة في الإطار الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي. هذه هي الجوانب الثلاثة التي يمكن النظر إليها بكل وضوح".

وقال وزير الخارجية: "هناك مجالات كثيرة يمكن العمل من خلالها، وهذه هي بعض منها، والبعض الآخر سنتركه للأيام القادمة من أجل التعاطي معه بكل وضوح، ولكن نحن لا نريد أن نكشف عن كل أوراقنا مرة واحدة، وسنتعامل مع الموضوع بشكل تدريجي، ولكن لدينا رؤية واضحة تماماً كقيادة فلسطينية من خلال تعليمات الرئيس، ونحن في وزارة الخارجية نقود هذا العمل بكل وضوح كما قدناه في الأعوام الماضية من خلال إقامة علاقات متينة مع الدول المختلفة في العالم، والتي أثمرت من خلال وقوف الدول الأربع (ماليزيا، فنزويلا، السنغال ونيوزيلندا) في مجلس الأمن، بتحمل مسؤولياتها نيابة عن المجتمع الدولي في طلب التصويت، وما كان هذا ليأتي من فراغ، وإنما جاء نتيجة لتراكم العمل الذي قمنا به مع كل الدول، تحديداً مع هذه الدول الأربع، وبالتالي فإن هذا جهد تراكمي يعود إلى عمل الدبلوماسية الفلسطينية التي يقودها الرئيس بتنفيذ وزارة الخارجية".

وأضاف: د. المالكي: "وبالتالي الآن نحن كوزارة خارجية وبعد أن بدأنا التخطيط وبشكل واضح تماماً من خلال تعليمات الرئيس، وعبر بعثتنا في الأمم المتحدة ببدء التحضير التدريجي لموضوع الاستيطان في أروقة الأمم المتحدة، وتحديداً في مجلس الأمن، بدأنا منذ بداية العام الماضي بشكل تصاعدي ،وما تم إنجازه كان في إطار تنفيذ خطة محكمة متكاملة كنا نقوم بها بشكل تدريجي وتصاعدي، وكنا نبني من أجل الوصول إلى المرحلة النهائية التي تمكننا من التقدم دون أي ملاحظات على الإطلاق لتقديم مشروع قرار ضد الاستيطان وهذا ما تم".

وتابع: "هذا التدرج وهذه الرؤية الإستراتيجية ضمن تصور متكامل مكنتنا من الوصول إلى ما حققناه، والآن تقع المسؤولية على وزارة الخارجية في استكمال كل هذه الجهود باتجاه خطوات قادمة، أهمها أننا سوف نفعل طلب انضمام فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن".

وأردف: "هناك أيضاً مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات والمنظمات الدولية بانتظار أن يوقع الرئيس على الانضمام لها؛ لتصبح فلسطين عضواً في هذه الاتفاقيات والمعاهدات والمنظمات، وهذا موجود على أجندة العام 2017، وسوف نتابعه بشكل تدريجي".

إلى ذلك، أشار د. المالكي إلى أن "نتنياهو يحاول من خلال كلامه الزائف باستمرار أن يكذب على الشعب الإسرائيلي بادعاءات مختلفة، مثل أن القرار موجه ضد إسرائيل ككل، ولكن أعتقد أن كل من يقرأ القرار يمكن أن يفهم مضامينه وأهدافه وماذا يريد أن يحقق".

وقال: "بالتالي ننتظر من المجتمع الإسرائيلي أن يكون على قدر المسؤولية وأن يخصص وقتاً قصيراً لقراءة ذلك القرار؛ لكي يطلع على ما نقوم به، وليتيقن أن ما يدعيه نتنياهو هو كذب وافتراء تماماً كما فقد المصداقية في إسرائيل وخارجها، وهو يزيد تعميق عزلة إسرائيل دولياً في المحافل الدولية، والتصويت الذي تم هو تعبير واضح وعملي عن عمق عزلة إسرائيل دولياً بسبب ما تقوم به على الأرض، ومن خلال هذا الغباء السياسي الذي نراه باستمرار في الأمم المتحدة ومن خلال الأحاديث الجوفاء التي تهاجم الجميع ولا تترك مجالاً لأي علاقة احترام وود ما بين إسرائيل والمجتمع الدولي".

وأضاف د. المالكي: "يكفي ما سمعناه بأنه تم استدعاء سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن من أجل توبيخهم، وهذا غير مقبول ولا يعكس العلاقات الدبلوماسية التي تربط الدول فيما بينها، وإنما يعطي الانطباع بأن إسرائيل تتعامل مع الجميع بفوقية، وكأنها فوق القانون وكأنها تستطيع أن تحاكم وأن تعاتب كل من تريد بحكم أنها إسرائيل وعلى الجميع أن يخضع لإملاءاتها".

وتابع وزير الخارجية الفلسطيني: "أعتقد أنه إذا ما استمر هذا الوضع، فإن هذه الدول ستقول كفى لكل هذا التجبر الإسرائيلي، ونحن ننتظر تلك اللحظة التي تستيقظ فيها هذه الدول وتحفظ كرامتها، وتحاول أن تنتصر لكرامتها أمام هذا التبجح الإسرائيلي؛ لكي تأخذ خطوات عملية فاعلة تبدأ بفرض عقوبات على هذه الدولة الخارجة على القانون".