الماضي كسفينة ألوان
لعل ما تمتاز به قصائد الشاعر عبدالحميد طقش المدلولات المكثفة والغنى والمباشرة في التعبير، واستخدام آليات لغوية ذات دلالات فنية لاصطناع رؤية شعرية واضحة بالاستناد الى الموروث الثقافي والديني. ولا شك أن للاقتلاع والترحيل من مكان الى مكان له أثر بصورة قوية على خواطر ومشاعر الطقش وانتاجه الفكري والأدبي، وفي تفاصيل الكتابة النابعة من وجدانه.
فالشاعر عبدالحميد ولد في مدينة اسدود وهاجر منها في 48 رغماً عنه بفعل التواطؤ الدولي على فلسطين في ذلك الحين، واحلال المهاجرين اليهود مكان العرب على أرضها. ولكنه وجد في مدينة خان يونس مقراً ومستقراً، وأخذ يكتب الشعر في سن مبكرة، ونظراً لموهبته الفذة وبروزه في هذا المجال فاز بالعديد من الجوائز التقديرية، ومارس مهنة التعليم في مدارس المدينة لتأمين معيشته بعد عام من الهجرة، وأثبت فيها حضوراً مميزاً من خلال مساهمته الفاعلة في انماء الحركة الادبية والندوات الشعرية التي كان يقوم بها. الشاعر عبدالحميد عضو في المجلس الوطني الفلسطيني منذ الستينات في دورته الأولى، ومثل م.ت.ف في الكثير من المحافل والمؤتمرات العربية والدولية. انتخب رئيساً للجنة الثقافية في جمعية الهلال الاحمر عام 77، وكان عضو الملتقى الفكري والعربي في القدس منذ عام 84، وهو أحد مؤسسي اتحاد الكتاب الفلسطينيين، وعضو هيئة إدارية لأكثر من دورة في الاتحاد.
اعتقله الاحتلال لأكثر من مرة، وفقد إحدى يديه على إثر مجزرة خان يونس كما فقد شقيقه في تلك الموقعة. اصدر العديد من الكتب الأدبية في حياته منها "درب الصعلوك" شعر، "بعث عروة" مسرحية شعرية، "بدأت الحدوتة" نص أدبي، " أطلقتُ موالي" شعر، "جذور وأجنحة" شعر. يقول في قصيدة القارعة: يا صحوة ارتدي/ فالمجد والملكوت يذعن بالسلاح/ والشيخ والفرمان ينشر أمره:/ كفُ عن القول المباح/ لكن رويدك/ ذا هديرُ القارعة/ أمواج دوريّ الحقول/ رايات كن فيكون/ تحملها الشقائق فارعة/ يا أزمة اشتدي/ ولتعصفي بالإفك قبل الفجر/ حتى تزهقي آياتها الثكلى سجاح/ ويعود وجه الله مبتسماً/ يضيء من السماء. وإذا كانت جمالية المعاني في هذه المفردات تأتي مضمرة المعالم الا انها تشكل لوحة تقوم على الترميز والوضوح في آن واحد ويتم استيعاب مدلولاتها كجمل شعرية منتظمة في تشكيل معنوي وفكري. يقول في قصيدة تراكمي: تراكمي زغرودة الصدر الأبي/ ثم اصنعي كل سنة/ بل كل ليل كل فجر/ مواكباً للصدق/ للأنصار ... للأحرار. ثمة تأملات بمنتهى الدقة يتحرر من خلالها المعنى كحاجة تتطلبها الصورة الشعرية للتعبير عن الانطباع المأساوي والتقهقر والخصوصية بين الشاعر وجوانب متعددة متعلقة بالحياة وقضايا الوطن تتعدى كتابة النصوص. فالشاعر عبدالحميد لديه لفتته الخاصة المرتبطة بتفاصيل تجربته الشعرية، لذلك تكتسب نصوصه عالمها الشعري الخاص الذي يكمن فيها القصد والمعنى والدلالة والكثافة واللغز.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها