بقلم/ محمد سعيد
المساحة البسيطة المخصصة هنا للحديث عن الشاعر شفيق حبيب من الصعب ملؤها بتاريخه الشعري العريق نظراً لتجربته الشعرية الصافية، والدقة وعفوية الصياغة المحلاة بملامح جمالية على شيء من الغواية والمفردات الخاصة به، التي ما تكاد تنتهي حتى تبدأ، وكأن كل شيء تم صياغته ضمن مسيرة متدفقة وحساسية مفرطة. شغله الهم الوطني والانتصار لقضية وجدت منافذها عبر أفكاره منذ أن فتح عينيه على مآسي النكبة والهجرة التي أخذت تشق طريقها في تكوين ملامح ثقافته، وبناء معياره الوطني في إطار ايمانه العميق ونظرته الثاقبة لخطورة الاحتلال على المستقبل الفلسطيني وعلى الأمة العربية.
الشاعر شفيق حبيب من قرية دير حنا، أنهى دراسته فيها الابتدائية فيها ثم انتقل الى الناصرة لدراسة المرحلة الثانوية، ومن ثم درس المحاسبة في دار الموظف بحيفا. وانتسب الى معهد الصحافة والعلاقات العامة بالمعهد البريطاني بمدينة القدس، وبرزت ميوله الأدبية ونشاطاته الفكرية من خلال مشاركته في المهرجانات الشعرية، وكذلك من خلال النشر لانتاجه الأدبي والفكري في المجلات والاذاعة، وتميز الى جانب كتابة الشعر بكتابة المقالة السياسية والنقدية، يتمتع بغزارة الانتاج حيث اصدر أربعة عشر ديواناً شعرياً منها: قناديل وغربان، مأساة القرن الضليل، دروب ملتهبة، وطن وعبير، أنادي: أيها المنفى، العودة الى الآتي، آه يا أسوار عكا. وأصدر كتاباً نثرياً بعنوان: في قفص الاتهام، وهو عبارة عن سجل لوقائع معركة الحرية والتعبير ضد سياسة القمع المنهجي الذي يتبعه العدو. صادر له الاحتلال مجموعته العودة الى الآتي، واعتقله واتهمه بمساندة منظمة ارهابية ومساندة الانتفاضة ووقوفه الى جانبها وأحرقت الشرطة جميع مؤلفاته التي استولت عليها في المطبعة والمكتبات، واستمرت في محاكمته ثلاث سنوات. كان شفيق حبيب ناطقاً باسم رابطة الكتاب الفلسطينيين وعضواً في نقابة الكتاب العرب، وهو من الشعراء الذين قالوا كلمتهم من دون محابااة ولا خوف، ولم يخضع لعبودية المحتل، له أثر كبير في ابراز وتجسيد الثقافة العربية والهوية القومية للشعب العربي الفلسطيني. يقول: أغفوا على اسمك يا بلادي/ وأضم جرحك في فؤادي. لم يهتم بالبناء الفني للقصيدة وذلك لمصلحة ابراز الفكرة، فالقصيدة تتناغم مع معطيات الحدث اليومي من خلال المكاشفة والمباشرة والوضوح، من دون ان نغفل ما لعمله بالصحافة ومواقفه السياسية من تأثير على بنية القصيدة، كما نلمس حالة من التفاعل والتماسك في هذا البناء الهندسي للألفاظ ودلالاتها والعلاقة فيما بينها وبين المعنى بشكل واضح. يقول: هذي دماؤك يا شهيدي/ عطر على أرض الجدودي. معيار الحياة تتجدد عنده من خلال مفهوم المواطنة التي تبحث عن روحية الوطن ودافع الشهادة لأنه يرى في الشهادة مسألة مقدسة في الاعراف والتقاليد والديانات. يقول: أعود اليك يا وطني/ لألقي كل أشواقي/ على كتفيك. نجد الارض والمقدسات والشعب من لوازم الكتابة عند الشاعر حبيب الذي يتمتع بجرأة في طرح أفكاره والترويج لمعتقداته وهمومه مع تدفق عاطفي لا يخلو من ملامح التجديد والتكيف مع المسائل وتصعيد في الايقاع لخلق أجواء من التحدي مع العدو، من خلال التعبير المباشر والبساطة والالتزام بالقضايا الوطنية بشكل مبدع.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها