في حديث مطول مدته ست ساعات، باح فيه الرئيس الاميركي باراك اوباما بمواقف تخرج عن المألوف الدبلوماسي. فاض مخزون ذاكرة الرئيس الاميركي، ونثرها دون تزويق او رتوش لصديقه جيفري غولدبيرغ، الذي بدوره نشرها في صحيفته "ذي إتلانتك". حتى اضطرت الادارة لتلطيف الاجواء بتصريحات عدة لمراضاة الاصدقاء والحلفاء، الذين طالهم تقذيع الرئيس اوباما. 
لكن كما هو معروف، الكلمة كالطلقة، عندما تخرج لا تعود. وما قاله الباقي على ولايته شهور قليلة، يعكس التقييم الشخصي ولبعض أركان ادارته وبعض قادة العالم، فمثلا ما جاء على لسانه حول رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو ليس جديدا، لان حبل الود مقطوع بينهما منذ الولاية الاولى. وهو الرئيس الثاني، الذي يشكو عجرفة ووقاحة بيبي، الذي حاول ان يُحاضر على سيد البيت الابيض الحالي وزمن بيل كلينتون. وكلاهما من الحزب الديمقراطي.
رغم ان اوباما قدم لاسرائيل ما لم يقدمه رئيس أميركي سابق. غير ان زعيم الائتلاف اليميني المتطرف الاسرائيلي لا يتوافق مع سياساته، واراد من الرئيس اوباما ان يكون اداة بيده، ينفذ احلامه وطموحاته وجنونه، وهو ما يقلب المعادلة رأسا على عقب، فبدل ان يلتزم نتنياهو وحكومته بالرؤية التكتيكية والاستراتيجية الاميركية، سعى لعكس الآية بفضل الاستقواء بالأيباك ومراكز النفوذ المتواطئة معه في الحزب الجمهوري وغيرهم ممن يتلقون الرشوة المالية والسند الاعلامي الصهيوني، وبات يسعى للاملاء على الدولة الاقوى. ليس في الملف الايراني والفلسطيني بل في كل ما يصبو اليه، اعتقد (نتنياهو) ان اوباما يمكن ان يكون كما كان الرئيس جورج بوش الابن، الذي نفذ خيار إسرائيل ضد العراق وشعوب الامة العربية بفضل مجموعة ديك تشيني، نائب الرئيس وولفيتز ورامسفيلد بهدف تمزيق وحدة شعوب الامة العربية. لكن تقديره في هذه النقطة باء بالفشل. من المؤكد ان الخطط الاستراتيجية للولايات المتحدة لا يحددها الرئيس الاميركي، بل تضعها الحكومة العالمية المكونة من اباطرة رأس المال، التي لا يحيد عنها اي رئيس من اي حزب كان. لكن هذا لا يمنع الرئيس من اتخاذ قرارات بغض النظر عن نتائجها. وهذا ما فعله بوش التعيس ورفضه اوباما، دون ان يعني ان الرئيس الحالي أفضل حالا بالنسبة لقضايا العالم خاصة القضية الفلسطينية. 
كما ان الرئيس الاميركي طال زعماء العالم المقربين وسياساتهم، فهبش رئيس وزراء بريطانيا، ديفيد كاميرون، عندما قال عنه انه شارد الذهن، ولا يركز في الحوارات. اما الرئيس اردوغان، فوصفه بالاستبدادي الغبي، وشبه سياساته بالعبثية، الراغب مع غيره من قادة الدول العربية السذج، ان تقوم الولايات المتحدة بالحروب وكالة عنهم في سوريا واليمن والعراق ومواجهة إيران. واشار إلى ان الرئيس التركي رفض استخدام جيشه. لكنه أكد، ان اميركا بعد مراجعة لسياساتها رفضت التدخل العسكري المباشر في سوريا، رغم ان مجموعات ضغط نجحت للحظة لفرض خيار الحرب، إلا انه تم تدارك هذا الضغط في ربع الساعة الاخيرة، لان اي تدخل اميركي مباشر غير مضمون النتائج، وستكون له انعكاسات خطيرة على الاقتصاد والمكانة السياسية العالمية للولايات المتحدة. 
رغم كل ما اعلنه الرئيس الاميركي لصديقه غولدبيرغ، وخروجه عن المألوف في قراءة وتقييم زعماء العالم من عرب وعجم واتراك واوروبيين، غير انه بق البحصة اكثر من اي رئيس سابق وهو في الحكم، حينما اثار اسئلة حول آليات عمل السياسة الاميركية وتحالفاتها الغبية، وكأن لسان حاله يبكي من الان مستقبل اميركا. لاسيما وان كل الرؤساء الاميركيين يبوحون بمواقفهم من السياسة الخارجية بعدما يغادرون البيت الابيض. وهو ما يعني طرح علامة سؤال كبيرة على ما ستؤول اليه الولايات المتحدة لاحقا. مع ان التآكل في صورتها ومكانتها آخذ في التراجع من زمن بعيد. وهو ما يعني عدم قصر التآكل على ما جاء على لسان الرئيس باراك اوباما، انما سابق عليه وأصل له بوش الابن وكل من سبقوه من قادة الامبراطورية الاميركية. رسائل اوباما عديدة ومن يقرأ ما جاء بين سطورها، يمكنه ان يستخلص الكثير من المتغيرات في المعادلات الدولية، التي لم يتوقف امامها صاحب المقالة هنا إلآ شذرا.