غزة / منال خميس
مجلة القدس- إشكاليات كثيرة أثارتها زيارة رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي إلى قطاع غزة التي تعتبر الأولى من نوعها منذ انقلاب حماس على السلطة الوطنية الفلسطينية في 14 حزيران 2007. ففي الوقت الذي انتقدت فيه معظم الفصائل والقوى الفلسطينية الزيارة وأعلنت رفضها المشاركة في مراسم الاستقبال، بسبب مواقف القرضاوي من الأزمة السورية، ودعوته للتدخل الأجنبي في الشأن العربي، قاطع عشرات الصحافيين الفلسطينيين تغطية الزيارة، التي لم تلاقِ ترحيباً إلا من حركة حماس ومسؤوليها وصحفييها.
وجاء قرار الصحافيين في أعقاب اعتداء شرطة حماس على خمسة منهم وتوقيفهم في مركز للشرطة أثناء تغطيتهم لوقفة سلمية نظَّمتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احتجاجاً على الغارات الاسرائيلية على سورية.
هذا وكانت شرطة حماس قد أوقفت الصحافيين أحمد غانم، ومحمد أبو طه، وعبد العزيز العفيفي، وعدي أبو شحمة، والمصور إياد البابا لمدة 45 دقيقة في أحد مراكز التوقيف التابعة لها بعد الاعتداء عليهم، مما دفع عشرات الصحافيين لتنفيذ وقفة أمام مكتب قناة الميادين في قطاع غزة احتجاجاً على الاعتداء.
خطوة تثير الجدل
لا يزال الجدل الذي أحدثته زيارة القرضاوي إلى قطاع غزة سارياً، فقد أعادت هذه الزيارة الشعب الفلسطيني إلى مربع الانقسام الأول، حيثُ أن الفصائل والقوى الوطنية قاطعتها بالتزامن مع خطوة إسماعيل هنية بمنح القرضاوي جواز سفر فلسطيني، وهي خطوة رفضتها السلطة الفلسطينية، التي فتحت جدلاً واسعاً بين حركتَي فتح وحماس، وزادت من حدة الانقسام، وأعادت حالة التراشق المتبادل بالاتهامات.
ورداً على قرار هنية منح القرضاوي جواز سفر فلسطينياً تقديراً لمواقفه، أصدرت وزارة الداخلية في السلطة الفلسطينية في رام الله بياناً أعلنت فيه أنها أرسلت رسائل إلى جميع الدول التي تعترف بدولة فلسطين، مفادها أن القرضاوي يحمل جواز سفر فلسطينياً مزوراً، مطالبةً جميع هذه الدول باتخاذ الإجراءات القانونية من أجل ضبط حامل الجواز، واسترداده وفق القانون الدولي.
من جهته رأى وزير الأوقاف محمود الهباش خلال حديثه لوسائل الإعلام، أن زيارة القرضاوي قائمة على نظرة فئوية وحزبية لا تهدف إلا لتعميق الانقسام وإضفاء الشرعية إلى "الكيان الانفصالي" الذي تحاول حماس إقامته في قطاع غزة، لافتاً إلى أن هذه الزيارة تؤدي بالتالي إلى تعطيل إمكانيات المصالحة وانهاء الانقسام التي تسعى منظمة التحرير والقيادة إلى انجازها بكافة السبل.
وتابع: "إن موقف السلطة والحكومة الفلسطينية واضح، فإن أي زيارة تحمل مغزىً سياسياً يعترف بشرعية سلطة حماس في غزة، تعتبر ضارة وضد مصلحة الشعب الفلسطيني وتعمِّق الانقسام بشكل كبير وتشجِّع أحد طرفي الانقسام على الاستمرار في ذات السلوك".
وأضاف الهباش:"كان الأولى بالقرضاوي أن يسحب الفتوى السيئة المخالفة لكل النصوص الشرعية التي أطلقها مؤخراً لتحريم زيارة القدس بحجة أنها تحت الاحتلال، فها هو يدخل غزة بموافقة إسرائيلية".
من جانبه أعرب المتحدِّث باسم حركة "فتح" أحمد عساف في بيان وصل "القدس" نسخة عنه، عن استغرابه من توقيت اعتقال سماحة المفتي من قِبَل حكومة الاحتلال الإسرائيلي في اليوم ذاته الذي تقوم به هذه الحكومة بالسماح للقرضاوي بدخول غزة، مذكِّراً بفتوى الشيخ محمد حسين بوجوب زيارة العرب والمسلمين للمسجد الأقصى المبارك ولمدينة القدس المحتلة والمحاصرة، لدعم صمود أهلها وكسر الحصار المفروض عليهم، في مقابل تحريم القرضاوي لزيارة الأقصى بذريعة أنه تحت الاحتلال الإسرائيلي، موضحاً بأن الاحتلال اليوم أراد إيصال رسالة واضحة مع أية جهة يقف.
وتساءل عساف في بيانه: "أليست غزة محتلة؟ فلماذا يقوم القرضاوي بتحليل زيارة غزة وتحريم زيارة الأقصى بحجة الاحتلال؟ هل هذه فتوى دينية أم فتوى على الطلب؟ ولماذا سمحت حكومة الاحتلال الإسرائيلي للقرضاوي وخالد مشعل وأبو مرزوق بدخول غزة ومنعت أمين عام حركة الجهاد الإسلامي المناضل رمضان عبد الله شلح ونائبه زياد النخالة من الوصول إلى غزة؟"
بدوره وصف عضو المكتب السياسي لحزب الشعب وليد العوض في حديثه للـ"قدس" القرضاوي بأنه "مفتي الفتن" على حد تعبيره، وأن موقفه فيما يتعلَّق بالتدخل الأمريكي في سوريا لن يقبل أحد به، معلِّقاً: "غزة لن تكون مكاناً لأحد يريد أن يطهِّر مواقفه".
وأضاف للـ"قدس": "إن مواقف هذا الشخص قدَّمت طوال الوقت دعماً للفتنة الداخلية العربية والفلسطينية ودعت قوى الاستعمار للتدخل في الشؤون العربية عسكرياً وسياسياً".
زيارة تطرح العديد من علامات الاستفهام
من ناحيته أشار عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية جميل مزهر إلى أن ما يجرى غير مفهوم ويضع علامات استفهام على أجهزة حكومة حماس، جرَّاء اعتدائها وقمعها للصحفيين والمنددين بالزيارة.
فيما قالت الجبهة العربية الفلسطينية في بيان لها وصل "القدس" نسخة عنه، أن زيارة القرضاوي إلى قطاع غزة سياسية بالدرجة الأولى وتحمل مضامين خطيرة على الساحة الفلسطينية، موضحة أنها لن تستجيب للدعوة للمشاركة في استقباله.
وجاء في بيان الجبهة : "إن زيارة القرضاوي تثير مجموعة من الأسئلة من حيثُ الزمان والأهداف، خصوصاً في ظل المواقف السياسية الأخيرة للقرضاوي وتدخله المتكرِّر في الشؤون الفلسطينية خاصة والشؤون العربية بشكل عام وتبنيه لمواقف سياسية مثيرة للجدل".
ولم تشارك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في استقبال القرضاوي، بناءً على الدعوة التي وجُهت لها، وأكدت أن عدم مشاركتها يأتي "تعبيراً عن رفضها للمواقف السياسية المعادية لمصالح الشعوب العربية التي أطلقها القرضاوي، وبالذات ما يتعلَّق بمطالبته بالتدخل الاستعماري الغربي في سوريا وليبيا، بالإضافة إلى مواقفه الفئوية التي من شأنها تعزيز الطائفية في بلداننا العربية"، وشدَّدت على أن هذه الزيارة تزيد من عمق الانقسام الفلسطيني ولا تصب في مصلحة الوطن.
وفي السياق ذاته، أثار مسؤول جبهة التحرير الفلسطينية في قطاع غزة عدنان غريب في حديثه للـ"قدس" عدة تساؤلات حول مواقف الشيخ القرضاوي من رفضه زيارة المدينة المقدسة لدعم صمود أهلها، التي كان قد دعا إليها الرئيس أبو مازن كافة المسلمين والعرب، بحجة أن زيارتها كما يقول القرضاوي تطبيع مع الاحتلال، متسائلاً: "ما رأي القرضاوي بزيارة أمير قطر المتوقعة لإسرائيل حسب ما أعلن في قطر وإسرائيل؟ وهل هذه الزيارة تطبيع أم لا؟"، مشدِّداً على أن زيارة القرضاوي إلى قطاع غزة هي زيارة سياسية بالدرجة الأولى تحمل مضامين خطيرة على الساحة الفلسطينية.
أمَّا عضو المكتب السياسي رئيس دائرة الحريات العامة لحزب فدا لؤي المدهون فاعتبر أن زيارة القرضاوي إلى قطاع غزة مسيَّسة وغير مرحَّب بها من قِبَل حزبه وتعمل على تعزيز الانقسام.
وأكَّد المدهون في بيان له، بأن "فدا" لم تشارك في استقبال الشيخ القرضاوي، ولم تشارك أيضاً في أيِّ من اللقاءات والفعاليات التي ستنظَّم على شرف حضوره لغزة، مشيراً إلى أن الشيخ القرضاوي كان قد تدخل كثيراً في الشأن الداخلي الفلسطيني وما زال بتحريمه على غير الفلسطينيين زيارة مدينة القدس، في رده على دعوة الرئيس محمود عباس العرب والمسلمين لزيارة القدس، بقوله "إن من حق الفلسطينيين أن يدخلوا القدس كما يشاؤون، لكن بالنسبة لغير المسلمين فلا يجوز لهم أن يدخلوها". ولفت المدهون إلى أن أي زيارة لأي مسؤول سياسي أو ديني لقطاع غزة دون تنسيق مع حكومة الدولة الفلسطينية تدعم وتعمّق الانقسام الداخلي بين الضفة وغزة.
هذا وكان الشيخ يوسف القرضاوي قد وصل إلى قطاع غزة على رأس وفد من علماء دين يمثلون 14 دولة، و38 متضامناً من مختلف الدول بينهم الرئيس السوداني عبد الرحمن سوار الذهب، ووفداً من وزارة الأوقاف المصرية يضم 17 عالماً وشيخاً.
من ناحيته اعتبر هنية القرضاوي شيخ الجهاد والأقصى والقدس وفلسطين. وقال عنه في مؤتمر صحفي: "لا نستغرب أن يكون القرضاوي شيخ الثورة العربية والربيع العربي في الواقع الذي عشناه".
وأثارت صور اسماعيل هنية رئيس حكومة حماس وهو يقبِّل يد القرضاوي ويقلِّم أظافره، استياء وسخرية الناشطين على صفحات التواصل الاجتماعي الفيسبوك، واعتبروها نفاقاً وتكلُّفاً وإساءةً لكرامة الشعب الفلسطيني كافة، وخروجاً على المألوف في العرف الدبلوماسي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها