تحقيق/ مصطفى ابو حرب

معاناة أهالي مخيم نهر البارد لم تنتهِ فصولها بعد. ست سنوات مرَّت بأيامها ولياليها والكل ينتظر أن ينتهي الإعمار وتعود الحياة إلى سابق عهدها، ولكن التشرُّد والإغلاق لا يزال سيفاً مسلطاً على الرقاب في محمية بشرية يُطلَق عليها مخيم نهر البارد، وبعد ست سنوات على نكبة مخيم البارد وللإطلالة على معاناة أهله ،كان لا بدَّ لنا من أن نلتقي بعيِّنة من المظلومين الذين لم يجدوا من يقف إلى جانبهم أو يدعمهم للحصول على حق لهم لا زال في مهب الريح.

 

ضحايا غياب الاهتمام

الأستاذ محمود السويدان هو واحد ممَّن تهدَّمت أبنيتهم السكنية كلياً في الحي الذي يُسمى "المخيم الجديد"، حيثُ كان المبنى الخاص به يضم ست شقق، وأربعة مخازن، وصالة أفراح صرف على تشييدها جنى عمره الذي أفناه مدرِّساً في الأونروا، وفي لمحة بصر دُمِّر كل شيء. وبعد فترة تهجير عاد بإصرار الفلسطيني على تحمُّل المصاعب، واستدان ما يزيد على 40 ألف دولار أميركي وبنى ما تهدَّم كي يسكن وعائلته في بيت بسقف يظلِّله من حرارة الصيف وبرد الشتاء.

حول معاناته يقول الأستاذ محمود وبكل حسرة: "لم يتم التعويض عليّ من أي جهة لا من هيئة الإغاثة ولا المؤسسات الدولية. فالجميع تخلَّى عن أصحاب الأبنية المهدَّمة بالكامل في الحي الجديد وكأنَّنا كنا نسكن في كوكب آخر أو كأن منازلنا قد هُدِّمت بفعل عوامل الطبيعة"، ويضيف بغصة المكروب: "إن موضوع الأبنية المهدَّمة بالكامل لم يأخذ حقه من الاهتمام من جميع الجهات وعلى كل المستويات، فالحكومة اللبنانية وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية والأونروا تقع عليهم جميعاً مسؤولية متابعة وإنهاء هذا الملف المؤلم لأصحابه وعائلاتهم".

وحول عدد العقارات المهدَّمة بالكامل يلفت الأستاذ محمود إلى أنها تزيد عن 200 عقار موثَّقة بأسماء أصحابها الذين سيتابعون ما تمَّ البدء به لاستكمال هذا الملف حتى آخره، معتبراً أنه "من الظلم أن يدفع أصحاب العقارات ثمن جريمة لم يرتكبوها، ويكفيهم ما كابدوه من قهر وتشريد وإهانة جرَّاء تلك الأحداث الدامية".

ويشير الأستاذ محمود إلى أن هناك أبنية مهدَّمة لم يشملها المسح من قبل شركة خطيب وعلمي بسبب تواجد الجيش فيها في تلك المرحلة، منوهاً إلى وجود أبنية فيها عدة شقق سكنية بعضها مهدَّم كلياً وأخرى جزئياً لم يتم اتخاذ القرار بكيفية التعاطي معها، ومضيفاً: "المؤسف في الموضوع أن أشخاصاً بنوا بيوتهم التي كانت مهدَّمة كلياً وعادوا اليها، ولكن معظم البيوت لا زالت مهدَّمة وأصحابها لا زالوا مشردين في المخيمات على امتداد خارطة لبنان"، متوجِّهاً إلى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بضرورة تحريك ملف الأبنية المهدمة بالكامل مع الحكومة اللبنانية باعتبارها من تعهَّد بملف التعويضات على أصحاب الأملاك في المخيم الجديد في مؤتمر فيينا، وداعياً الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية لدعم التحركات بشأن هذا الملف والملفات المطلبية الأخرى التي تخص جميع أبناء المخيم.

أمَّا السيد ثائر خليل صاحب مجمع الشهيد ناجي العلي قبل تدميره بالكامل فيقول بأسى: "لقد أعدت بناء المجمَّع جزئياً بعد أن بعت مخزنَين من مجموع المخازن قبل إعادة البناء كي افتح صيدليتي التي هي مصدر رزقي الوحيد"، وأضاف: "طوال ست سنوات لم أجد من يعوِّض علي خسارتي التي فاقت المليون دولار. لقد طرقت كل الأبواب وقصدت كافة المؤسسات، إلا أنني لم أجد من يدعمني ولو معنوياً، ولكنني لن أقول سوى الآية الكريمة (اتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله)".

 

تباطؤ وتأجيل لا يحتملان

من جهته يلفت المسؤول الدوري للجنة الشعبية لمخيم البارد محمد العامر إلى أنه رغم مرور ست سنوات على تدمير المخيم، إلا أن الجهود المبذولة لإعادة الإعمار متواضعة جداً وبطيئة على حد تعبيره، مضيفاً: "لقد تمَّ انجاز ثلاث رزم من أصل ثمان، ونحن لا ندري سبب التأخير رغم أن الأموال المتوفِّرة لدينا تكفي لبناء الرزمة الرابعة، والبيوت المسلَّمة لأصحابها تشكِّل 11% من مجموع البيوت التي تشكِّل المخيم القديم".

وفيما يتعلَّق بالتعويضات الخاصة بالمخيم الجديد يشير العامر إلى أنها متواضعة جداً وكانت على شكل مساعدات ترميم ولم تشمل الأبنية المهدَّمة كلياً، مضيفاً: "أمَّا الهبة الايطالية فقد وُزِّعت على البرايمات ولا زال هناك 501 مستفيد لم يحصلوا على حقهم من هذه الهبة، وهناك وعود أن يتسلموها بالقريب. كذلك فلجنة ملف البارد تقوم بمتابعة هذا الموضوع، ولكنْ هناك غموض يكتنفه، ونحن لا ندري متى سينتهي ملف الهبة الايطالية ومتى ستصرف الهبة اليونانية على البنى التحتية المخصَّصة لها. من جهة ثانية، فالتعويضات التي جرى توزيعها على البرايمات أقل من المطلوب ولا تساوي ربع ما دفعه الناس لإصلاح بيوتهم وترميمها، والمستفيدون وُعِدوا منذُ أكثر من عام وهم  يراجعون ولكن لا أحد يُجيبهم، لأن المشكلة متوقفة عند صندوق المهجرين وهيئة الإغاثة والكل يطلق حججاً غير واقعية ويتهرَّب من الموضوع".

أمَّا بالنسبة للمباني المهدمة كلياً فيقول العامر: "لقد تم بناء ست وحدات وهناك مبانٍ أخرى لم يتم تعويض أصحابها، والحال بالمخيم الجديد صعب ولا يتم معاملته أسوة بالمخيم القديم، ونحن نرفع الصوت باتجاهات متعدِّدة ولكننا لا تجد آذاناً صاغية ولا قلوباً رحيمةً"، مشيراً إلى أن الرزمة الثالثة تمَّ الانتهاء منها وسوف يتم تسليم 500 وحدة سكنية مطلع شهر حزيران، ومنوهاً إلى أنه يستبشر خيراً بأن يبدأ العمل بالرزمة الرابعة على أن ينتهي العمل بها قبل بداية فصل الشتاء. وفيما يتعلَّق بموضوع المخلَّفات الحربية، يلفت العامر إلى أن الانفجار الذي حصل قبل شهر وأدى إلى جرح بعض الأطفال يشير إلى وجود مخلفات حربية تحت الأبنية المهدَّمة تستوجب إعادة مسح من جديد من قِبَل الجهات الأمنية المختصة، موضحاً: "نحن لا نستطيع أن نتحمَّل ما قد يطرأ من أحداث نتيجة لعب الأطفال بمتفجرات قد يجدونها تحت انقاض بعض البيوت التي لا زالت ركاما، وقد طلبنا من الجهات الأمنية إعادة مسح المخيم بالكامل تفادياً لأية أخطار قد تطرأ مستقبلاً.

وحول العقبات التي تقف في وجه تقدُّم الإعمار بشكل سريع، يقول العامر: "تتعدَّد العقبات ولكن أبرزها تأمين الأموال اللازمة والتوقيع على المختطات التوجيهية (قسم الآثار)، وهاتان المسألتان تعيقان الإسراع بعملية الإعمار والأونروا تتحمَّل مسؤولية ذلك. ومن هنا فنحن نطالب الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير والأونروا بالدعوة إلى مؤتمر للدول المانحة على غرار مؤتمر فيينا لتأمين الأموال اللازمة لاستكمال إعادة الإعمار"، ثمَّ يستدرك ليقول: "الجدير بالذكر أن هناك ما يزيد عن 2000 عائلة تعيش في مخيم البداوي وهم من سكان مخيم نهر البارد القديم، وهناك ما يزيد عن 500 عائلة موزعة في باقي المخيمات في لبنان، ولكن المؤسف أكثر هو أن يكون ابن مخيم نهر البارد مهجَّراً في مخيمه".

ويختم العامر بالإشارة إلى وجود 800 عائلة لاجئة في المخيم تعيش غالبيتها عند أقارب لها، لافتاً إلى أن اللجنة الشعبية ذات الإمكانيات المتواضعة تقدِّم لهذه العائلات ما تحتاجه قدر الإمكان، وتتابع الأمور مع الأونروا في الوقت ذاته، ويضيف: "للأسف فتقديمات الأونروا متواضعة للغاية ولا تفي حاجة الناس، ونحن نطالبها دائماً بتحمُّل مسؤولياتها كاملة تجاه إخوتنا اللاجئين من مخيمات سوريا، ولكنها تتذرع بالعجز المالي. وفي الوقت ذاته فالنازحون يعيشون بشكل مأساوي وصعب للغاية، وأنا أستضيف في بيتي أربع عائلات كما العديد من أبناء المخيم، ولكن مخيم نهر البارد الكبير بأهله وقلوبهم لم يعد يستطيع تحمُّل المزيد، وهذا سيشكل أزمة حقيقية.