خاص مجلة القدس/ لقد شبه المراقبون حركة هجرة الفلسطينيين من سوريا في أواخر سنة 2012 بلجوء 1948 من حيث النزوح الجماعي، والتهجير القصري تحت القصف والقنص والاشتباكات بين طرفي النزاع، وخروجهم من بيوتهم حفاةً عراةً من المخيمات الفلسطينية في سوريا، وخاصةً المتمركزة منها في جنوب دمشق، حيث برز مخيم اليرموك والحسينية وسبينة كضحايا مستهدفين في الأزمة بعد انطلاق الثورة السورية في آذار 2011.

وفي الآونة الأخيرة شهدت هذه المخيمات حصاراً جائراً، حيث مُنِعَ دخول الطحين اللازم للأفران والمازوت لتشغيلها، وكذلك الخضار والمواد الأساسية، وهذا ما شهده في بادئ الأمر وبشكل خاص مخيم اليرموك أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين والذي كان يحوي قبل الهجرة الأخيرة ما يقارب 150 ألف فلسطيني وهو من ضمن 450 ألف لاجئ ضمن الأراضي السورية، ومسجلين في ملفات الأونروا، بينما ما يقارب 100 ألف فلسطيني غير مسجلين.

هذا المخيم الذي حوى فيه منابع للفكر والثقافة والسياسة تمثلت في أبنائه، وفيه تركز تواجد فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.

هذا الحصار الذي جاء حسب مصادر في الحكومة السورية بحجة تواجد الجيش الحر (الجناح العسكري للمعارضة السورية في مخيم اليرموك).

وحسب المراقبين واعتراف الجيش الحر، وحسب اقتناع الحكومة السورية فإن مخيم اليرموك قد تم التركيز عليه من جهتي الصراع كونه نقطة عبور هامة بين الريف وقلب دمشق.

وقد تصاعدت الأصوات في مخيم اليرموك بداية أزمة المخيم، كونه ملاصقاً لمراكز تجمع الجيش الحر في مناطق التضامن شرقاً والحجر الأسود والتقدم جنوباً والتقدم غرباً وغيرها، حيث شهد المخيم من شهر تموز 2012 حالة مشابهة لمنع التجول الذي فرض على أهم شارعين رئيسيين في المخيم وهما شارعا اليرموك وفلسطين من خلال زرع للقناصة المأجورة فكانت كل حركة وكل نبض وكل إنسانٍ يعبر الشارع لتأمين قوت يومه هو مستهدف حتى الموت.

وقبل ذلك بأيام، ثار غضب أهالي مخيم اليرموك ضد المجزرة التي نكلت بأبنائها من أفراد جيش التحرير الفلسطيني "مخيم النيرب" في حلب، وتواصلت فيها بعض ردات الفعل الفلسطيني، التي طالما نأت بنفسها دون تدخل في الشأن الداخلي السوري، وكانت تتصاعد وتيرة الهجمة ضد الفلسطينيين في مخيم اليرموك التي انحصرت ضمن استهدافه بقذائف الهاون والقناصة المأجورة وتشكيل اللجان الشعبية عن طريق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل، حيث مارست معظم عناصرها دور العربدة في طرقات المخيم، وبعد نصب الدشم العسكرية والسواتر الترابية والحواجز.

رغم أن تواجد اللجان الشعبية كان مطلباً فلسطينياً لحماية المخيم من طرفي النزاع السوري، لكن الذي جلب الدبَّ لكرم العنب هو انحياز القيادة العامة إلى أحد أطراف النزاع ضد المعارضة السورية حيث سُرّبت معلومات في داخل تنظيم القيادة العامة أن عناصر تابعة لها قد مارست التشبيح بأوامر من أحمد جبريل ضد الشعب السوري، مقابل مبالغ نقدية مدفوعة للعناصر، فيما استفز هذا العمل المعارضة السورية وأدى الى هجوم كتائب الجيش الحر على مقر القيادة العامة في مخيم اليرموك.

وهنا دخل المخيم في دوامة الاشتباكات العنيفة، التي شلّت حركة الشوارع المتوترة أصلاً مما يجري في الأحياء الملاصقة للمخيم، ثم توالى سقوط قذائف الهاون والدبابات والصواريخ، وبلغ الهجوم أوجه عندما قصف طيران الميغ الحربي المخيم بحجة استهدافه تجمعات الجيش الحر السوري.

وفي النهاية المتضرر الوحيد هنا كان اللاجئ الفلسطيني، حيث اضطر للنزوح بعد فقده منزله وتحت وطأة تحقيق الأمان لعائلته ولأطفاله المروَّعين من هول أصوات الصواريخ ورائحة الموت المحيطة بهم، الى اماكن أكثر أمناً حيث أصبحت المتنفس الوحيد وفي ظل تكدّس الجثث المتفسخة داخل المخيم وفي محيطه وتراكم القمامة مع ارتفاع الحرارة واستطاع بعضهم النزوح إلى أحياء دمشقية بصورة مؤقتة، حيث انعدمت الأماكن الآمنة لأنها استحالت إلى بؤر للتوتر.

وقد بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان قرابة 3000 لاجئ منذ آب 2012 حيث كان هذا العدد متأرجحاً حسب حالة المخيم الأمنية.

بعد ذلك اشتدت الهجمة وكان أعنفها في 15/12/2012 حيث قُصف بطيران الميغ الحربي ومدافع الدبابات والصورايخ، حيث تم استهداف المخابز الرئيسية بمدافع هاون، وقد ارتفع معدّل زيادة الهجرة العشرية إلى لبنان 14 ألف لاجئ فلسطيني، هذا حسب الصفحات الناشطة داخل المخيمات وخاصة اليرموك، ويُذكر أن قرابة 15% من السكان هم مَنْ بقوا داخل المخيم أي ما يقارب 22 ألف لاجئ.

هذا وقد حاولت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في سوريا منذ بداية أزمة المخيمات، جاهدة لوقف العدوان على مخيم اليرموك كما على جميع المخيمات الفلسطينية المستهدفة والتي تتركز حول دمشق وجنوبها، ودخلت الفصائل في حوار عقيم مع طرفي النزاع السوري، اللَّذين بقيا متشبثين بمواقفهما وآرائهما حول الوضع الأمني لدمشق، وإن شهدت تلك الأيام  هدوءاً حذراً مع انسحاب لبعض كتائب الجيش الحر السوري من وسط مخيم اليرموك إلى الشوارع المحيطة.

وقد شكل الناشطون الفلسطينيون حالة واعية وعلى قدر المسؤولية التي تستدعي الوقوف عندها، حيث قاموا بحملات للإغاثة وبالتعاون مع فصائل "م.ت.ف" والسفارة الفلسطينية في دمشق، كما تم إطلاق صفحات ناشطة وفاعلة على الفيس بوك لرصد أخبار المخيمات ولنشر ما يستلزم للتوجيه والوعي بما يتلاءم مع الوضع. وكانت هذه الحالات الواعية تعد بمستقبل مُبشِّر بأن الشباب الفلسطيني حاضر بقوة أينما وُجد حتى أنه في كثير من الأحيان قد تجاوز قياداته وهذا ملحوظ.

ويذكر أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يألُ جهداً منذ بداية الأحداث في سوريا من أجل تحييد المخيمات الفلسطينية كدعوته لحماية اللاجئين الفلسطينيين هناك، كما دعا أبو مازن لتدخل الأمم المتحدة من خلال منظمة الأونروا لوقف العدوان على المخيمات، وكان للرئيس الفلسطيني اتصالات مباشرة مع الرئيس السوري بشار الأسد، بالإضافة إلى مطالبة أبو مازن دول الرباعية للضغط على إسرائيل لإدخال المهجرين الفلسطينيين من سوريا إلى أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي هذا الشأن مورست ضغوط من قبل إسرائيل على القيادة الفلسطينية لمنظمة التحرير الفلسطينية للمساومة على حق العودة، مقابل رجوع أولئك المهجرين لأراضي الدولة الفلسطينية، لكن القيادة الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس رفضت العرض الإسرائيلي، وبقيت ثابتة على مواقفها الوطنية التي التزمت بها أمام شعبها.

إن المراقب للشأن الفلسطيني في سوريا يجد أنه مفحم في الأزمة السورية حتى أن بعض المحللين السياسيين ذهبوا إلى وصف هذه الهجمة أنها من ضمن مخطط التهجير للاجئين الفلسطينيين في مخيمات وتجمعات دول الطوق.

وقد لوحق الناشطون الفلسطينيون الفاعلون في المجتمع الفلسطيني في مخيمات اللجوء في سوريا واعتقل الكثير منهم وعذبوا وتم استدعاء بعضهم للتحقيق وممارسة الضغوط النفسية بشكل مؤذ وعميق، وتوجيه التهم جزافاً أقلها كانت استقبالهم اللاجئين السوريين في مخيم اليرموك وإغاثتهم الإنسانية وأكبر التهم التي وجهت اليهم كانت المشاركة في تنسيقات المعارضة، مما أدى ببعض الناشطين للتفسير عن مكان إقامتهم داخل وخارج سوريا، وكان هذا ضمن التهجير القسري الذي مورس ضد فئات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.

وبالنظر إلى النواحي الإنسانية الأخرى التي عاشها المهجر الفلسطيني من سوريا، هي عدم تقبل الدول العربية المجاورة لاستقباله ومعاملته خارج الحالات الإنسانية التي نصت عليها القوانين الدولية، كحالة مخيم الزعتري المحدث على الحدود الأردنية السورية، حتى إن الظلم العربي قد نال العائلات الأردنية التي تحوي أفراداً حاملة لوثيقة اللجوء السورية الفلسطينية، وإجبارهم على اختيار الدخول فرادى وترك بعض أبنائهم على الحدود ليلاقي أطفالهم التشرد على أنواعه. وبالطبع اختارت الأسر البقاء عل الحدود لتقضي على جليد الغربة المميت حيث البرد القارس والجوع الكافر، ولم تتجاوب هذه الدول لنداءات الأمم المتحدة المستمرة لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين ومن السوريين، وكذلك فإن الكثير من العائلات الفلسطينية المهجرة من سوريا عالقة على الحدود المصرية الليبية ولا تزال تعاني انعدام المسؤولية الإنسانية على الحدود العربية هذا غير الفلسطينيين الذين حالفهم الحظ وغادروا إلى الدول الاسكندينافية وأمريكا وغيرها من دول الغرب.

وبالنظر إلى حالة اللاجئين الفلسطينيين المهجرين إلى لبنان، نجد أن المشكلة تتفاقم يوماً بعد يوم، حيث نجد بدايةً مشكلة عدم المقدرة على استيعابهم ضمن مساكن صالحة للسكن البشري، وعدم تلبية حاجاتهم الضرورية من طعام وملبس وتدفئة وتعليم وتأمين العلم لهم.

وأخطر ما يواجهه المهجرون هو النقص في المساكن، حيث اضطرت عائلات كثيرة إلى السكن في براكسات غير مهيأة للسكن البشري، حيث احتمل البراكس الواحد قرابة 24 عائلة، وبعضهم لجأ إلى أي مكان يحوي أربعة جدران وسقف، كالدكاكين أو غرف تابعة للمقابر أو شقق قيد الإنشاء، كما حصل في البقاع (مخيم الجليل) أو صيدا (مخيم عين الحلوة) ووادي الزينة وغيرها.

هذا بالإضافة إلى المشاكل التي تتولد يومياً من عدم إيجاد طريقة عملية وسريعة على سبيل المثال: مشكلة تسجيل المواليد الجدد لهؤلاء المهجرين الفلسطينيين رغم أنها على الأغلب يجب أن تكون مسؤولية الأونروا كملفات مؤقتة، وكذلك تسجيل حالات الزواج، حيث بدأ التعاطي مع هذه المشكلة بشكل خجول، وأيضاً مشكلة التعليم التي عجزت الأونروا عن علاجها وتأمينها بشكلها الصحيح والمسؤول.

ناهيك عن تفاقم المشاكل النفسية والاجتماعية التي بدأت تطفو على السطح وعدم إيجاء الآلية الصحية لحلها في مثل هكذا طارئ.

ويعزو محللون ذلك الإهمال المتعمد من الجهات المعنية، والذي يعد أحد الضغوطات الخطيرة على القيادة الفلسطينية من جهة وعلى اللاجئين الفلسطينيين المهجرين وهم الأهم من حيث الحاجة الملحة للحل، لكي يتم إقناعه بالعودة إلى أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية (الدولة الفلسطينية المقبلة).

رغم أن  اللاجئ الفلسطيني بشكل عام أصبح مقتنعاً في الآونة الأخيرة بضرورة وجود دولة فلسطينية تحمي حقوقه الإنسانية وتصونها أولا، لكن ليس على حساب تنازله عن حقه في العودة لأراضي فلسطين التاريخية ولو طال زمن تحقيق هذه العودة ومهما اشتدت عواصف الزمان عليه.

إن طرح  قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان أو أي مكان آخر وصل إليه النازح الجديد تستدعي التنسيق  بمسؤولية بين منظمة الأونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية، وحتى الدول العربية للعمل فيما بينهم، ووضع خطة عاجلة تختص بالكوارث الإنسانية بشكل عام آخذة بعين الاعتبار الخصوصية الفلسطينية، وعلى هؤلاء المسؤولين وضع أجندة للتنفيذ سريعاً، تختص باللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان، وخاصة ضمن حالة الاهتمام باللاجئ السوري على حساب اللاجئ الفلسطيني.

وتبدأ بما يلي:

1- تأمين عاجل لمساكن صالحة للاستخدام البشري..

2- دفع بدل إيجار للاجئ الذي نفذ ما كان يدخره خلال نزوحه.

3- تأمين إعانات عينية ومالية، تخفف عنه مصاريفه اليومية الفردية. خاصة في ظل قلة العمل والشغل في بلد يعاني أصلا من هذه المشكلة.

4- إيجاد آلية لطريقة توزيع المساعدات العينية والمالية تضمن وصولها لكل لاجئ باليد، حيث سُجّلت شكاوى عديدة بهذا الشأن بعدم استلام المساعدات بسبب الإهمال في التبليغ.

5- تأمين إكمال التعليم للطلاب اللاجئين والاعتراف بهم رسمياً من خلال منح شهادة عبور للسنة الدراسية والنجاح فيها.

6- وضع برامج دعم نفسي لجميع الأنواع في العائلة اللاجئة، حيث تفاقمت المشاكل النفسية والاجتماعية بسبب خسارة احد أفراد العائلة أو أكثر، وما عاناه من الأحداث، أو تضرره شخصياً أو تضرر منزله وممتلكاته سواء بالتدمير الكلي أو الجزئي، وبسبب الغلاء المعيشي وانعدام الدخل المالي، وبسبب عدم تأمين مراحل التعليم الكافية، وكذلك بسبب اكتظاظ السكن الواحد بأكثر من عائلة مهجرة.

7- تسجيل حالات الولادة والزواج والوفاة ضمن ملفات رسمية خاصة، تلحق فيما بعد عبر طرق صحيحة وبعد انتهاء الأزمة أو إيجاد الحل المناسب وتعميم ذلك بين المهجرين.

8- استغلال الطاقات المثقفة والفكرية والشابة الموجودة ضمن المهجرين الفلسطينيين للعمل في نفس نطاق العمل الإغاثي كل حسب اختصاصه من أجل تطوير العمل.

9- تسليط الأضواء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إنسانياً وإعلامياً بالاتصال بالمؤسسات والمنظمات الأهلية والرسمية.

10- العمل الجاد لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضي الدولة الفلسطينية إذا بقيت الأوضاع الأمنية خطيرة في مخيمات سوريا وخاصة في ظل الحصار والعدوان عليه. إلا إذا عاد الأمان وانتهت الأزمة فالعودة تكون للمخيمات ومنها إلى فلسطين.

أخيراً إن مسألة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ستشكل بل شكلت نقطة تحول هامة في الشأن الفلسطيني ككل، حيث يرجح حسب مراقبين للوضع داخل سوريا وخارجها وحسب مقربين من طرفي النزاع السوري- أن مخيم اليرموك لأهميته في ساحة الصراع السوري وفي معركة دمشق الأخيرة، ربما تم خسارته كأكبر تجمع فلسطيني وثقافي فلسطيني في سوريا وكذلك باقي المخيمات حول دمشق خاصة وسوريا عامة، مع تخوف من تلاقي مصالح معينة مع إسرائيل لتفريغ هذه المخيمات من ساكنيها كما قيمتها الوطنية في ميزان قوة القضية الفلسطينية.

ويبقى السؤال رهاناً على طائر الفينيق الفلسطيني الذي تعوَّد أن يلملم جراحه، وينهض من تحت الرماد ليعيد الحياة لشعبٍ أحب الحياة إذا ما استطاع إليها سبيلاً.

 

هيفاء داوود الاطرش