بحضور رئيس دولة فلسطين محمود عباس، ترأس بطريرك اللاتين في القدس وسائر الأراضي المقدسة فؤاد طوّال قداس منتصف الليل لعيد الميلاد حسب التقويم الغربي، وذلك في كنيسة كاترينا الرعوية للاتين داخل كنيسة المهد، في مدينة بيت لحم.

ورحب البطريرك طوّال، في 'عظة الميلاد' بالرئيس عباس، وشكره على حضوره مع وفد رفيع المستوى من الحكومة وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والضيوف.

وتمنى البطريرك طوال عيد ميلاد سعيد للجميع، سائلا الله بالخير للرئيس محمود عباس، والملك عبد الله الثاني، و'جميع المسؤولين في هذه الأرض الممزقة الباحثة عن سلمها وأمنها، وسوف تحصل بهمة قادتها على الأمن والسلام'.

ودعا بالطمأنينة لجميع سكان الأراضي المقدسة من اتباع مختلف الديانات وأن يبعد الله العنف عن فلسطين والمنطقة، مشددا على ضرورة احترام كل انسان وبخاصة الشيوخ والأطفال، مضيفا: كم يؤلمنا ألم الأطفال في غزة والعراق وليبيا، وغيرها.

وقال: هذا البلد الذي هو محط أنظار العالم كله ومحج الملايين، في هذه الأرض المقدسة جمع الله المؤمنين من الديانات الثلاث ودعاهم للعيش معا، ومصير المؤمنين أن يعيشوا معا باحترام متبادل، إن الحائط الفاصل إضافة إلى ما يحدثه من أضرار فإنه يحول دون العيش بتناغم وسلام، للأسف نعيش منذ عشرات السنين بصراع دام يقول البعض انها قضية سياسية، وأنا أقول هي أيضا قضية إنسانية، قضية إنسان مثقل بظروف غير إنسانية.

وتابع طوال: إن إبقاء شعب في الخوف وعدم الأمان هو أمر لا أنساني وفرض الاحتلال على شعب هو أمر غير إنساني ومنع المؤمنين من الوصول لأماكن العبادة أمر غير إنساني.

وأضاف: في هذه الأرض المقدسة جمع الله المؤمنين من الديانات الثلاث، ودعاهم إلى العيش معاً. ولن تُبدِّل أية قوة بشرية تاريخاً بدأه الله في هذه الأرض. فمصير المؤمنين، يهوداً كانوا أو مسلمين أومسيحيين أو دروزا، هو أن يعيشوا معاً باحترام متبادل. ومن ثمّ فإن الحائط الفاصل، بالإضافة إلى ما يُلحق من أضرار مادية ببيوت الناس وحتى ببعض بيوت العبادة، فإنه يناقض طبيعة أرض الله هذه، وطبيعة كِلا الشعبين المدعُوَّيْن إلى العيش معاً بسلام.

وقال: 'منذ أربعة أشهر عشنا حرباً في غزة كانت نتيجتها الالاف من الضحايا. هدمت البيوت والمؤسسات. وحتى لو تم إعادة الإعمار، فمن يبني من جديد نفسية أطفال مصدومين عاشوا في حياتهم ثلاثة حروب مُتتالية، ورأوا الأهل وأفراد العائلة يُقتلون أمامهم؟ من يبني أُسراً تهدمت بيوتها، فأخذت من مدارس الأونروا مسكناً، ومن حمير غزّة وسائل نقل. ومن يُعيد آلاف القتلى ومن يشفي أضعافهم من الجرحى في النفس والجسد!! والأسوأ من هذا كلِّه، أن كلّ التضحيات ذهبت سُدى، ولم تبدّل شيئاً من معطيات القضية: فالشعب الإسرائيلي ما زال يعيش بين فكّي الخوف وانعدام الأمن، والشعب الفلسطيني ما زال يطالب بأرضه وحريته بثمن عال. والسور الفاصل لم ولن يمنح لا أمناً ولا سلاماً، إذ كل حوادث القتل والعنف في الأشهر الأخيرة قد تمت داخل الجدران وليس وراء الجدران'.

ووجه البطريرك طوال نداءين عاجلين للعالم الأول هو مناشدة لإعادة إعمار غزة ولتحسين الأوضاع الإنسانية فيها. فحياة الناس مازالت تتراجع. وبدأت أنظار الرأي العام العالمي تتجه نحو أولويات أخرى في الشرق الأوسط، وكادت قضية غزة تصبح نسيا منسيًّا. والنداء الثاني ذو طابع إنساني كذلك ويتعلّق بوادي كريمزان حيث يخشى الأهالي بأَن يبتلع الجدار أراضيهم فيصعب أو حتى يستحيل عليهم الوصول إليها، كما أن الأمر يقلق بالـ 58 عائلة من بيت جالا ويدّمر الرسالة التي لا زال الرهبان والراهبات يعيشونها.

وقال طوال: 'باسم العدل والأخلاق والإنسانيّة أناشد المسؤولين السياسيين والحقوقيين أن يوقفوا تقدم الجدار'.

واستذكر موقف البابا فرنسيس في حجه الأخير إلى بيت لحم في أيار الماضي حينما وقف أمام الحائط الفاصل بين بيت لحم والقدس، واتكأ عليه وصلّى، مضيفا: 'وكم كان بودّه أن يُزيحه بكتفه وأن يُلغي معه جدران الكراهية والخوف، والعَمى السياسي ومحاولةَ إقصاء الآخر'.

وتابع طوال: إن 'العالم قد نسي خطابات قداسته أثناء وجوده بيننا، ولكنه لن ينسى وِقفته أمام الجدار. البابا فرنسيس يريد ونريد جسوراً تجمعنا وتوحدنا، فتتشابك الأيدي لعمل الخير، وإذا كانت الحرب تستلزم شجاعة وعناداً وتصميماً، فالسلام يتطلب شجاعة أكثر، وتصميماً أكثر، وعناداً قد يصل إلى حدّ الشهادة'.

يذكر أنه حضر قداس منتصف الليل، إلى جانب الرئيس كل من رئيس الوزراء رامي الحمد الله، ورئيسة بلدية بيت لحم فيرا بابون، ووزير السياحة الأردني نضال قطامين، وأمين عام وزارة الخارجية الأردنية محمد تيسير بني ياسين، إضافة لعدد من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والوزراء وقناصل وسفراء الدول العربية والأجنبية.