افتتح أحمد قريع ندوة : "المقدسات والمعالم الاثرية في القدس" الخاصة بالمقدسات والمعالم التاريخية والثقافية والاثرية في القدس الشريف

وقال في كلمته أن الندوة جاءت لابراز مكانة القدس وأهميتها وقدسيتها والمخاطر المحيطة بها.

 
نص الكلمة:
يسرني اليوم ومن على منبر جامعة القدس، شرف افتتاح هذه الندوة الخاصة بالمقدسات والمعالم التاريخية والثقافية والاثرية في القدس الشريف، أقدس بقعة في فلسطين، بمدينتنا الخالدة، مهوى افئدتنا، وعنوان حاضرنا ومستقبلنا، التي تحتضن أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وقيامة سيدنا المسيح عليه السلام. إنها القدس التي باركها الله سبحانه وتعالى وبارك حولها، وجعل منها اقرب مكاناً في الارض من باب السماء.

واحسب ان ندوتنا هذه، المنعقدة في اصعب الظروف واشدها قسوة على مدينة القدس، تلبي قسطاً يسيراً من الواجب الوطني الديني والاخلاقي والسياسي، وتسد جزءاً صغيراً من الدين الثقيل المعلق في الاعناق والضمائر تجاه بيت المقدس والمسجد الاقصى المبارك على وجه الخصوص، مدينتنا المقدسة التي تشهد أبشع حملة تهويد وأسرلة للمدينة المقدسة ومعالمها التاريخية والدينية والثقافية والحضارية، وتشهد في الوقت ذاته، وبالتوازي معه أبشع الانتهاكات والممارسات العنصرية التي تستهدف المقدسيين والمتمثلة في عمليات القمع والقتل والاعتقال، وإرهاقهم بالضرائب والرسوم وضرائب الارنونا على أشخاصهم ومدارسهم ومنازلهم ومحلاتهم التجارية وأراضيهم، وتسلب منهم بقوة الاحتلال البغيض أبسط مبادىء حقوق الانسان والقانون الدولي.

إن هذا الحشد من الحضور الكريم، وهذه الكوكبة المميزة من الباحثين المهمومين باحوال مدينتنا الاسيرة، وكل هذه الابحاث والدراسات القيّمة، تشكل في مجموعها برهاناً قوياً على مدى انشغال شعبنا والنخبة منه خاصة، وعلى عمق ادراكها للمخاطر الهائلة المحدقة بالقدس.

لم تكن هذه الندوة عملاً مرتجلاً قمنا به على عجل، ولم تكن موضوعاتها المنتقاة بعناية مجرد قول على قول، ولا كيفما اتفق، بل كانت جهداً فكرياً منسقاً، اعدت له دائرة شؤون القدس في م.ت.ف إعداداً جيداً، وسعت الى تحقيقه على احسن ما يرام، بالتعاون والتواصل الحثيث، مع عدد من أعلام القدس البارزين ومفكريها اللامعين، الذي يساهمون بفكرهم وإيمانهم وصمودهم على إبراز مكانة القدس وأهميتها وقدسيتها والمخاطر المحيطة بها.

لقد اردنا من هذه الندوة، التي تنوعت عناوينها بين شتى القضايا المقدسة التي تشغل العقل الجمعي الفلسطيني، ان تكون بمثابة ضوء مركز، ننير به العقول، ونستيقظ من خلاله الضمائر، حيال ما آلت اليه اوضاع القدس والمقدسات الاسلامية والمسيحية تحت الاحتلال البغيض، وما افضت اليه سياسة التهويد والاسرلة من اخطار تجلّ عن كل وصف بليغ.

ويزيد من اهمية ما نحن بصدده اليوم درجة التصعيد الاسرائيلي الراهن في هذه المرحلة، التي يمضي خلالها الاحتلال بسرعة غير مسبوقة، لتغيير واقع القدس رأساً على عقب، واكراهنا على قبول حقائق امر واقع نهائية لا تقبل المراجعة مستقبلاً.

ومع ان القدس كانت بؤرة المخططات الجهنمية الاسرائيلية منذ احتلالها، قبل عشرات السنين، وظلت طوال الاعوام الطويلة الماضية محل مشاريع استيطان ومصادرات وقمع وتهويد لا حصر لها، الا ان هذه المدينة العربية الاصيلة، تبدو اليوم وكأنها قد باتت على رؤوس الاشهاد موضع الهجمة العنصرية الاخيرة الشاملة.

ان حالة السعار الاستيطاني والتهويد الارهابي، التي تحدق بالقدس في هذه الآونة، وهذا الهياج العنصري الاستفزازي والانتهاكات الاجرامية التي تستهدف المسجد الاقصى المبارك، وكل الممارسات الوحشية الهمجية، الذي يطالعنا بها قادة الاحتلال صباحاً ومساءاً، هو الدليل بعينه على ان الحرب الاسرائيلية الشاملة على المدينة المقدسة قد شارفت على نقطة اللاعودة.

واذا كانت خطط تغيير واقع القدس الديمغرافي والثقافي والديني والحضاري، قد مرّت بصمت وتجاهل في السنوات الماضية من قبل العالم، وبلغت جل ما كانت ترمي اليه دون اعلانات مسبقة، فها هي تدخل اليوم مرحلة الاستكمال بفظاظة شديدة، في رابعة النهار، وتحت ابصار العالم كله.

وقد يكون ما جرى، وما يزال جارياً، بوتيرة تصاعدية مجنونة، ضد المسجد الاقصى على وجه التحديد، هو المثال العملي الابرز على مدى الاستخفاف الاسرائيلي الارعن، بل على شدة الاستهانة التي لا حد لها، حيال ما قد يواجهه المحتلون من ردود فعل على المستويات العربية والاسلامية والدولية.

صحيح اننا كفلسطينيين، وكمقدسيين خاصة، لم نتوان يوماً عن رفع الصوت عالياً محذرين من مغبة ما يتربص بالقدس ومقدساتها، واننا لم نتردد في القيام بقسط وازن من المسؤولية الكبرى الملقاه على كواهلنا، لفتح عيون الاخوة والاشقاء على ما آل اليه حال مدينتنا المقدسة، ودعوتهم الى شد ازرنا، الا ان من الصحيح ايضاً أنه من الواجب المترتب علينا نحن، كخط دفاع اول عن هذه المدينة الصابرة على محنتها ومحنتنا، تفرض علينا تعزيز وحدتنا ووحدة خططنا وبرامجنا وسياساتنا ومرجعياتنا.

ونحن اذ نمارس مثل هذا النقد الذاتي لادائنا، ونلوم انفسنا عن كل تقصير ارتكبناه بحق مدينتنا الحبيبة، فإننا لا نغفل في حقيقة الامر صور البطولة النادرة، وآيات الصمود الاسطوري التي ابداها المقدسيون دفاعاً عن حاضر القدس ومستقبلها، بما في ذلك هذه الهبّة الجماهيرية المتواصلة خلال الاشهر القليلة الماضية.

غير ان ذلك يجب الا يدعونا الى النوم على حرير هذه الهبّة، او الاطمئنان الى غيرها من مشاهد الاستبسال في هذه المواجهة المستمرة. فالاخطار اكبر من طاقة المقدسيين وحدهم على الاستمرار دون دعم ومؤازرة، لا سيما وان التهديدات شديدة الوطأة على هؤلاء الشباب والفتية، ان هم تركوا بلا اسناد حقيقي، يقارعون الهجمة الضارية، كما أن الدعم المادي لتعزيز هذا الصمود المقدسي الباسل محدود جداً، أمام بشاعة الاحتلال وممارساته وإمكانياته المادية والاقتصادية والعسكرية.

من هنا تنبع المسؤولية المشتركة المنوطة بنا جميعاً، كشعب فلسطيني داخل الوطن وخارجه، وكمنظمة تحرير وفصائل وسلطة وطنية، ومجتمع مدني، وذلك قبل ان نتحدث عن واجبات الاشقاء العرب ومسؤوليات العالم العربي والاسلامي، ناهيك عن دور المجتمع الدولي، في وجوب وقف هذه الهجمة الاستئصالية على مدينة القدس والمسجد الاقصى، وسائر المقدسات الاسلامية والمسيحية.

على اي حال، ومن واقع الشعور العميق بحراجة اللحظة السياسية الراهنة، والحس الثقيل بواجب السمؤولية الوطنية، التي ينبغي ان تتقدم مسؤوليات الاشقاء والاخوة حيال المدينة المقدسة، اتت هذه المبادرة لعقد هذا اللقاء الفكري، المكرس كلياً لبيان عدد من الجوانب التي تستحق الاضاءة عليها، ووضعها في مقدمة اذهان المخاطبين باحوال القدس، وبالاخطار الشديدة المحيطة بها.

وعلى أرضية ذلك، فإنني أتوجه بالشكر الجزيل لجميع الاخوة والاخوات الذين ساهموا في الاعداد لهذه الندوة الهامة وتقديم الابحاث القيمة في هذه المرحلة المفصلية الدقيقة التي تواجه فيها القدس هذا العدوان الهمجي والادعاءات التي تتسم بالتزوير والكذب وتزييف الحقائق.

إن ما نعرضه عليكم اليوم، من أبحاث ودراسات يتم عرضها من قبل الاخوات والاخوة الاساتذة الافاضل، الذي أعدوا هذه الدراسات القيمة حول عدد من القضايا المحددة المدرجة على جدول أعمالنا هذا اليوم والتي يسعدني أن أشير إلى أسماء الباحثين الاخوة الذين أسهموا فيها مع كل الاحترام والتقدير.

فكل الشكر والتقدير للاخوة الذين ساهموا في الاعداد لهذه الندوة والى الموضوعات الهامة التي تناولوها كما هو مدرج في جدول الاعمال الموزمع عليكم:

د. نظمة الجعبة، د. ناجح بكيرات ، د. برنارد سبيلا ، د. مروان أبو خلف ، د. يوسف النتشة ، أ. زهرة الخالدي، د. حسن صنع الله، د. علي قليبو ، أ. عبير زياد ، د. جاد اسحق، د. رائد فتحي ، د. عدنان عبد الرزاق ، الاستاذ عبد الرزاق متاني ، أ. خليل التفكجي . د. صالح لطفي ، أ.د. صلاح الهودلية .

  وفي سياق هذه الندوة القيّمة، فإنني أدعو في هذه العجالة الى الاستثمار السياسي النضالي في العناوين المتخصصة، التي اشتملت عليها اوراق البحث الرصينة المعروضة علينا اليوم، من خلال تعميم الفائدة المرجوة من وراء هذه الجهود الفكرية الرصينة، على اوسع قطاعات اكاديمية واعلامية وفصائلية ممكنة، ووضعها بين ايدي الرأي العام الفلسطيني والعربي على اوسع نطاق ممكن، لا سيما ونحن في عصر ثورة الاتصالات المعروفة.

 أخيراً، فإنني اقدم الشكر الوافر لكم جميعاً على ما بذلتموه ايها الاخوة والاصدقاء من جهود طيبة، والامتنان لجامعة القدس على ما بذله القيمون فيها على عقد ندوتنا هذه، وأنني أعدكم بنشر الاوراق البحثية في كتاب واحد، كي يصبح في متناول أيدي السياسيين والطلاب والباحثين والاعلاميين في الداخل والخارج، وكل من تخاطبهم الهجمة المتواصلة على القدس، شعبها ومقدساتها ومعالمها التراثية.