من دون مخططات وتدريبات ومعدات واجه الجيش الاسرائيلي أنفاق غزة خلال حرب "الجرف الصامد"، ليشكل واحدًا من أكبر إخفاقات هذه الحرب"، بهذا الإتهام خرج عشرون مسؤولا اسرائيليًا كانوا على علاقة بالعملية العسكرية والمصادقة عليها، بينهم وزراء في المجلس الوزاري المصغر، ضباط كبار في الجيش، رجال استخبارات وضباط وجنود شاركوا في تدمير الأنفاق.

وقد وافق هؤلاء على الحديث مع صحيفة "هارتس" العبرية، وهي أولى المقابلات العلنية والصريحة حول إخفاقات حرب غزة، التي ما زالت نتائجها تشغل الاسرائيليين. وكشف المسؤولون في حديثهم عن وجود فجوات في سلسلة مجالات حول الموضوع ورأى معظم المتحدثين أهمية في التطرق الى مصاعب العثور على حل تكنولوجي يساهم في كشف الانفاق وما الذي تعرفه الاستخبارات.

يستدل من حديث المسؤولين أن قيادة أركان الجيش الاسرائيلي بدأت الحديث عما اسماها الاسرائيليون "الحرب الجوفية داخل الاقبية والانفاق"، منذ حرب لبنان الثانية.

ولكن الجيش اكتفى عمليًا، بإنشاء انفاق ضيقة في ثلاثة مواقع تدريب في الشمال والمركز والجنوب لكن هذه الانفاق كانت بعيدة عن واقع الانفاق الموجودة في غزة، فقد بدت كخندق حربي اعتيادي تم تغطيته بسقف، دون توفير مجال حرب معقد. لقد تم إشراك غالبية كتائب المشاة النظامية والوحدات الخاصة لفترات قصيرة، لم تنطو تقريبًا على أي جوهر ملموس. وقال جنود من كتيبة دورية المشاة في حديثهم مع الصحيفة الاسرائيلية أنه تم انزال الجنود بواسطة حبل عبر فتحة الى منطقة ظهرت كمحمية طبيعية، أو موقع عسكري لحزب الله في منطقة مفتوحة. وهذا كل ما تدرب عليه الجنود في الحرب الجوفية".

لقد كانت استعدادات وحدات الإحتياط، بل وحتى كتائب الهندسة القتالية، التي اعتمد عليها الجيش الى حد كبير في حرب غزة، بين سطحية وغير قائمة بتاتا. وقال ضباط وجنود يؤدون الخدمة الاحتياطية في كتائب الهندسة إن التدريبات التي اجتازوها، مرة كل عام أو عامين، كانت تناسب الدور التقليدي للجيش، كإختراق حقول الغام. ولم يجرّ الحديث عن انفاق ولا حتى في كتائب الاحتياط التي تم دمجها مسبقا في العمليات المحتمل تنفيذها في اطار عملية لاحتلال غزة. وعندما كان الجنود يلفتون انتباه قادتهم الى أن برامج التدريب لا تلائم التحديات العسكرية التي يمكنهم مواجهتها، كان يقال لهم إن المشكلة معروفة.

في جانب أخر وجه المسؤولون، في حديثهم مع الصحيفة، الانتقادات اللاذعة للقيادة الاسرائيلية والمجلس الوزاري الأمني المصغر، الذي ابدى اهتمامًا واسعًا في النقاش حول الخطر النووي الايراني والتطورات على الحدود السورية واللبنانية فيما لم يتم طرح مشكلة الأنفاق في غزة وأن تم طرحها ففي أفضل الحالات كبند متأخر في "تقييم الاوضاع".

كما يستدل أن الوزراء لم يعرفوا عن التقرير الإستخباري الشهري الذي كان يتسلمه بنيامين نتانياهو موشيه يعالون ورغم أن المعلومات الإستخبارية المفصلة كانت متوفرة لدى رئيس الحكومة ووزير الدفاع الا أنه اتضح فقط في نيسان 2014 أن حماس تعد لعملية كبيرة بواسطة نفق تم حفره في منطقة "كرم أبو سالم"، في الجانب الجنوبي من القطاع. وأصدر الجيش تحذيرًا مفاده أن حماس قد تحاول اختطاف جنود ومدنيين عبر النفق، بهدف اختراق الحصار الاسرائيلي - المصري المفروض على القطاع.

وبذلت القيادة العامة وقيادة اللواء الجنوبي واذرع الاستخبارات جهودا كبيرة لكشف النفق. وقامت كتيبة غزة بتركيز أكثر من 30 آلية هندسية في محاولة للعثور على فتحة النفق في الجانب الاسرائيلي، ونشرت حواجز هدفها منع الوصول من الحقول القريبة من السياج الى كرم ابو سالم. وعندما لم تجد اعمال التفتيش في الجانب الاسرائيلي نفقا، صودق للجيش على القيام بعملية هجومية.

وتحدث أحد الضباط عن فجوات استخبارية، وقال إنه لم يكن للاستخبارات معلومات دقيقة حول مسار النفق وقد فوجئ الجنود بعدد فتحات الانفاق التي اكتشفوها، وتفرعاتها الداخلية التي حتمت القيام بعمليات تمشيط متواصلة. كما أن الجيش لم يملك ما يكفي من الأليات الهندسية لمعالجة هذا العدد الكبير من الانفاق في آن واحد.

وقال ضابط كبير في سلاح الهندسة أن كل طاقم بدأ بمعالجة نفق أو نفقين ومن ثم انتقل الى نفق ثالث في قطاعه. وبسبب النقص في المعدات عملوا بالتناوب بدل العمل في آن واحد. ويشير الضابط الى أن الجيش لم يملك ما يكفي من الآليات لعملية تدمير 32 نفقًا في آن واحد".

في هذا الجانب، تشير الصحيفة الاسرائيلية الى منظومة "امولاسيا"، التي امتلكها الجيش في العقد الماضي لتدمير الانفاق، وهي تقوم بنشر كمية كبيرة من المواد الناسفة داخل النفق دون أن يضطر الجنود الى دخوله. لكن الجيش كان يملك منظومتين كهذه فقط في بداية الحرب. وكبديل لها اضطر الجيش الى استخدام قرابة نصف مليون لغم ومواد ناسفة اخرى.

 ولكن انزال الالغام الى الانفاق وتفجيرها غالبًا ما اسفر عن تدمير جزئي للنفق. وقال جنود من الاحتياط إن المرة الأولى التي خاضوا خلالها تجربة تدمير نفق كانت عندما تلقوا الأوامر خلال الحرب. واضافوا: "تلقينا تدريبًا بسيطًا من وحدة النخبة في سلاح الهندسة وفجرنا الانفاق بواسطة انزال سلسلة من الالغام الموصولة ببعضها. أن التجربة الوحيدة التي امتلكناها كانت تفجير البيوت في لبنان وغزة، وهذا لا يشبه بتاتا تفجير الأنفاق". وقال جنود من سلاح الهندسة انهم شاركوا خلال العامين الأخيرين في تدريبات على الحرب البرية، لكنها لم تشبه بتاتا ما واجهوه في غزة.

واوضحوا بأنهم اضطروا الى اختراع نظريات محاربة مختلفة عن التدريبات. وقال بعض رجال الاحتياط إنهم دخلوا الى غزة مع مستوى منخفض من الجاهزية العسكرية، دون أن يتمكنوا من التدرب على اطلاق النيران، بل وحتى تزودوا باليات اصابها التلف، ناهيك عن نقص آليات اخرى. ورغم ذلك فإن رجال الاحتياط يفاخرون بعملهم في القطاع. وقد عرض بعض المتحدثين اشرطة صوروها خلال تفجير الأنفاق. وهناك جنود من وحدات الهندسة قالوا إنهم خرجوا من القطاع بمشاعر من الاحباط بسبب عدم الجاهزية لمعالجة هذا العدد الكبير من الانفاق.