القانون الدولي المعاصر يعرّف جريمة الحرب, على انها: المخالفة التي يعاقب عليها القانون الدولي, والتي يتم ارتكابها خلال فترة العداء ضد اشخاص معينيين, او ضد المجتمع الدولي ككل. ومن الفقهاء الجديرين بتعريف الجريمة اوبنهايم, فيعرفها كالتالي: "هي الاعمال التي يرتكبها العسكريون او غيرهم من الافراد التي يعاقب عليها القانون العدو عند وقوع الفاعلين في يده".

وقد اصبحت جرائم الحرب, في وقتنا, تستلزم ملاحقة فاعليها والحكم عليهم باشد العقوبات, كما كتب البروفيسور تونكيم بهذا الخصوص, عندما يطلق على حرب عدوانية تستهدف انتهاك الاعراف الدولية, صفة الجريمة, فهذا يعني, بالنسبة للدولة, انها ارتكبت جنحة ذات طابع خطر للغاية, اما الاشخاص الطبيعيين الذين نفذوا هذه الافعال, فيطبق عليهم القانون الدولي الحديث, مبدأ اقتراف الجريمة الدولية وما يسفر عنه من تحميلهم المسؤولية الجنائية.

حول الموضوع نفسه, من وجهة نظرنا, يمكن القول: القانون الدولي الجنائي يشكل فرعاً متكاملاً للقانون الدولي, وهي تنظم التعاون بين الدول في مجال التحقيق والقبض على الاشخاص الطبيعيين ومعاقبتهم بغض النظر عن مناصبهم باعتبارهم الشخصيات المسؤولة عن ارتكاب الجرائم الدولية والجرائم ذات الطابع الدولي.

ولم يتبنّ المجتمع الدولي فكرة المعاقبة على جرائم الحرب بسهولة, وانما مرت هذه الفكرة بعدة مراحل. ويمكن ان نعتبر النصوص الدولية التالية كنقاط علام مميزة لهذا التطور مثل معاهدة فيرساي لعام 1919م, اتفاق لندن لعام 1945م, واتفاقيات جنيف لعام 1949م.

 

وفي هذا السياق لابد من التركيز على انواع جرائم الحرب, وهي:-

1- الجرائم ضد السلام: وهي كل عمل يتضمن "التخطيط والتجهيز والاعداد لشن حرب عدوانية او البدء بمثل هذه الحرب, او اي حرب فيها خرق للمعاهدات والاتفاقيات الدولية او التعهدات المعطاة, او المشاركة في خطة او مؤامرة تهدف مثل هذه الاعمال. وتعتبر "الجرائم ضد السلام" – حسب اقتراح تراينين تعبيراً جديداً, تبناه اتفاق لندن عام 1945م, وقد انشأ هذا الاتفاق المحكمة العسكرية الدولية التي عرفت باسم محكمة نورمبرغ, ووضع لها شرعيتها الخاصة بها والتي تتكون من 30 مادة, بالاضافة الى لائحة الاجراءات التي تطبق فيها, والعقوبات التي يمكن ان تصدرها. بدلاً من تعبير "جرائم الحرب".

2- الجرائم ضد الانسانية: وتشمل جرائم القتل والابادة والتعذيب والتهجير والابعاد, والاستبعاد والارهاب والاعتقال غير الشرعي والاضطهاد لاسباب سياسية او دينية او عرقية, سواء كانت فردية او جماعية, ويلحق بهذه الاعمال الشبيهة بها التي تقترف ضد المدنيين قبل او اثناء الحرب.

3- جرائم الحرب بحد ذاتها: وهي الانتهاكات لقوانين الحرب من جهة, ولما تعارفت عليه الامم المتمدنة في حروبها من جهة ثانية, بالاضافة الى اي جريمة اخرى غير هذه الجرائم تقترفها سلطات الاحتلال او افرادها ضد المدنيين في المناطق المحتلة.

محاكمات نورمبرغ: ضمنت المحكمة العسكرية الدولية اربعة قضاة, احدهما امريكي والثاني روسي, والثالث انجليزي, والرابع فرنسي وعدداً من المحلفين من الجنسيات الاربع, وقد مثل الادعاء العام فيها القاضي الامريكي المشهور جاكسون.

وقد اختار الحلفاء مدينة نورمبرغ مقراً لها وذلك لان هذه المدينة كانت العاصمة الروحية للرايخ الثالث, حيث تم عقد مؤتمرات فيها للحزب الاشتراكي الالماني النازي.

 

اهم المبادئ القانونية من احكام هذه المحكمة, ستة:-

1- كل شخص يرتكب, او يشترك في ارتكاب فعل يعد جريمة طبقاً للقانون الدولي, يكون مسؤولاً عنه ويستحق العقاب.

2- اذا كان القانون الوطني لا يعاقب على عمل يشكل جريمة حرب, فان هذا لا يعفي ما ارتكبه من المسؤولية بحسب احكام القانون الدولي.

3- اذا تصرف الشخص الذي ارتكب الجريمة بوصفه رئيساً للدولة, او مسؤولاً فيها, فان هذا لا يعفيه من المسؤولية طبقاً للقانون الدولي.

4- اذا تصرف الفاعل بامر من حكومته, او من رئيسه الاعلى, فان هذا لا يخليه من مسؤوليته حسب احكام القانون الدولي. ولكن من الممكن ان يساعده ذلك كأحد الظروف المخففة لصالحه حسب المادة الثامنة من شرعة المحكمة.

5- كل متهم بجريمة دولية له الحق بمحاكمة عادلة طبقاً لاحكام القانون الدولي.

6- ان المبدأ الذي يقول "لاجريمة ولا عقوبة الا بنص" المطبق في القوانين الداخلية يمكن التجاوز عن تطبيقه في القانون الدولي.

هذه المبادئ تبنتها هيئة الامم المتحدة بموجب قرارها الصادر عن جمعيتها العامة تحت رقم 95/أ تاريخ 11 كانون اول / 1946م

بقلم الدكتور حنا عيسى - استاذ االقانون الدولي