خاص/ مجلة القدس، غداً عندما تصبحهذه الذكرى ليست ذكرى، ماذا سنفعل؟ غداً عندما تصبح هذه النكبة للذكرى هل سنحتفل؟ الكتابةعنها نار وحمم، انتحار من أعلى مكان، دخول في غمار تقشف الأحاسيس والأنين، ضعف قوّةانكسرت بفشل قنبلة نووية انفجرت ومازالت شظاياها تتناثر. تحرجني هذه النكبة، تحرجنيذكرى شعوب تحتفل باستقلالها وأعيادها، ونحن نحتفل بنكبتنا! نحتفل ليس فرحاً ولا تيها،ولا محبة بصورتها، ولا عشقاً لسمومها الفتّاكة، نحتفل من أجل ان نتذكّر وطناً فقدناهحين سقط عمداً في غشاء القلب. منذ ان تهوّر العقل العربي ومازال في تهوّره، تتقاذفناالأنواء بدون توقف حتى لا نصل الى شاطئ، نكبة نتوارثها حرفاً حرفاً، وجمرة جمرة. ذكرىلا بدّ منها شئتُ أم أبيتُ، تدهمني بكلّ تفاصيلها المؤلمة؟! تعيدني الى المجزرة، والخيمة،والبؤس، والشقاء، والمعاناة كلما حاولت ان انسى، تعيدني الى الصراعات والاحتكاكات القاتلة.هي ذكرى نتوجس منها؟! نخشاها لأنها تفتح مراراة متورّمة في الوجدان والروح. منذ العامالماضي وقبله بنحو ثلاثة وستين عاماً ونحن نعدّ السنوات، ندور مع عقارب الساعة لحظةبلحظة، نتأمل أموراً تستدعي التوقف عندها والتقاط الانفاس والاتِّعاظ وأخذ العِبَر.
نحلم بطيور وحساسينوشوارع واشجار، بحقول ووديان وجبال هي لنا، نحلم بمستقبل وأمل فلسطيني بكل صقيعه ودفئه.نحلم ونمضي الى يومياتنا كسائر البشر، نضحك ونبكي، نأكل ونشرب، نقرأ ونسمع الموسيقى،نحتفل بأعراسنا ونتألم لموتانا، ونمارس رياضة المشي في الصباحات النّدية، لا نسقط ولانقف، الحياة والموت في صحننا، لكننا مازلنا نعيش بأمل نمسك بالراية من جيل لجيل، هيفرصة للقول بأننا ماضون في الحياة، لم تتوقف قلوبنا عن الخفقان، هي مناسبة للخروج منالعفن برغم اننا نعيش على أظافر المدن، وتحت قوس قزح ملوّن بدمنا، هي مناسبة لنشق طريقنافي سرداب مظلم يشق لحمنا، هي مناسبة باقية حتى لو اصبحت ذكرى معطوبة، لم يستطع العالمان ينقذنا من شراكها الملفوفة على أعناقنا التي صاغها بيديه، لم يقدم لنا غير الخراب،هذا العالم متوحش أصفر خبيث لا يجرؤ سوى على أحلامي فيقضمها، وعلى آمالي فينهبها، يقتلمستقبل ابنائنا بدون خجل وحياء، هي كلمة، ذكرى، نكبة، لها عالمها الخاص، تقترب منافنبتعد عنها، واذا ابتعدت نقترب، لها وقعها الخاص في حياتنا، مغروسة بمسامير في سقوفايامنا، هي جزء منا تأتينا وحدها عاماً عاماً، لا أحد يدعوها، ولا احد يمنعها، لا أحديقضي عليها، تأتي وتذهب، تذهب وتأتي، نتذكرها نكرهها، منذ أمد بعيد وهي لا تتغيّر،حرمتنا من قرانا، من رسم صورة المنزل على دفتر الرسم، حرمتنا من رؤية آبائنا كما نشتهي،لم تتركنا نتعرف اليهم كما يجب، وان نحتفظ بصورهم، ونمسك بأيديهم، ونقفز الى صدورهمونكبر كالفرفحين والنعنع، لم تتركهم يلاعبوننا كما يلاعب النسيم الفراشات، لم يتسنلنا ان نسمع قصة ليلى والذئب من أفواههم، هكذا أتينا، وهكذا مضوا، قبل ان ينمو القهربين المناكب، لا يوجد كلمة، ولا فكرة، ولا معنى يداوي هذا الجرح، ليظلّ الشوك عالقاًبأطراف أصابعنا والوجع دائمٌ دائم، نستفيق في هذه الحياة، لا مناظر للسهول الممتدةالى الحياة، ولا مناظر للوديان الهابطة الى القلب، لا أسماء لقرى ومدن في طريق العشبالاخضر والحنين، خرجنا مغمورين بصدور الامهات،على رؤوسهن، وهنّ ينشدن الأمن والأمان مع كل شهقة وزفرة خرجت بألم من أرواحهنّ، ركضنبنا، ونحن مازلنا نركض ونركض ولم نصل إلى مكان.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها