واخيراً "بق" الرئيس الأمريكي باراك اوباما البحصة كما يقول المثل العربي الشائع. وأعلن جهاراً وبشكل لا يقبل الغموض او الشك بانه عاجز عن ارغام الحكومة الاسرائيلية التي يرأسها ويديرها الثالوث الاكثر ارهابية ويمينية وتطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني نتنياهو – باراك – ليبرمان الالتزام بمتطلبات التسوية الشرق اوسطية وعلى رأسها القضية الفلسطينية على الرغم من اصرار دول العالم واعترافها بأحقية وضرورة ايجاد الحل النهائي للقضية الفلسطينية وبالتالي متطلبات المفاوضات المباشرة اوغير المباشرة التي كانت دائرة "بهمة" المبعوث الشخصي للرئيس الاميركي جورج ميتشل الذي فشل هو الآخر في ثني الحكومة الاسرائيلية عن اصرارها في استمرار الاستيطان الصهيوني ولا حتى تجميدها بالحد الأدنى تزامناً مع المفاوضات التي يقودها. وهذا الاعتراف الاميركي الذي جاء هذه المرة على لسان رئيس ادارتها باراك اوباما والذي يعتبر بالوقت نفسه اعترافاً بالعجز الاميركي وهو عجز اثبتت الايام بانه مقصود ومبرمج للادارة الاميركية التي اكدت في الوقت نفسه انها الحليف الاستراتيجي الأوحد والاكبر للكيان الاسرائيلي من خلال تقديم كل اشكال الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي الى جانب تأمين الحصانة والحماية

لاسرائيل في مواجهة القرارات الدولية ومؤسسات المجتمع الدولي بما فيها مجلس الامن  والامم المتحدة الذي تتكدس في ادراج اروقته سلسلة طويلة من القرارات التي تدين اسرائيل وللأسف كانت الادارات الاميركية المتعاقبة وعلى الدوام جاهزة لاجهاضها وتحويلها الى حبر على ورق من خلال استخدام حق النقض "الفيتو" عليها او من خلال ممارسة الضغط الهائل والكبير على المجتمع الدولي لاجباره على عدم تنفيذها هذا الضغط الذي وصل في كثير من الاحيان حتى الى الدول العربية والاسلامية وفي مقدمتها السلطة الوطنية الفلسطينية صاحبة المصلحة والحق الاساسي والرئيسي.

وهذه الممارسة الاميركية التي شكلت على الدوام غطاء للممارسات الاسرائيلية الارهابية والدموية بحق الشعب الفلسطيني الذي يعتبر الشعب الوحيد في العالم ما زال يرزح تحت وطأة اشرس احتلال وأكثره خطورة على مر العصور.والذي ما كان يستطيع التفلت من العقاب الدولي القانوني والانساني لولا هذا الدعم الاميركي اللامتناهي. واليوم وبعدما اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما عجزه رسمياً وفشله في اجبار اسرائيل على ايقاف الاستيطان اللاشرعي واللاقانوني فانه في الوقت نفسه يثبت ان ادارته لم تكن في يوم من الايام "راعية صالحة" لأي تسوية شرق اوسطية وبالتالي لم تكن بأي حال حكماً نزيهاً يعتد به بل على العكس اثبت  انه يقف الى جانب اسرائيل واحتلالها للاراضي  الفلسطينية ويقدم لها كل اشكال الدعم والمساندة مقابل تقديمه مجرد وعود ما هي في النهاية الا ذر للرماد في العيون لتهدئة خواطر ونفوس المجتمع الدولي وفي المقدمة منه المجتمع العربي وعلى رأسه القيادة الفلسطينية التي انخرطت بالمفاوضات سواء المباشرة او غير المباشرة تعبيراً عن صدقيتها في محاولة ايجاد تسوية شرق اوسطية في حدها الادنى وكذلك يعتبر الاعلان الاميركي الرسمي اثباتاً جديداً بان الادارة الاميركية كانت تمارس لعبة "شراء الوقت" لمصلحة اسرائيل وحكومتها اليمينية وهو ما نجحت فيه حتى الآن على الأقل. والذي لا يبدو ان الادارة الاميركية ستغير من موقفها هذا في المستقبل.

وعلى ضوء ذلك فاننا نعتبر ان الاعلان الاميركي عن فشلها في ممارسة اي نوع من الضغط على اسرائيل لاجبارها على الاستجابة لمتطلبات التسوية بحدها الادنى وشروطها التي تتمثل بحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الثابتة والمشروعة وعلى رأسها ازالة الاحتلال عن ارضه واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على كامل ترابه الوطني وبقيادة ممثله الشرعي والوحيد المتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية هو بمثابة الاعلان عن مرحلة جديدة ستواجه المنطقة العربية والقضية الفلسطينية اولى معالمها وضع المنطقة برمتها امام مصير مجهول ونفق مظلم واولى احتمالاتها حصول هزات عنيفة لن يبقى العالم بمنأى عن تأثيرها بما في ذلك الادارة الاميركية نفسها.خصوصاً وان قضية الاستيطان التي عجزت الادارة الاميركية من استباق نتائجها المدمرة ليس على التسوية وحسب  والتي تعتبر في الوقت نفسه "بارومتراً" لقضايا أخرى يؤسس عليها الموقف الفلسطيني والعربي والدولي ومن أهم هذه القضايا تأتي قضية القدس ومحاولات تهويدها التي تمارسها حكومة اسرائيل على قدم وساق بما يهدد مصير الشعب الفلسطيني التي ستواجه بردود فعل قد لا يعلم احد في العالم مدى تأثيرها وقوتها خصوصاً وان القدس الشريف الى جانب اعتبارها عاصمة لدولة فلسطين فانها بالغة الاهمية للامة العربية والاسلامية فهي اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وبالتالي فان اي مساس بوضعها سيضع العالم برمته امام مخاطر جدية وهو على ما يبدو لم تدركه الادارة الاميركية او على الاقل تتجاهل مفاعيله  كرمى لعيون اسرائيل وحكومتها اليمينية بزعامة نتنياهو – وباراك – وليبرمان... خصوصاً وان الادارة الاميركية تعي اكثر من غيرها ان التعنت الاسرائيلي يعني اول ما يعني القضاء على اي فرصة ممكنة لاي حل للقضية الفلسطينية كما يعني القضاء على كل المبادرات الدولية والعربية وفي مقدمها مباردة القمة العربية التي قامت اساساً على فرضية الارض مقابل السلام وبالتالي يعني في الواقع سحب هذه المبادرة السياسية من التداول والذي سيؤدي في المقابل الى وضع العالم امام مصير مجهول... فهل تدرك الادارة الاميركية هذا الخطر المحدق بالمنطقة والعالم؟ الجواب ستكشفه الايام القادمة