وضع هرتزل أمامه مقولة : إن فلسطين هي  "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" !!!؟ ... فافترض هذا الرجل، وبحقد كبير على العرب والمسلمين، أن فلسطين هي أرض دون شعب !! ولا بد لليهود أن يسكنوها، لأنها ميراث لهم !!!
ونفس الشيء أفترضه جرينسكي ، لكنه اعترف بعد ذلك بخطئه "على أساس أن العرب لا يمكن أن يتركوا أرضهم بسهولة لليهود" ، لهذا وضع فرضية أسماها الجدار الحديدي، لحصر الفلسطينيين وعزلهم بقوة صلبة يهودية. والقوة التي تحدث عنها جرينسكي ألتفت إليها سابقا رئيس اللجنة الصهيونية الدكتور آيدر بعد ثورة عام 1921 العربية، حيث صرح أمام لجنة هايكرافت، التي جاءت إلى فلسطين للتحقيق في الثورة العربية قائلا: "لن يوجد في فلسطين سوى وطن واحد، الوطن اليهودي، فلن توجد في هذا البلد مشاركة على قدم المساواة بين العرب واليهود، وإنما سيطرة يهودية حتى اللحظة التي سيصبح فيها عدد أفراد الجنس اليهودي كافيا، وينبغي أن نعطي لليهود في فلسطين حق حمل السلاح وأن نحظره على العرب".
وهكذا شرع دستور عام 1922 في فلسطين وفقا لما نصح به رئيس اللجنة الصهيونية، حيث تصدرت فيه عبارات تدعو إلى تهيئة الأجواء المناسبة لجعل فلسطين أرض الميعاد لليهود بعد ذلك فرضت بريطانيا، التي كانت تمارس سلطات الانتداب، الانتخابات لتشكيل المجلس التشريعي لكن الفلسطينيين قاطعوا الانتخابات وأفشلوها مما ادى الى أن تمارس سلطات الانتداب اجراء تعطيل الدستور وتحكم فلسطين مباشرة بالتعاون مع الوكالة اليهودية التى وافقت على الانتخابات منذ البداية.  

وتحت شعار حل قضية اليهود، نظم روزفلت مؤتمر دوليا عام 1938 في فرنسا حضرته اكثر الدول الاوروبية والمنظمات اليهودية وقد اتخذ قرارا بتوزيع اليهود على الدول الاوروبية ولكن هذه الدول لم تنفذ شيئا من ذلك لانها لا تريد اليهود فيما اشترطت البرازيل قبولهم على شرط ان يغيروا ديانتهم ويصبحوا مسيحيين. لهذا استغلت الوكالة اليهودية تلك الظروف وغيرها ونسقت مع لندن لجلب اليهود الى فلسطين وتشكيل العصابات المسلحة ضد العرب وشيئا فشيئا مهدت الطريق لاقامة دولة اسرائيل بمساعدة بريطانيا ،والولايات المتحدة. وقد كتب بن غورين عام1937 تقريرا باسم إتجاهات السياسة قدمه إلى المجلس العالمي لعمال الصهيونية وذكر فيه: إن الدولة اليهودية المعروضة علينا بالحدود الحالية لا يمكن أن تكون الحل المنشود لمسالة اليهود، ولا هدف الصهيونية الذي سعت إليه طويلا، إلا إنه يمكن قبولها بوصفها المرحلة الاولي والاساسية التي ننطلق منها إلى مرحلة تحقيق الوطن اليهودي الاكبر وجعل إسرائيل تشرع بعد إعلانها مباشرة قوانينا جائزة لسلب ومصادرة أراضي العرب، ومن هذه القوانين:
1ـ قانون إملاك الغائبين .
2ـ المرسوم رقم 125 من أنظمة الطوارىء 1945 .
3ـ انظمة طوارىء المناطق الامنية 1949 .
4ـ انظمة طوارىء المناطق البور .
5ـ قانون وضع اليد على الاراضي في حالة الطوارىء 1949 .
6ـ قانون إملاك الاراضي لعام 1953 .
7 قانون التقادم المكسب

وخلال الربع قرن الأول من الحكم العسكري الظالم أصدرت تل أبيب ما يزيد عن 1300 أمرعسكري، غيرت به الاوضاع والتركيبة القانونية في المناطق المحتلة. كما أنها عينت ضابطا إسرائيليا في منصب المدير المدني في غزة، اما في الضفة الغربية فقد عينت أستاذا جامعيا يهوديا في منصب أول مدير إداري، لكنه فعليا كان مستشارا سياسيا للحكم العسكري الاسرائيلي يتلقى اوامره منه مباشرة. ويلاحظ أن الضباط الاسرائيليين كانوا يديرون الامور في الدوائر الفلسطينية، ويعطون أوامرهم لمدراء هذه الدوائر لتنفيذها، فيما ألغى الحاكم العسكري وظيفة المفوض الاقليمي وتولى سلطاته، وكان المفوض حلقة وصل بين الحكومة الأردنية، التي ضمت الضفة الغربية اليها سنة 1950، والمجالس البلدية القروية. كما ألغيت لجنة التخطيط الإقليمي وتولت مهامها اللجنة العليا للتخطيط التابعة للمجلس العسكري الإسرائيلي، إضافة إلى ان الحاكم العسكري قد تولى أيضا سلطات الموظف العسكري المصري، بعد إلغاء المجلس التشريعي في غزة. وفي ظل إجراءات الاحتلال هذه عاش الفلسطينيون ظروفا صعبة وقاسية، فهم لا يتمتعون بحقوق مدنية، ويمكن اعتقالهم وتعذيبهم وإخضاعهم لقيود اقتصادية وسياسيه هائلة. كما أنهم يعيشون في حالة دائمة من عدم اليقين بالنسبة الى المستقبل. و بينما يسهل تبرير إجراءات الاحتلال بأنها ضرورية للأمن، وللحفاظ على القانون والنظام، فان هذه الإجراءات فهمت على أساس أنها إجراءات مؤقتة. ومع ذلك فان الاحتلال، بالنسبة إلى الفلسطينيين، ليس حالة استثنائية مؤقتة وشاذة عن القاعدة، بل هي طريقة عيش دائمة؛ اذ أن غالبية كبيرة من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ولدت أو نشأت تحت الاحتلال، ولا تعرف شكلا أخر للسيادة (1)
و هكذا نعرف أن إسرائيل احتلت الأرض العربية، ووسعت احتلالها للأرض بعد حرب حزيران عام 1967، حيث تم اغتصاب الضفة الغربية ـ2270 ميلا مربعا وقطاع غزة والجولان وسيناء، وقالت بعد احتلالها :ـ "انها انجزت الحقوق التاريخية للدولة في اقامة اسرائيل الكبرى" وقد ألحقت إسرائيل المناطق المحتلة بالمحاكم العسكرية منتهكة بذلك قانون جنيف حماية المدنيين وقت الحرب، وقت الحرب وقانون لاهاي لحماية الآثار الثقافية والروحية وقت الحرب، وقد أشار ميرشمغار  (2)  في كتابه "افكار عامة قانونية" إلى طبيعة الحكم العسكري الاسرائيلي في الاراضي المحتلة، مبينا نوعية قراراته التي تميزت بالقسوة كالقرار رقم واحد الذي يؤكد على إن "العسكريين مسؤولين عن الامن وحفظ النظام العام" والقرار رقم 2 الذي ينص على إن "جميع سلطات الحكومة والهيئة التشريعية والتعين والادارة فيما يختص بالمناطق أو سكانها" تتبع الحاكم العسكري، الذي عينه رئيس الاركان الاسرائيلي.


هذه الأحكام العسكرية، برأي شمغار، سهلت عملية بناء المستوطنات، التي إعتبرت من أولويات مهام الحكومة. وعليه فقد إدعى عضو لجنة الكنيست الفرعية لسياسة الامن القومي "زئيف بنيامن" :ـبأن المستوطنات الاسرائيلية والسيطرة العسكرية ضرورية لمنع سيطرة جماعات الإرهاب العربية على الضفة الغربية، وتهديد أمن القدس الغربية وتل أبيب.
وينصح بنيامين بضرورة تقليص الوجود الفلسطيني، وتجويعه، واحتوائه بالقوة.
وفعلا وضعت خطة لهذا الغرض، فيما اصدر قرار لأخذ ضريبة الدخل من العرب بالقوة، إذ يقتحم موظفو الامن المسلحون المنازل والمحلات ويستولون على كل شيء. وقد اعتبرت هذه الاعمال الوحشية بانها مخالفة لأبسط حقوق الانسان، خصوصا وإن موظفي الامن يحتجزون الفلسطينيين دون محاكمات، ودون توجيه أي تهم.

وتزامنا مع ذلك قدمت عدة مشاريع لإنشاء مزيد من المستوطنات تحت حماية الجيش الإسرائيلي:

ـ كمشروع ألون عام 1967 الذي يهدف إلى إشراف إسرائيل على غور الاردن، وضم القدس.
ـ ومشروع رابين الذي طبقه بعد استقالة غولدا مائير عام 1974، وانشاء المستوطنات في وسط المناطق الآهلة بالسكان الفلسطينيين.

ـ ومشروع شارون الكواكب السبعة الذي يهدف الى إبتلاع الضفة الغربية.

ويلاحظ ان إسحاق شامير كان يعتبر بناء المستوطنات من أولويات عمل الحكومة، لذلك صرح عام 1992 بأن لديه خطة لجعل المفاوضات مع الفلسطينيين تمتد إلى عشر سنوات لكي يتمكن من زيادة المستوطنات، وزيادة المستوطنات تطلبت بالضرورة زيادة عدد اليهود المهاجرين إلى فلسطين، لهذا مارست الموساد كل الأساليب من أجل استقطاب يهود الشتات، وإسكانهم في معسكرات خاصة، ثم توزيعهم على مستوطنات أعدت لهذا الغرض. وأعمال الموساد الحالية تتشابه مع أعماله السابقة لدفع اليهود إلى الهجرة. وأستحضر في هذا المجال، أن الموساد اتهم بتدبير إنفجار قنبلة 14 يناير 1951 التي وضعت في فناء معبد يهودي بغدادي، وقد أثار ذلك مؤخرا ضجة في إسرائيل، بعد إتهام موردخاي بن بورات بأنه دبر العملية بالتعاون مع الموساد، لكي يتم الضغط على العراق لإصدار قرار بهجرة اليهود، وقد رفع بورات في عام 1981 دعوى ضد أحد الصحفيين اتهمه فيها بأنه وراء كشف الموضوع.

على صعيد آخر فإن الموساد متهم أيضا في إسرائيل بأنه أغرق سفينة التالينا عام 1947، وعلى متنها 900 يهودي مهاجر، لكي يلفت انتباه الرأي العام العالمي إلى مأساة اليهود، والسماح لهم بالهجرة إلى فلسطين.

علما أن موسى مونتفيري وهو يهودي بريطاني، استعمل كافة الاساليب للضغط على بريطانيا العظمى، من اجل تسهيل هجرة اليهود، وجمعهم في وطن واحد. وقد دخل مونتغيري إلى فلسطين عام 1827 وتبرع لليهود بأموال لبناء حي سمي باسمه، يلاحظ ان القدس الغربية تأسست من إتصال حي موسى بالحي اليهودي.
 
ومن الجدير ذكره ان عقدة الديسبورة كانت متحكمة بشدة باليهود، وهي عقدة الالم والبكاء من تشتت اليهود في أرجاء العالم بعد الأسر البابلي، لهذا كانوا دائما يجلدون أنفسهم ويعذبونها بأوهام وخرافات لا اساس لها من الصحة، فهم قد تعودوا على التمزق الذي أثر على سلوكهم وتعاملهم مع الآخرين، وانعزالهم عن المجتمعات التي عاشوا فيها، إضافة الى نواياهم السيئة، وبخلهم، ومؤامراتهم ضد من يأويهم. ويذكر أنيس منصور في كتابه "وجع في قلب إسرائيل" هذه الحقيقة مضيفا إليها حقائق أخرى فيقول بأن :ـ
"فرويد قد مد أصابعه الى اعماق النفس البشرية، وأخرج من ظلماتها وحشا ضاريا أو مخاوف رهيبة  وفزعا لم يعرف له التاريخ مثيلا. إنه رجل إنحدر من أكثر مخلوقات العالم خوفا وفزعا وقلقا. فلا يوجد شعب في الدنيا جرب أنواع العذاب، ومجنون بتطبيقها مثل هؤلاء اليهود (3)  .
ويضيف : "وأن يكون من بينهم كافكا الذي لم يعرف من كل الوان الطيف الا اللون الاسود ،وراح يصبه على كل ورقة وكل أرض وفي الادب الأوروبي" (4) .
وكذلك نعرف أن الخوف والفزع والقلق واللون الاسود طغت على نفسية اليهود منذ الاسر البابلي، لهذا دائما يتناولون في أحاديثهم مأساة اليهود وتشتتهم في الارض. وهذه المسألة قد استغلت للهجرة إلى فلسطين . انظر مثلا إلى أحد حاخامات اليهود السوفيات الذي قال لاتباعهم بألم ولوعة بأن :
ـ اليهود السوفيات يبحثون عن ارض الميعاد التي هي بالنسبة لهم جنة الله على الارض، ورسالتي لهم بسيطة ومحددة، وهي أن الجنة ليست هنا.
وقد سعى هذا الحاخام إلى تشجيع الهجرة إلى فلسطين، وعندما تحقق حلمه أصدر الاتحاد السوفيتي السابق قرارا بالسماح لليهود بالهجرة، أصدر الكونغرس الامريكي قرارا يمنع دخول اليهود السوفيات إلى امريكا لكي يضطروا للهجرة لفلسطين، واستثنى القرار الأمريكي كبار السن ومن لهم ابناء في الولايات المتحدة.
وبعد وصول اليهود السوفيات الى فلسطين أكد الاستاذ المحاضر في الجامعة العبرية إسرائيل كولت بان: أرض إسرائيل الممتدة من مصادر الليطاني وحتى سيناء، ومن الجولان حتى البحر هي الوطن التاريخي لليهود الذي لا تؤثر فيه الحدود السياسية القابلة للتغير
وهذا القول تؤيده شرائح كبيرة من المجتمع الإسرائيلي التي ترى بأن :
التسوية السلمية لو حصلت مع الدول العربية فان خارطة اسرائيل الكبرى ستبقى في عقول اليهود، لانهم يؤمنون بالوطن التاريخي الذى لا تؤثر فيه الحدود السياسة ولا التسويات السليمة مع العرب.
على أية حال، عندما نتفحص سياسة إسرائيل للمستوطنات نجدها تأتي في أولويات عمل الحكومة و الاحصائيات تشير الى انه قد تم بعد عام1967 مباشرة بناء 130 مستوطنة في الضفة الغربية سكنها ما يزيد على 100,000 يهودي، و18 مستوطنة في قطاع غزة سكنها 5000 يهودي، وثمانية أحياء في القدس الموسعة سكنها 120,000 يهودي، ثم زاد عدد المستوطنات في السنوات اللاحقة. وبعد ان جاء نتنياهو إلى الحكم أعطى اهتماما كبيرا لبناء المستوطنات، وحقوقا وامتيازات للمستوطنين وتسهيل حركتهم بفتح الانفاق تحت الحرم الإبراهيمي. وعندما سئل نتنياهو في مؤتمر صحفي عن ذلك قال: "لا شيء يمنعنا من بناء المستوطنات والفلسطينيون يحاولون تعظيم الأمور، وقد أثاروا ضجة مؤخراً حول علماء آثار يقومون بحفريات تحت الحرم الإبراهيمي"!!

ولكي يستمر في سياسة التحدي في فلسطين، حرص نتنياهو على تعيين شارون وزيراً للبنى التحتية، وهي وظيفة تجعله يتحرك بحرية لبناء مزيد من المستوطنات ومدها بالماء والكهرباء وفي 13/12/1996 أعلنت الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو زيادة الدعم والحوافز للمستوطنات المقامة، والتي ستقام في الضفة الغربية. مما أدى إلى توتر الوضع بحيث دعت السلطة الفلسطينية إلى ضرورة التعبير بكافة الطرق من أجل رفض قرار دعم المستوطنات والوقوف بوجهه. وقد رد نتنياهو على ذلك مبرراً قراره الجديد قائلاً: "إن القرار لا بد أن ينفذ لمواجهة السلطة الفلسطينية التي كانت تخطط للعنف"!!

علماً أن الحكومة الإسرائيلية صرحت قبل أيام قلائل من إصدار قرار دعم المستوطنات بأنها: "تدرس بعض الحلول لدفع عملية السلام إلى الأمام، والإنسحاب من الخليل"!!

هذه النوايا السيئة والتصريحات المتناقضة قد فجرت الموقف فعلاً، خصوصاً بعد فتح نفق المسجد الأقصى، تفجر الموقف في الضفة الغربية ولم تعد زعزعة عملية السلام الهشة مقصورة على الكلمات. ويعتقد الكثيرون من العرب أن نتنياهو الذي أصدر أوامره المباشرة باستكمال النفق سعى إلى هدم عملية السلام وأراد بالفعل إعادة تحديد وتفسير مفهوم السلام وفقاً لشروطه الخاصة وهو لا يبالي أبداً إذا ما أدى ذلك إلى إفشالها كلية.

وذكرت الجارديان تصريحاً لنتنياهو قال فيه: "إذا إحتج الفلسطينيون فإن مغبة إحتجاجهم سيقع على رؤوسهم".

وتعلق الجارديان على هذا التصريح قائلة: "هذا هو المنطق الدامغ لرجل يقف على أرض صلبة مهيمناً على كل شيء، دون أن يدري أن ذلك سيؤدي إلى زلزلة الأرض من تحته"  (5).

الذي يهمنا فعلاً في هذا المجال هو الموقف الأميركي من سياسة نتنياهو آنذاك، فواشنطن نددت ظاهرياً ودبلوماسياً بقرار دعم المستوطنات، وهددت بقطع التسهيلات الاقتصادية والضمانات والقروض عن تل ابيب، لكنها رجعت عن ذلك واوفدت مبعوثها إلى المنطقة لتسوية الاشكاليات في محادثات الخليل، وطبعا التسوية وفق المنطق الامريكي لا تتم الا بتنازل العرب عن قضاياهم كلها مع العدو الصهيوني. لهذا صرح وزير الخارجية الأمريكي السابق كريستوفر يوم1996/12/19، قائلا بان: "على الفلسطينيين أن يتنازلوا في محادثات الخليل ويبدلوا مواقفهم" وهو إتجاه تبنته وزارة الخارجية الامريكية بناء على نصيحة الموفد الامريكي دنيس روس، وقد علق الرئيس حسني مبارك على تصريح كريستوفر وموقفه المنحاز لاسرائيل بقوله: "الفلسطينيين لا يملكون شيئا يتنازلون عنه."
وعقدت محادثات الخليل ولكن كيف إنتهت ؟ انتهت كما كان متوقعا بتنازلات فلسطينية جديدة !! ،في حين بقي كل شىء مكانه المستوطنات لم تتفكك والانفاق لم تسد وقرار  دعم المستوطنات لم يلغ .

وفي هذا الوقت زار  وزير الخارجية الإسرائيلي ديفيد ليفي الاردن، وأوضح في مؤتمر صحفي دون خجل بان ضجة قرار المستوطنات ضجة مضخمة. ودعا العرب إلى قبول الامر الواقع المفروض على الفلسطينيين!

بعد ذلك حضر دنيس روس  إلى المنطقة مرة أخرى، حاملا تعليمات مشددة لترتيب الأولويات حسب ما تريده  تل ابيب على حساب مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه وعندما أدرك الفلسطينيون أنهم قد خدعوا من جديد قال عرفات بان :ـ "دنيس روس غير نزيه لانه أعطى تصورات عن الفلسطينيين غير صحيحة".

والاعتراضات الفلسطينية هذه على روس لم يأبه لها كلينتون، حيث أرسل رسالة إلى عرفات أوضح فيها بأن الإدارة الأميركية لديها ثقة كاملة بدنيس روس، لذلك قررت إرساله إلى المنطقة لتحريك عملية السلام!!

ثم جاءت الخطوة الأميركية التالية بتعيين مادلين أولبرايت وزيرة للخارجية بدلاً من كريستوفر لمواقفها المنحازة لإسرائيل في هيئة الأمم المتحدة. وتزامناً مع ذلك إجتمع   نتنياهو مع يهود متشددين من الأحزاب اليمينية المتطرفة وطمأنهم بأن إسرائيل ملتزمة جدياً بتوسيع المستوطنات ودعمها، ولن نجد أدنى معارضة من الولايات المتحدة.

وبعد أيام من تصريح  نتنياهو ذكر روبرت بللترو مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط بأن على العرب أن يتحلوا بالصبر فيما صرحت الإدارة الأميركية لإرضاء اللوبي الصهيوني قائلة : "إن إسرائيل أعطت الكثير خصوصاً في مفاوضات الخليل ما لم يعطه الفلسطينيون".
وهذا التصريح انتقدت السلطة الفلسطينية محملة  الجانب الإسرائيلي مسؤولية تعثر عملية السلام، ولكن بعد أن اجتمع ياسر عرفات مع موفد بعثة نتنياهو قال دون حكمة: "الآن تبين لنا إن الجانبين الإسرائيل والفلسطيني ملتزمان بعملية السلام" متناسياً كل ما حدث سابقاً!!

على صعيد آخر يذكر المراقبون بأن نتنياهو كان يتعمد إحداث أزمة، أو بناء مستوطنة جديدة قبل كل إجتماع مع الفلسطينيين لكي يضغط عليهم أكثر مثلاً حرص على بناء مستوطنة جبل أبو غنيم في يوم 27/2/1997، أي قبل شهر واحد تقريباً من بدء مفاوضات على الحل النهائي ليخلق بذلك أرضية يبتلع بها مدينة القدس. وهذه قضية أخرى لا بد أن نعرف تفاصيلها حيث بدأت بإصدار الحكومة الإسرائيلية قرار بناء الحي اليهودي الحادي عشر على جبل أبي غنيم في القدس الشرقية. ويضم المشروع بناء 6500 مسكن لليهود. وقد تظاهر الفلسطينيون على ذلك وقد صرح عرفات في المغرب بأنه: "إتفق مع الملك الحسن الثاني على إنعقاد لجنة القدس لمناقشة هذه المشكلة".
أما نتنياهو فمن جانبه قلل من أهمية الموضوع. في حين قال رئيس بلدية القدس يهود اولمرت: "على الفلسطينيين أن يفكروا جيدا إذا كانوا سيلجؤون إلى العنف، واعتقد أنهم يعون ذلك جيداً وأشك أنهم يريدون المخاطرة بعملية السلام برمته".

ومن المعروف أن اولمرت كان يقوم بهدم منازل الفلسطينيين في القدس ويقول متفاخراً: "إن قتل الإنسان لا يشفع له على تهديم بيته"!!
وتم بناء الحي اليهودي الجديد بموافقة لجنة حكومية خاصة، سمحت بالبناء حول القدس في جبل أبو غنيم على مرحلتين، الأولى بناء 2500 مسكن، والثانية 4000 وحدة سكنية وذكرت التقارير الصحيفة التي أوردت النبأ إن الموافقة تمت بحضور نتنياهو.
هذه الإجراءات جعلت السلطة الفلسطينية تصفها بأنها "إعلان الحرب على الفلسطينيين".

ويعتقد البعض أن قرار نتنياهو ببناء مستوطنة أبو غنيم جاء نتيجة ضغط فضيحة الفساد الإداري التي تفجرت في وجه الحكومة الإسرائيلية. وهذا قول غير دقيق لأن فضيحة الفساد الإداري كانت قضية جانبية، فليست هي السبب الحقيقي لبناء المستوطنة الجديدة، السبب الحقيقي هو أن نتنياهو مرتبط بتعهدات مؤيديه من الأحزاب اليمينية المتطرفة ببناء مزيد من المستوطنات، خصوصاً في جبل أبو غنيم الذي يبلغ حوالي 500 هكتار التي صودرت من أصحابها العرب، وقد كانت المنطقة تقع خارج حدود مدينة القدس، لكنها بعد احتلال عام 1967 ضمت إلى القدس إدارياً.
وتفجر الموقف من جديد ...
فيما عقد نتنياهو مؤتمرا صحفياً قال فيه: "إن 75 في المائة من هذه الأرض كانت أراضي يهودية خاصة، كل هذه الأرض بما فيها الأرض العربية الخاصة تم استقطاعها من قبل الدولة منذ زمن طويل. لقد بدأنا عملية السلام وإننا جادون فيها وسوف نتخذ قرارات جيدة لشعبنا، وسيكون مأساة إذا تم اللجوء إلى التطرف أو العنف من أجل تحطيم هذا الأمل"!!

وقال أيضاً: "في إتفاقيات أوسلو، أو في الإتفاقات المرحلية، لا توجد أي فقرة واحدة عن أي قيود أو حذف للسيادة الإسرائيلية على القدس"
وقد علقت صحيفة نيويورك تايمز على ذلك قائلة:" بعد سنوات من الصراع المرير بين إسرائيل والفلسطينيين هناك خيار بين الشعبين إما سيطرة شعب واحد على الآخر وإخضاعه أو التسامح والعيش بسلام جنباً إلى جنب مع درجة معقولة".
وأضافت الصحيفة: "لن ينتهي الصراع إلا عندما تقبل إسرائيل التعايش مع دولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولها وجود سياسي في مدينة القدس الموحدة"!!
وتساءلت الصحيفة : "كم من الأرواح ستزهق قبل أن يختار السيد نتنياهو أو من يخلفه طريق السلام ؟"  

وصحيفة النيويورك تايمز على الرغم من إنتقادها لنتنياهو، إلا أنها تريد أن ترسم طريق السلام وفقاً لتصورات غريبة متحيزة لإسرائيل، لأنها تضغط حقوق الشعب الفلسطيني إلى أدنى حد.
وطريق السلام الذي رسمته صحيفة النيويورك تايمز رحبت به صحيفة هاآرتس الإسرائيلية، حيث نشرت خرائطاً سرية تبين إعتقاد القيادة الإسرائيلية بضرورة تحقيق عملية السلام، من خلال تواجد السلطة الفلسطينية في مساحات ضيقة جداً من الضفة الغربية، مع ترك المستوطنات والطرق العديدة المرتبطة بها تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، وتقسيم المناطق الفلسطينية وقطعها بعضها عن بعض. وقد سأل نتنياهو عن ذلك المخطط في مؤتمر صحفي عقده يوم 28/5/1997، لكنه لم يجب بصورة واضحة وصريحة. وبعد أسابيع من هذا المؤتمر الصحفي قرر الكونغرس الأميركي، في حزيران 1997، دعم إسرائيل، وحماية أمنها، واعتبار القدس العاصمة الموحدة لها، وتخصيص مبلغ 100 مليون دولار لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس !!

وهكذا أدرك الفلسطينيون بأنهم قد وقعوا ضحية مؤامرة دولية كبيرة لجرهم إلى السلام لا يخدم إلا أمن إسرائيل لهذا قرروا في 27/7/1997 بأنهم لن يقبلوا بأية حلول أمريكية جديدة لحلحلة عملية السلام ما لم تتضمن هذه الحلول تجميد النشاط الإستيطاني الإسرائيلي.

ولم يلتفت لقرارهم أحد وظل كل شيء في محله.
أظهرت تقارير سرية بأن بعض الأحزاب اليمينية نصحت نتنياهو بإعطاء شارون صلاحيات واسعة لكي يطبق خطته التي سماها منذ عشرين عاماً: إسرائيل على نهاية هذا القرن، وذلك لإغراق القدس بالمستوطنات.

واستجاب نتنياهو لنصيحة مؤيديه بشأن شارون دون تردد، كما أنه صرح في طوكيو، 26/8/1997، بضرورة بقاء المستوطنات، وعدم رفع الحظر عن الأراضي الفلسطينية وأضاف :"مثل السلطة الفلسطينية مثل ليبيا والعراق وإيران ترعى الإرهاب وتشجعه"!!
وعندما رجع إلى تل ابيب تعهد أمام نحو 6 آلاف مسيحي أمريكي من أنصار إسرائيل قائلاً: "إن المستوطنات ستبقى، ولا يليق بالمجتمع الدولي أن يقبل هذا العنف الفلسطيني بإعتباره هدفاً مشروعاً"!!
واستدرك: "هذا النفق نفق الخليل موجود منذ ألفي عام، وسوف يبقى مفتوحاً دائماً".
فصفق له الجميع بحرارة ..
من جانب آخر ذكرت صحيفة هاآرتس بأن خططاً حكومية وضعت قيد التنفيذ لبناء المستوطنات، وذلك بعد إنهاء دنيس روس مساعيه لحلحلة جمود عملية السلام!!
في ظل هذه الإجواء المضطربة والنوايا السيئة، تصرف الفلسطينيون بمنطق غريب حقاً...فهم يحاولون بتعمد نسيان تجاربهم السابقة بحيث كانوا يتفاوضون مع إسرائيل بسياسة نسيان الماضي، ونسيان الوقائع بشكل مريب ومأساوي.

- ذهبوا إلى أوسلو وفي نيتهم إسترجاع 99 في المائة من الأراضي المحتلة، لكنهم لم يحصلوا إلا على 3 في المائة من الأراضي ورضوا بذلك !!
- وطلبوا ضمانات أميركية في إتفاق أوسلو وحصلوا عليها، ثم جاءهم كريستوفر بعد ذلك وألزمهم بإتفاق جانبي يقرر بأن الإنسحاب الإسرائيلي وإعادة الإنتشار يتم حسب الحاجة الأمنية لإسرائيل!! ورضوا بذلك أيضاً!!
واستمرت السياسة الفلسطينية هذه في كل لقاء تفاوضي جديد مع  إسرائيل: نسيان الحقائق السابقة ... وإعطاء تنازلات جديدة !!

إلا أن أخطر ما أرتكب من أخطاء كان في إتفاق واي ريفر حيث أثبت المفاوض الفلسطيني بأنه لم يتعلم من دروسه السابقة، ومن تجاربه أبداً، لأنه رضخ لضغوط أميركية وإسرائيلية ووقع إتفاقاً جزئياً مبهماً لتطبيق إتفاق سابق. والاتفاق الجديد كما كان متوقعاً لم يحدد بصراحة وضع القدس، والمياه، واللاجئين وغيرها من المواضيع الهامة والحساسة، فالذي حدد بدقة هو أمن إسرائيل مع إعطاء ضمانات فلسطينية مكتوبة   للولايات المتحدة بالالتزام ببنود الاتفاق. فيما تعهدت إسرائيل بالمقابل بالإنسحاب الجزئي من 10 في المائة من الضفة الغربية فقط. وطبعاً هذا الإنسحاب لن يتم ما لم تنفذ السلطة الفلسطينية سياسة إسرائيل الأمنية بالكامل، وتضرب البنى التحتية للمقاومين الفلسطينيين .

وبالفعل بدأت السلطة الفلسطينية حملة مداهمات واعتقالات في صفوف الحركة الإسلامية، وفرضت الإقامة الجبرية على الشيخ أحمد ياسين، لإرضاء إسرائيل.

ولكن ماذا حدث قبال هذه الإجراءات البلهاء؟!

ما حدث هو إعطاء الضوء الأخضر من نتنياهو إلى المستوطنين لبناء خمسة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية. وهذا يؤكد أن اليهود لا يؤمنون إلا بمقولة ذكرها الصهيوني حاييم هرتسوج في كتابه الحروب العربية الإسرائيلية، حيث قال بأن:

"الحرب حقيقة ...
والسلام أسطورة ...
والصداقة خرافة ...
والعداوة مؤكدة ...  !!"
ويضيف حاييم بأن: "بناء المستوطنات أفضل وسيلة للاحتفاظ بالأرض وتوسيعها" .

وهنا نقول: هل السلام يتحقق مع أناس بمثل هذا المستوى ؟! وأعتقد أن الجواب سيكون بالنفي من كل إنسان صادق مع نفسه ومبادئه؛ على الرغم من الصدق والمبادئ الشريفة أصبحت عملة نادرة في زماننا هذا.

 1   انظر تقريرا أعدته مجموعة دراسية أمريكية بعنوان "الإنتقال إلى الحكم الذاتي" 13-14 .
 2    شمغار كان يشغل منصب المدعي العام العسكري، ثم أصبح قاضيا في المحكمة الإسرائيلية العليا.
 3   أنظر أنيس منصور –  وجع في قلب إسرائيل  –ص 9 .
 4   المصدر السابق – ص 11 .
 5   صحيفة الجارديان ، الصادرة يوم 25/9/ 1996 .