غزة/ منال خميس
فتح ميديا/ لبنان، اعتبرت أوساط فلسطينية في قطاع غزة وأراضي الـ 48، أن مخطط "برافر" الإسرائيلي، نكبة ثانية تحل على الشعب الفلسطيني، تتطلب وقفة جادة من الجميع للتصدي لمخاطره الاقتلاعية التي تخدم المسعى الإسرائيلي الرامي إلى تفريغ الأرض العربية من سكانها، مع الأخذ بعين الاعتبار تطوير أدوات وآليات النضال والرفض الجماهيرية والقانونية، إذ يهدف المخطط إلى تصفية ملكية عرب النقب لأراضيهم بشكلٍ نهائي بتهجير قد يطال 45 قرية بدوية ترفض إسرائيل الاعتراف بها، مما يضمن لها تهجير عشرات الآلاف من ساكنيها، والذين يتجاوز عددهم 40 ألف إنسان.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد صادقت مطلع أيلول/ سبتمبر من العام الجاري، على مخطط "برافر- غولدبرغ"، وهو مخطط "تسوية أوضاع الاستيطان البدوي في النقب" كما أسمتها واقترحتها لجنة "برافر"، التي أقيمت لتقديم خطة لتطبيق توصيات لجنة "غولدبرغ" التي رفضها السكان عرب النقب سابقاً، وستؤدي الخطة إلى طرد 30 ألف مواطن عربياً من أرضهم، ثم إلى تجميعهم في مجمعات التركيز السكاني القائمة مثل (حورة وكسيفة وقرى مجلس أبو بسمة)، ومصادرة حوالي مليون دونم (سيتبقى للعرب فقط 90 ألف دونم).
ويلف الغموض تفاصيل الخطة وجدول تطبيقها، والتي تبلغ تكلفتها 6.8 مليار شيقل إسرائيلي (حوالي ملياري دولار)، بينها 1.2 مليار شيقل سيتم رصدها لتطوير البلدات البدوية التي سيتم نقل البدو إليها، وأعلنت حكومة إسرائيل أنّ "الخطة مكونة من أربعة أسس: (1) ترتيب الاستيطان البدوي المشتت في النقب، (2) تطوير اقتصادي للمجتمع البدوي في النقب، (3) تنظيم وضع ملكية الأرض، (4) وضع إطار لتطبيق الخطة وفرضها ضمن جدول زمني واضح"، برغم أن الخطة جزء من مجمل مشاريعها الحكومية التي تصبو إلى تطوير النقب من أجل دمج أفضل للبدو في المجتمع الإسرائيلي، وإلى تقليص الفوارق الاقتصادية بين المجتمع البدوي وباقي المجتمع الإسرائيلي!.
رئيس قسم التاريخ بجامعة الأزهر بغزة الدكتور زهير المصري أكد للـ"قدس"، على أن إسرائيل تواصل سياساتها الإستراتيجية الاستيطانية متبنية سياسة القضم والهضم للأرض العربية، لتهويدها وإقامة المدن والقرى الاستيطانية عليها، مما يقتضي تجريد فلسطينيي الداخل مما تبقى في أيديهم من ارض، ومحاصرتهم في كافة أماكن تواجدهم والحيلولة دون الامتداد العمراني الذي يُحتّمه تكاثرهم الطبيعي، وحرمانهم من كافة مقومات وجودهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وإجبارهم على الانكماش والتراجع وترك الممتلكات أو الانتقال إلى سوق العمل السوداء تحت رحمة أرباب العمل الإسرائيليين، مُتابعاً "وفي هذا الإطار تأتي عملية تهويد النقب التي هي من أخطر مشاريع التهويد التي وضعت وتنفذ على نطاق واسع حيث أن هذه المنطقة من وجهة النظر الإسرائيلية موقع طبيعي لتطوير الصناعة والسياحة والزراعة وبالتالي هو مؤهّلٌ لاستيعاب مئات الآلاف من المهاجرين اليهود القادمين من شتى أنحاء العالم".
وواصل د.المصري "إن مخطط برافر سيجلي مناطق عربية من أهلها لتوزع في مرحلة لاحقة على عائلات يهودية لاستثمارها، إلى جانب إنشاء قواعد عسكرية للجيش الإسرائيلي فيها، حيث ستقام - حسب المخطط - 100 مزرعة جديدة إضافة إلى 41 مزرعة فردية يهودية غير قانونية وستخصص مساحة مقدارها 80 دونما تقدم بشكلٍ مجاني لكل عائلة يهودية توافق على السكن (الاستيطان) بالمنطقة، ومن المتوقع توطين 250 ألف مهاجر يهودي جديد أيضاً".
وأوضح د.المصري أن المخطط ينسب إلى مصممه يهودا برافر "الجنرال السابق في جهاز المخابرات الإسرائيلية"، والذي يدير اليوم ما يسمى بـ(مشروع التخطيط السياسي) في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي كلفه بتطبيق توصيات لجنة القاضي المتقاعد اليعزر غولدبرغ، التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية وتقضي بتهجير أكثر من ثلاثين ألف من البدو وتركيزهم في بلدات اختيرت لهم ومصادرة 500 ألف دونم من أصل 600 ألفا من أراضي عرب النقب الذين ترفض الحكومة الإسرائيلية تسجيل ملكيتهم لها ويعيش سكانها حياة فقر قاسية.
وشدد د.المصري على أن إسرائيل تتعامل مع عرب النقب على أنهم مشكلة أمنية بدليل أن القائمين على تنفيذ المخطط هم طاقم أمني عسكري، وجنرالات من المخابرات العامة أمثال ايهود برافر ويعقوب عميدور رئيس الأمن القومي الحالي، وضابط الشرطة المتقاعد ايهود بخار والجنرال دورون الموغ قائد الفرقة العسكرية التي شاركت في الهجوم على غزة، لافتاً إلى أن إسرائيل استغلت الظروف الإقليمية والدولية والمحلية الراهنة لتحقيق أهدافها، وإلى أن العالم الغربي والاتحاد الأوروبي مشغول بالأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف به وبثورات الربيع العربي، والانقسام الفلسطيني ما زال قائما، فاختارت اللحظة التاريخية المناسبة لإعلان مخططاتها التهويدية في النقب.
ومن جانبه أكد عبد عنبتاوي الناطق باسم اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية في أراضي الداخل الفلسطيني، في تصريح خاص للـ "قدس" على أن سلسلة من الفعاليات والنشاطات الاحتجاجية الموحدة قطرياً، جرت في الأشهر الأخيرة خِصِّيصاً، لمواجهة مُجمل المخططات والمشاريع والقرارات الرسمية الإسرائيلية، وفي مقدمتها خطة "برافر" والتي تستهدف المسّ بالوجود العربي الفلسطيني في منطقة النقب، على مستوى الأرض والإنسان، وأضاف "إن القضية من ناحيتنا ليست مجرد دعم لأهالي النقب، وليست هي قضية تضامُن، إنما قضية دفاع عن وجودنا الجماعي في وطننا، في الجليل والمثلث والساحل والنقب.. فنحن نرى أن الدفاع عما تبقى من أراضٍ عربية في النقب، والدفاع عن وجود وحقوق وتطور جماهيرنا هناك، بمثابة دفاع عن الوجود العربي الفلسطيني في المناطق الأُخرى، وعليه فإن القضية هي استرتيجية ومعركة حقيقية تتجاوز الحُقوقية، لا يمكن العبث أو التَرف فيها".
وأشار عنبتاوي إلى أن سلسلة الإجراءات الاحتجاجية، الشعبية والسياسية والإعلامية والمهنية – التخطيطية مُؤخراً، توّجت بيوم نصرة النقب، بتاريخ 11/12/2011، حيث أعلنت الجماهير العربية، من خلال قرارات قياداتها السياسية، المُتمثِّلَة بلجنة المتابعة العليا للجماهير العربية واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، إعلان الإضراب العام والشامل في كافة مَناحي الحياة، وفي جميع أنحاء البلاد، وشارك الآلاف في المظاهرة الاحتجاجية الكُبرى، في اليوم نفسه، أمام مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية في القدس.
ونبّه إلى أنهم يخوضون معركتهم على أكثر من مستوى ومسار، وبالتوازي، فإلى جانب النضال الشعبي السياسي والإعلامي، هنالك المسار القضائي الذي يحاولون استثماره أحياناً رغم محدوديته، وهنالك المسار المهني- التخطيطي بإعداد مُخططات بديلة للمخططات الرسمية والحكومية، بِما يخدم مصلحة بقاء وتطور الجماهير العربية في النقب. وقال إنهم مُؤخراً يحاولون تدويل هذه القضية، وغيرها، عبر عرضها أمام الهيئات والمُؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية، برؤية سياسية مدنية، وبأدوات مهنية.. من ناحية أُخرى.
وبحسب عنبتاوي، فإن للجنة القطرية دوراً أساسياً ومحوريّاً في اتخاذ القرارات السياسية الجماعية والموحَّدة للجماهير العربية في البلاد، ودور مهم في تنفيذ هذه القرارات، في مختلف القضايا، وفي مقدمها قضية النقب، سواء كان ذلك قي إطار لجنة المتابعة العليا أو من خلال القرارات الخاصة للجنة القطرية بهذا الصدد، مؤكداً أن اللجنة القطرية تخوض نضالها بمصادر تمويل ذاتية، قائلاً "ليس للجنة القطرية مصادر تمويل خارجية، وهي تعتمد، بإمكانياتها المحدودة مالياً، ومن حيث مواردها، فهي تعتمد على مساهمة أعضائها ومُركَّباتها من السلطات المحلية العربية، في إطار رسوم اشتراكات عضوية سنوية، فالمعركة مُستمرة وطويلة ومُركَّبة، وهي قضية صراع وجودي حقيقي، يتجاوز النقب نفسه، ويجب أن تُدار في إطار هذه الذهنية، من مختلف جوانبها وتداعياتها.. ورغم اختلال توازن القوى بيننا وبين المُؤسسة الإسرائيلية، من حيث الإمكانيات والتأثير، إلاَّ أننا نحقق إنجازات تراكمية، عبر مسيرة نضالية طويلة، لا ولن تتوقف ما دامت عقلية الاستيطان والاستعمار والتهجير هي العقلية التي تُحرِّك سياسة المُؤسسة الإسرائيلية تجاه الجماهير العربية الفلسطينية في البلاد"، مؤكداً على أنه في هذه المعركة، كما في غيرها، لا يوجد حلول سحرية أو فورية، فنحن نطرح البدائل والخيارات البديلة، على أساس البقاء والتطور في الوطن، لكن نحن نفكر ونعمل آخذين بعين الاعتبار كل الاحتمالات، لأننا نعتبر أن النكبة الفلسطينية مُتواصلة، بتغيُّر زمانها ومكانها وأدواتها، ولا خيار أمامنا، وأمام أهلنا في النقب، إلاَّ الانتصار والبقاء في الوطن".
ومن جانبها أعلنت لجنة التوجيه العليا لعرب النقب بتاريخ 19-12-2011 في بيان أصدرته وصل للـ"قدس"نسخة عنه رفضها الكامل لمخطط برافر –عميدرور - ليبرمان والذي ارتأت فيه مخطط ترحيل، تهجير وتطهير عرقي مطالبة إسقاطه.
كما طالبت اللجنة بـالاعتراف الكامل بحقوق العرب في الملكية على ارض الآباء والأجداد والتأكيد على عدم مشروعية التهجير القسري عام 1948 وعدم قانونية قرارات المصادرة التعسفية، وبالاعتراف بكل القرى غير المعترف بها بدون استثناء والتأكيد على حق سكان كل قرية أن يحددوا هم أنفسهم شكل قريتهم والتخطيط الذي يتفق مع رؤيتهم لنمط حياتهم في قريتهم، وبتجميد أوامر وعمليات هدم البيوت وكل الإجراءات القانونية المترتبة عليها ضد المواطنين العرب في النقب.
وعلى الرغم من خطورة هذا مخطط "برافر" الذي تفرضه إسرائيل لتهويد منطقة النقب إلا أنه على ما يبدو فان عرب الـ 48 يقفون وحدهم في مواجهة هذا القضم المبرمج لأراضي النقب، وبحسب ناهض زقوت مدير عام المركز القومي للدراسات والتوثيق بغزة، فانه لا يوجد على أرض الواقع في قطاع غزة أي تضامن فعلي مع هؤلاء الفلسطينيين بالنقب نستطيع توثيقه.
وقال للـ"قدس" توجد بعض المحاولات ولكنها لا تذكر بالمقارنة مع أهمية ما يحدث هناك، وهذه المحاولات فردية وتأثيرها ضعيف على المستوى السياسي والإعلامي، ففي قطاع غزة المواطن مشغول بهمومه الداخلية ومعاناته اليومية، وكذلك في الضفة الغربية، والانقسام أثر على جميع قضايانا في غزة والضفة والصورة العامة للوطن لا تسر أحدا.
وأكد زقوت على أن إسرائيل بجميع مخططاتها لن تنجح في تهجير البدو من ممتلكاتهم بسبب صمودهم وتصديهم لهذه المخططات التي هدمت قراهم عدة مرات فأعادوا بناءها بإرادة وإيمان راسخين بأنهم أصحاب الحق، منوهاً إلى إن الشرطة ودائرة أراضي إسرائيل تقوم بهدم بيوت
و"براكيات" البدو وتقتل حيواناتهم، ومزروعاتهم، وتبقيهم في العراء رغم برودة الطقس في صحراء النقب في فصل الشتاء، إضافة إلى هدم قرية العراقيب للمرة 33 على التوالي.
وتابع زقوت "السلطات الإسرائيلية تمنع بدو النقب من البناء والإعمار وهذه القرى تعاني يوميا بسبب امتناع السلطات الإسرائيلية وحتى اليوم عن تقديم أية خدمات للمواطنين فلا يوجد شبكات كهرباء ولا مياه ولا طرق ولا أي مظهر من مظاهر الحياة المدنية الحديثة هناك".
وختم زقوت بقوله "يجب أن ننشط إعلاميا وجماهيرياً للتحدث عن معاناة أهالي النقب والتعريف بقضيتهم بكل الوسائل المتاحة بالإضافة إلى الندوات والمؤتمرات فهم جزء منا ونحن جزء منهم".
ولكن حاتم حسون نائب رئيس بلدية "شفا عمرو" سابقا ورئيس تحرير صحيفة البيان التي تصدر من الداخل الفلسطيني يرى أن هناك تقصيرا كبيرا في التغطيات الإعلامية المتعلقة بالقضية وقال للـ"قدس" انه لا يوجد تغطية إعلامية تليق بخطورة الحدث شارحا: "يمكن تقسيم التغطية الإعلامية العربية لقضية عرب النقب، إلى شقين؛ الأول هو التغطية الإخبارية النشطة والمكثفة لكل ما يصل من النقب حول عمليات هدم البيوت والتهجير، وبيانات الشجب والاستنكار وغيرها من نشاطات ترافق الموضوع، وهو في فحواه يمكن القول انه يسد هذا الجانب، بينما نجد قصورا كبيرا في الشق الثاني، واعني به المقالات والدراسات المناصرة للقضية والفاضحة للسياسة الإسرائيلية".
وتابع حسون للـ"قدس": "قليلا ما نجد صحفيين يهتمون بإعداد تقارير حول قضايا عرب النقب، أو كتاب مقالات يجندون الرأي العالمي دعما للقضية. وعلى سبيل المثال خلال الإضراب الأخير نصرة للنقب، نشرت مقالة واحدة تأييدا للإضراب، فيما اقتصر النشر الآخر في الموضوع على بيانات لجنة المتابعة، واللجنة القطرية للرؤساء والهيئات المحلية عرب النقب. أما على مستوى الإعلام العبري فالقضية مغيبة بشكل فاضح، وعرب النقب مثل كل عرب الداخل لا يجدون عنوانا في الصحف العبرية إلا في القضايا الجنائية أو الأمن أو العنف، أما في القضايا الوطنية فيتم النشر عنها في الإعلام العبري فقط في حال حدوث مواجهة بين العرب و الشرطة ودائما يتجند الإعلام العبري في صف السلطة، وللإنصاف فإن جريدة هآرتس عرضت القضية من وجهة نظر حكومية وليس من وجهة نظر حق المواطن العربي بالعيش على أرضه بكرامة".
واستطرد حسون "ينقصنا الكثير في المجال الإعلامي، لشرح قضية عرب النقب محليا ودوليا وتأليب العالم لدعمها. ذات مرة كان الوضع أفضل حين نشطت جمعيات الدفاع عن الأرض والمسكن بشكل قوي، لكن الدعم الأوروبي لهذه الجمعيات تقلص، وانحصر في جمعيات تعتبر مدافعة عن حقوق الإنسان، لكنها تضع قضية النقب من جملة قضايا ولا تكرس لها ما تستحقه من حيز إعلامي، كما أن الإعلام العربي بالتالي لم يكن أكثر من امتداد لثقافتنا البيانية والتي لم ترقِ إلى مستوى الإعلام البحثي الجاد الذي يتوافق وخطورة القضية".
إذاً... مخطط إسرائيلي تهويدي جديد يستهدف الأراضي الفلسطينية، وتشريد وتهجير الفلسطينيين مرة أخرى، التاريخ يعيد نفسه على مرأى ومسمع كل العالم الدولي والعربي ولا أحد يحرك ساكناً لوقف هذه الانتهاكات الإسرائيلية للشرائع والقوانين، والجميع يكتفي بالتفرج على هذه المسرحية التي اسمها التهويد وتفريغ الأرض العربية من الإنسان.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها