لقد كان هجوم "الصدمة والرعب" الذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على كثير من المؤسسات الرئيسية في واشنطن ناجحاً إلى حد ما. فاختياراته للوزراء، وعملية الطرد الجماعي للمهاجرين، وتهديداته للموظفين الفيدراليين، وأوامره التنفيذية التي انطوت على استعراض هائل للقوة بغرض إرباك خصومه وإحباطهم. ورغم أن تركيز ترامب كان في الأساس على الجبهة الداخلية، حيث ألقى ببعض التصريحات اللاذعة في السياسة الخارجية، مثل التهديد باستعادة قناة بنما، وإجبار الدنمارك على بيع جزيرة غرينلاند. لكن، كما أظهرت ردود الفعل من جانب الدنمارك وكندا وبنما، فإن هذه "الاختبارات" والتحديات لم يكن لها نفس التأثير الذي كان لقراراته على الصعيد الداخلي.

وفي مغامرة أخرى خيالية في السياسة الخارجية، ألقى ترامب قنبلة في وسط الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث اقترح أنه قبل إعادة الإعمار، سيكون من الضروري "تطهير غزة". وقيل إنه حاول الضغط على كل من الأردن ومصر لقبول الجزء الأكبر من الفلسطينيين من غزة، مع اعتبار ألبانيا وإندونيسيا خيارات احتياطية لإعادة التوطين. لكن أياً مِن هذه الدول لم توافق على المشاركة في هذا المخطط الغريب. وبالإضافة إلى الرفض البسيط، فإن الفلسطينيين، المنشغلين بعودتهم العاطفية إلى شمال غزة ومقاومة الاحتلال الذي يتزايد عدوانية في الضفة الغربية، تجاهلوا طُعم ترامب إلى حد كبير.

ولنكن واضحين، إذا صمد وقف إطلاق النار وانتقل إلى مرحلة إعادة الإعمار، فلا بد من مواجهة قضايا خطيرة يجب معالجتها، من بينها وجود مليوني فلسطيني بلا مأوى، ومئات الآلاف من المنازل والمباني المدمرة، حيث يُعتَقَد أن الأمر سيستغرق سنتين أو ثلاث سنوات لإزالة الأنقاض أو إعادة توظيفها، وعقوداً لبناء مساكن كافية.

وإذا لم يكن المرء على معرفة بترامب أو بحلفائه الإسرائيليين، فقد يظن أنه يناشد جيران قطاع غزة الرأفةَ بأهله المهجرين وإيواءهم حتى يُعاد بناؤه. لكن ترامب لم يُظهر أي مؤشر على تأثره بمعاناة الفلسطينيين، في حين أن فكرة بناء منتجع على شواطئ غزة قد تكون أكثر جاذبية له.

ومن الواضح أن ائتلاف نتنياهو يريد تهجير الفلسطينيين من غزة. وهكذا، فإن "اقتراح" ترامب بنقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن يبدو أشبه بإعطاء مباركته لنكبة جديدة. في نكبة عام 1948، تم تهجير 700,000 ألف فلسطيني قسراً من منازلهم، ثم قامت إسرائيل بهدم أكثر من 420 قرية فلسطينية لضمان عدم تمكنهم من العودة.

أما هذه النكبة الثانية، فستعكس العملية، حيث ستبدأ إسرائيل أولاً بهدم أحياء سكنية كاملة في غزة، ثم "نقل" مليوني فلسطيني خارج وطنهم. من الأفضل ألا نفترض أبداً أن نتنياهو وائتلافه ومن يدعمهم في واشنطن لن يفعلوا أسوأ شيء ممكن. ربما يحاول ترامب نقل "الصدمة والرعب" إلى الشرق الأوسط أو ربما يطرح فكرة النقل كجزء من إعادة الإعمار. لكن من المرجح أن يكون ذلك بمثابة "بالون اختبار" لنتنياهو، لاختبار القبول الإقليمي خطةَ تهجير جماعي لإيجاد "حل" للمشكلة الفلسطينية. لم يتفاعل الفلسطينيون ولا مؤيدوهم بغضب عارم على "اقتراح" ترامب.

ولم يتم اقتراح خطة واضحة لإزالة الأنقاض وإعادة البناء مع وجود مليوني فلسطيني في المكان. إن قبول أي خطة لإعادة التوطين والإعمار يتطلب شرطين على الأقل، أولاً، انسحاب إسرائيل الكامل من غزة، والتخلي عن السيطرة على الدخول والخروج من القطاع. وهذا الشرط المسبق من شأنه أن يسمح للفلسطينيين بالشعور بالثقة في أنهم إذا غادروا غزة، فسيضمن لهم حق العودة. ثانياً، يواجه بعض الفلسطينيين العائدين إلى الشمال صعوبة في تحديد مواقع منازلهم السابقة. ولتجنب الارتباك أو النزاعات، إذا لم تعد السجلات البلدية موجودة، يجب بذل جهد لرسم خريطة غزة بحيث يمكن للفلسطينيين تحديد مواقع منازلهم وأعمالهم التجارية.

من دون ضمانات قوية للعودة وخطة تسهل العودة إلى مواقع محددة، فإن جهود إعادة التوطين وإعادة الإعمار ستؤدي فقط إلى تعميق المشاكل، لأكثر من قرن، كان الفلسطينيون مجرد بيادق في لعبة القوى الغربية والحركة الصهيونية. وعلى الرغم من تعرضهم للتشتيت والحرمان من أراضيهم وتفرقهم بين الدول، فإن هويتهم الوطنية وارتباطهم بأرضهم لم تَضعف، بل ازدادت قوة، مما جعلهم شوكة مستمرة في خاصرة مضطهديهم. يجب على الولايات المتحدة أن تعترف بهذه الحقيقة، وبدلاً من زيادة معاناة الفلسطينيين، يتعين عليها أن تعمل على تطوير خطة إنسانية لإجبار إسرائيل على إنهاء الاحتلال وتنفيذ الحقوق الفلسطينية التي حرم منها الشعب الفلسطيني منذ فترة طويلة.