بقلم: صلاح طميزي
بالأمس، كان محمد أمجد حدوش (27 عامًا) عريسًا يحتفل بعقد قرانه وسط أجواء من الفرح والأمل، لكن لم يمهله الاحتلال طويلاً، فكان اليوم شهيدًا يُزف على أكتاف رفاقه في أزقة مخيم العروب شمال الخليل، بعد أن اخترقت رصاصة متفجرة جسده، وأطفأت فرحة لم تدم سوى ساعات.
لم تكن حياة محمد حدوش سهلة، فقد نشأ في كنف معاناة يومية، مثل غيره من أبناء المخيم الذين واجهوا بطش الاحتلال منذ نعومة أظافرهم، لكنه ظل يحمل الحلم بغدٍ أفضل، رغم أن مخيم العروب كان دائمًا مسرحًا للاقتحامات والإغلاقات التي تمعن في خنق أهله.
والدته، سِنار رشدي، التي اعتادت أن تواسي أمهات الشهداء في المخيم، وجدت نفسها اليوم في مكانهن، تبحث عن طرق بديلة للوصول إلى مركز بيت فجار الصحي، وسط حصار مشدد، لمعرفة مصير فلذة كبدها.
ما إن وصلت إلى هناك وعلمت بخبر استشهاده، حتى سارعت إلى احتضان جثمانه، وسط لوعة وعويل هزّا المكان: "امبارح خطبنالك يما، واليوم هيك عريس يما؟". تحسست وجهه للمرة الأخيرة، وغرقت في دموع الفراق.
تقول والدته، التي فقدت زوجها قبل سنوات وكرّست حياتها لأبنائها الأربعة: إن "محمد كان السند والابن البكر الذي حمل مسؤولية عائلته منذ الصغر".
وتضيف الأم المكلومة: "بالأمس قرأنا فاتحة خطوبته، وكان يستعد لشراء الحلوى للاحتفال مع الأهل والأحباب، لكن رصاص الاحتلال باغته، وسرق فرحته وفرحتنا التي كنا ننتظرها منذ سنوات".
أما شقيقه فؤاد، فقد وصف محمد بأنه كان نبراسًا لعائلته وأبناء المخيم، حيث عمل في جهاز الضابطة الجمركية بعد أن أمضى سنوات في سجون الاحتلال، وكان يدّخر كل جهده وماله لرعاية أسرته.
وقال فؤاد: "محمد لم يكن مجرد أخ، كان الأب والصديق والسند، رحيله فجّر في قلوبنا ألمًا لن يزول"، وكان يحلم بحياة بسيطة آمنة، بعيدة عن الرصاص والحصار، لكن الاحتلال أبى إلا أن يحوله إلى رقم جديد في سجل الشهداء.
خال الشهيد، تيسير رشدي، أكد أن محمد كان نموذجًا للشباب الفلسطيني المتمسك بحلمه رغم المعاناة. عاد من العمرة قبل عشرة أيام، واستعد لبناء عائلة، لكن رصاص الغدر كان أسرع من كل مخططاته.
قال الخال بحسرة: "كل شبابنا على مذبح الحرية، محمد لم يكن الأول، ولن يكون الأخير. الاحتلال يسرق أحلامنا، لكنه لن يسرق إرادتنا".
وأدان محافظ الخليل، خالد دودين، جريمة إعدام محمد بدم بارد، مؤكدًا أن الاحتلال يتعمد تصعيد القتل في مخيمات المحافظة، وسط حصار مشدد يفصل مدنها عن بعضها.
وقال دودين: "هذه السياسات العدوانية لن تجلب الأمن لإسرائيل، بل ستزيد من تمسك شعبنا بأرضه، وعلى المجتمع الدولي أن يتحرك لوقف آلة القتل الإسرائيلية التي تحصد أرواح الأبرياء يومًا بعد يوم".
أما الناشط في مخيم العروب، عبد الحي جوابرة، فأكد أن الاحتلال لن يستطيع كسر عزيمة المخيم، رغم كل محاولاته.
وقال جوابرة: "محمد ارتقى اليوم، لكن الراية لن تسقط. هذا المخيم سيظل شامخًا رغم الألم والفقد، فكل شهيد يخلفه مقاوم جديد".
وسط أجواء من الحزن والغضب، شيّعت جماهير غفيرة جثمان محمد حدوش من مستشفى الأهلي في جنازة عسكرية، انطلقت عبر طرق ترابية، وصولًا إلى منزل عائلته، حيث أُلقيت عليه نظرة الوداع الأخيرة. بعدها، صُلي عليه، ووري جثمانه الثرى في مقبرة المخيم، بجوار والده الذي فقده صغيرًا، ليجتمعا مجددًا في مثواهما الأخير.
وهمس أحد أصدقائه، وهو يودّع رفيقه العريس الشهيد، "محمد لم يمت.. روحه ستبقى تملأ أزقة المخيم، وصورته ستظل محفورة في قلوبنا".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها