إن استمرار المماطلة والتسويف في الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن، ما هي إلا الوجه الآخر لاستمرار مآسي وآلام العدوان والكارثة في قطاع غزة خاصةً وفلسطين عامةً.
تُعد المفاوضات عادة بين الأطراف المتنازعة، خاصة في الصراعات المعقدة التي تمتد لعقود، فالمفاوضات أداة تُستخدم ظاهريًا لتحقيق السلام، لكنها في كثير من الأحيان تتحول إلى وسيلة لتجميد الوضع الراهن أو إطالة أمد الأزمات لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية معينة وخاصة للطرف المتفوق في الميدان أو لبغض الوسطاء ذوي المصالح الخاصة مثل الولايات المتحدة.
في الحالة الفلسطينية، وخصوصًا ما يجري في قطاع غزة، أصبحت المماطلة في المفاوضات أداة تخدم أطرافًا عدة، بما فيها الوسطاء، لتحقيق مكاسب معينة على حساب نزف دماء الفلسطينيين واستمرار معاناتهم، في قطاع غزة المنكوب بالاحتلال وأعوانه.
- ماذا تعني المماطلة في المفاوضات وأهدافها:
إن المماطلة تعني تأخير التوصل إلى اتفاق وحلول عملية ونهائية عبر استنزاف مزيد من الوقت، وغالبًا ما تكون هذه الاستراتيجية هي متعمدة لتحقيق أهداف محددة للعدوان، من بينها:
- إضعاف الطرف الآخر: وهنا استمرار النزاع يرهق المقاومة الفلسطينية ويضعف قدرتها العسكرية والبشرية ويضعها في موقع ضعف.
- فرض شروط جديدة: يستخدم الاحتلال الإسرائيلي إطالة الوقت لإعادة ترتيب أوراقه ميدانيًا وسياسيًا، وفرض وقائع جديدة على الأرض تجعل من أي تسوية مقبلة أقل كلفة له.
- يبدو أن المشهد بات إدارة أزمة بدلاً من العمل على حلها: الدول الوسيطة، كقطر ومصر، والولايات المتحدة، باتت تركز على لعب دور الوسيط لإدارة الأزمة والنزاع دون الضغط الجدي لإنهائه، مما يحفظ لها مصالحها الإقليمية والدولية.
- التغطية الإعلامية والسياسية: باتت المفاوضات المتقطعة تمنح الأطراف الدولية غطاءً سياسيًا لإظهار أنهم "يعملون" على إنهاء النزاع، بينما يستمر العدوان في الميدان، دون الضغط على طرفي النزاع أو على الطرف المعيق للتوصل الى اتفاق.
- النتائج الكارثية للمماطلة في المفاوضات:
1. زيادة عدد الضحايا: كل يوم يمر دون حل حقيقي يعني المزيد من الشهداء والجرحى، حيث يدفع الفلسطينيون الغزيون المدنيون خاصة قبل المقاومين، الثمن الأكبر من خلال ارتقاء الأعداد المهولة من الضحايا والمهجرين في ظل ظروف الطبيعة القاسية والعدوان معًا.
2. اتساع دائرة التهجير والدمار: يُفاقم القصف الإسرائيلي المستمر تدمير البنية التحتية وزيادة عدد المهجرين في قطاع غزة، مما يخلق أزمة إنسانية أكبر يصعب تحملها.
3. إطالة معاناة الأسرى والمفقودين الفلسطينيين وكذلك الرهائن الإسرائيليين، إن المماطلة في التوصل إلى توقيع اتفاق، يزيد من معاناة عائلات الأسرى، ويجعل مصيرهم جميعًا، رهينًا لتجاذبات وحسابات سياسية لا تقيم وزنًا لآلامهم ومعاناتهم وذويهم.
4. استمرار إضعاف المجتمع الفلسطيني، إن استمرار العدوان يدمر النسيج الاجتماعي والوطني الفلسطيني وينشر الفوضى، ويزيد من معدلات الفقر والجوع والمرض والبطالة بين الفلسطينيين، مما يجعل إعادة البناء وعمليات الغوث والإعمار مستقبلاً أكثر صعوبة وتعقيدًا.
- دور الوسطاء يكمن في تعميق الأزمة بدلاً من حلها:
على الرغم من أن الوسطاء يُفترض أن يكونوا جزءًا من الحل، وليسوا جزءًا من الأزمة، إلا أن ممارساتهم باتت غالبًا ما تسهم في تعميق الأزمة، وذلك لغياب الحياد، بعض الوسطاء لديهم مصالح سياسية أو اقتصادية تجعلهم منحازين لطرف على حساب الآخر.
وفي إطالة العملية التفاوضية، الوسيط المستفيد من دوره يسعى لإطالة أمد المفاوضات لإبقاء نفوذه حاضرًا في المشهد لدى طرف أو طرفي النزاع لتحقيق غايات وأهداف ومصالح خاصة به.
إن التعامل مع الأزمة والصراع والعدوان المستمر من قبل المجتمع الدولي والوسطاء، مجرد ملف تقني دون احساس بالمسؤولية الأخلاقية والقانونية، أدى إلى تقزيم القضية الفلسطينية برمتها إلى مسائل لوجستية أو إنسانية، مثل جدلية تبادل الأسرى والرهائن، أو إدخال المساعدات، بدلاً من التركيز على جذور الصراع والنزاع والعدوان المستمر دون هوادة، دون العمل على إنهائه والدفع والضغط الجدي على الأطراف، للتوصل إلى توقيع اتفاق يؤدي إلى وقف إطلاق نار شامل في قطاع غزة وفي كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، والعمل على فرض حل تفاوضي يؤدي إلى إنهاء الصراع على أساس قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بشأنه، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف، بما يضمن الأمن والسلام والاستقرار للطرفين وللمنطقة.
من الواضح أن استمرار المماطلة في أمد المفاوضات الجارية، ليس سوى انعكاس لانعدام الإرادة الدولية الحقيقية لإنهاء هذا الصراع، بل وإبقاء الفلسطينيين خاصة في قطاع غزة، عالقين في دائرة مفرغة من العنف والقتل والدمار وصولاً إلى تهيأتهم للتهجير.
- في ظل هذا الواقع المؤلم والمأساوي، يجب أن تكون هناك خطوات جديدة وجذرية منها:
- إحداث ضغط شعبي عربي ودولي على الشعوب، وليس على الحكومات فقط، أن تضغط لفضح هذه المماطلة في المفاوضات والمطالبة بحل حقيقي يؤدي إلى إنهاء هذا الصراع وهذه المعاناة.
- تعزيز المقاومة السياسية: يجب على العرب والفلسطينيين أن يطوروا أدوات مقاومتهم السياسية والدبلوماسية، لكسر حالة الجمود التي آلت إليها المفاوضات.
ختامًا إن المماطلة في المفاوضات ليست مجرد عملية تأخير لحل الأزمة والصراع، بل هي استراتيجية مدروسة تُستخدم لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية إسرائيلية، على حساب الشعب الفلسطيني.
هذه المماطلة لا تعني سوى مزيد من القتل والدمار والتهجير، في وقت تتحول فيه المعاناة إلى مجرد خبر وأرقام في التقارير الإخبارية اليومية.
لكن الأمل يظل في أن يستمر الفلسطينيون في صمودهم فوق أرضهم وفي استمرار نضالهم، وأن يتحد العالم الحر في كشف هذه السياسات ووقفها لتحقيق العدالة وإنهاء الاحتلال، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه الثابتة في وطنه غير القابلة للتصرف.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها