بقلم: إسراء غوراني
مع انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من مخيم الفارعة للاجئين جنوب طوباس، بعد عدوان واسع استمر 30 ساعة، تمكن أهالي المخيم من تشييع جثامين شهدائهم الأربعة وافتتاح بيت لعزائهم، لكن بيت العزاء هذا غاب عنه والد وشقيق الشهيدين الطفلين مراد ومحمد جعايصة، فهما يتلقيان العلاج نتيجة إصابتهما خلال القصف الذي أودى بحياة الشهداء الأربعة.
وفي ظروف صعبة وحزينة، تمكن أهالي المخيم من اصطحاب مسعود جعايصة لتوديع نجليه الشهيدين، حيث حضر متكئًا على أكتاف عدد من أقاربه، ليسترق لحظاته الأخيرة بجوار فلذتي كبده قبل مواراتهما الثرى، وليعود مجددًا لاستكمال علاجه نتيجة إصابته بشظايا في صدره من آثار القصف، فيما حرم شقيقهما بشار من توديعهما فهو يرقد في المشفى في وضع صحي صعب بعد خضوعه لعملية جراحية نتيجة شظايا القصف التي أصابته في رأسه.
عن تفاصيل الليلة الأصعب، كما يصفها أهالي المخيم، يتحدث حمزة جعايصة وهو عم الشهيدين، والذي لازمهما حوالي ساعتين ونصف لحين تمكن الإسعاف من الوصول لنقلهما، بينما كان يحاول إسعاف الوالد والشقيق المصابين، فهو ممرض ويعمل في هذا المجال منذ 20 عامًا.
يشير جعايصة، إلى أن قوات الاحتلال ألقت على أحد الأزقة في المخيم صاروخًا بواسطة طائرة مسيرة، ما أدى إلى ارتقاء الشهيدين أحمد النبريصي "23 عامًا" وإبراهيم الغنيمي "22 عامًا" خلال تواجدهما في الزقاق، فيما تطايرت شظايا القصف وأصابت أربعة منازل مجاورة ومنها منزل شقيقه مسعود، وفي تلك اللحظة أصيب الأب الذي كان يتواجد أسفل المنزل بشظايا في صدره، فيما أصابت الشظايا الشرفة حيث يتواجد الأبناء الثلاثة، وهناك استشهد مراد ومحمد، فيما أصيب شقيقهما الأكبر بشار، مؤكدًا أن زوجة وابنة شقيقه حضرتا إلى منزله لطلب النجدة بعد حدوث القصف، فهرع إلى منزل شقيقه تحت جنح الخطر حاملاً معه حقيبة إسعاف أولي يقتنيها في منزله.
ويروي العم الممرض أن المشهد كان صعبًا ومهولاً عند وصوله إلى منزل شقيقه، فمراد وهو الابن الأصغر "13 عامًا" كان قد فصل رأسه عن جسده من قوة الإصابة، بينما كان محمد "17 عامًا" مصابًا بشظايا كثيفة في صدره ارتقى إثرها على الفور، في حين كان الوالد مسعود مصابًا بشظية في صدره ونجله الأكبر بشار مصابًا إصابة بليغة في رأسه.
أمام هول المشهد واستحالة وصول الإسعاف على الفور، نظرًا لقيام قوات الاحتلال بحصار المخيم وعرقلة عمل طواقم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، أخذ حمزة يبذل كل ما بوسعه وبأدوات الإسعاف البسيطة لديه لإنقاذ حياة شقيقه ونجل شقيقه.
ويضيف: "كنت أحاول إسعاف شقيقي الذي كان بالإضافة إلى إصابته منهارًا وعاجزًا من هول صدمته على نجليه الشهيدين، وحاولت بشتى الطرق إنقاذ حياة ابن شقيقي بشار فإصابته في غاية الخطورة وكنّا نخاف أن نفقده هو الآخر في أية لحظة".
لم تنته الليلة الصعبة عند هذا الحد، فحين تمكنت مركبة الإسعاف من الدخول إلى المخيم كان جنود الاحتلال يعيقون وصولها إلى المنزل، عندها اضطر حمزة إلى حمل شقيقه ومن ثم ابن شقيقه لملاقاة مركبة الإسعاف في أقرب نقطة ممكنة وتحت جنح الخطر.
انتهى اقتحام المخيم وخرجت قوات الاحتلال منه، لكن بقي في منزل جعايصة حزن كبير، فالابنان رحلا في ربيع عمرهما ليدفنا تحت الثرى، بعد أن كان يفترض عودتهما إلى مقاعد الدراسة مع بداية العام الدراسي الجديد بعد أقل من أسبوعين.
الحزن ذاته يخيم على عائلتي الشهيدين أحمد نبريصي وإبراهيم غنيمي اللذين استشهدا في الحادثة ذاتها، فيما لا تفارق حالة الحزن جميع عائلات المخيم الذي فقد خلال الاقتحامات على مدار الأشهر الماضية العديد من أبنائه.
ومنذ بدء عدوانها الشامل على شعبنا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم الفارعة عدة مرات، بالاقتحامات وتدمير البنية التحتية ومنازل وممتلكات المواطنين.
وبارتقاء الشهداء الأربعة، ارتفع عدد الشهداء في المخيم منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر إلى 19 شهيدًا، إضافة إلى العديد من الجرحى، بينما بلغ مجمل عدد الشهداء في محافظة طوباس كاملة منذ ذلك الحين 46 شهيدًا. كما ارتفعت حصيلة الشهداء في المحافظات الشمالية كافة إلى 669 شهيدًا، بالإضافة إلى أكثر من 5600 جريح.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها