يعيش الأطفال في قطاع غزة واقعًا مريرًا جراء حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بدءًا من تعرضهم للقتل والإصابة، وليس انتهاء بحرمانهم من مقاعد الدراسة لعام كامل.
أطفال غزة دفعوا الثمن الأعلى لهذه الحرب المجرمة، فهم إلى جانب النساء يشكلون ما نسبته 69 بالمئة من إجمالي ضحايا الحرب المستمرة منذ أكثر من عشرة أشهر.
مرّ أطفال غزة بواقع مؤلم، فمنهم المصاب الذي بات يعيش بإعاقة دائمة في أطراف جسده، ومنهم من أصيب بحروق، ومنهم من فقد أحد أفراد أسرته ومنهم من تيتّم، في حين أن بعضهم يعيش بذكرى مفزعة جراء انتشاله من تحت ركام منزله المدمر.
وفي شباط/فبراير الماضي، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف": إن "التقديرات تشير إلى أن سبعة عشر ألف طفل فلسطيني في غزة فقدوا ذويهم أو انفصلوا عن عائلاتهم وذلك بسبب القتل أو الاعتقال".
إلى جانب ذلك، فقد واجه الأطفال ظروفًا نفسية صعبة للغاية جراء المشاهد التي رأوها لجثامين شهداء ومصابين ارتقوا خلال قصف إسرائيلي للمناطق المختلفة، فضلاً عن خوفهم من أصوات القصف العنيف المتواصل على مدار الساعة.
وخلال أشهر الحرب، حَمَل الأطفال مسؤوليات وهمومًا أكبر من أعمارهم الصغيرة، وباتوا يوفرون أساسيات الحياة لعائلاتهم، التي فقدت معيلها، كالمياه والطعام فيما لجأت أعداد كبيرة منهم للعمل من أجل توفير لقمة العيش.
وفي الوقت الذي يتجهز فيه أطفال العالم لاستقبال العام الدراسي الجديد وتحضير قرطاسياتهم وملابسهم الجديدة، تبقى عيون أطفال غزة موجهة إلى السماء خوفًا من سقوط صاروخ فوق رؤوسهم.
وتُغيّب الحرب أطفال غزة قسريًا عن مقاعد الدراسة والتحصيل العلمي بعد أن تحولت المدارس إلى مراكز إيواء تضم مئات آلاف النازحين الذين لا مكان لهم سوى الصفوف الدراسية، في وقت دُمرت فيه نحو 121 مدرسة وجامعة بشكل كلي و333 مدرسة وجامعة بشكل جزئي، وفق إحصائيات حكومية.
وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا": إنها "بدأت في 1 آب/ أغسطس الجاري عودة تدريجية لأنشطة التعليم غير الرسمية جنوب ووسط القطاع".
وأضافت مديرة الإعلام في "الأونروا" إيناس حمدان: إن "هذه العودة هي جزء من مسار طويل في العملية التعليمية"، موضحةً أن الأونروا ستركز خلال هذه الفترة "على الأنشطة الرياضية والفنون والدراما والألعاب، وبعض الأنشطة التعليمية".
ويأتي ذلك وسط تواصل أنشطة الدعم النفسي والاجتماعي للطلبة في عدد من مراكز الإيواء بحسب ملائمة الظروف في كل مركز ومنطقة، وفق قولها.
ويواجه عودة الدراسة تحديات، أهمها وفق ما قالته حمدان: "عدم استقرار الظروف الأمنية واستمرار إصدار أوامر الإخلاء التي يتبعها موجات نزوح جديدة تثقل كاهل المدنيين وتفاقم الأوضاع المعيشية سوءًا".
وتتابع: "الأونروا تحاول من خلال هذه الأنشطة التي تُقدم من خلال طاقم متخصص من المرشدين النفسيين والمدرسين أن تساعد الأطفال الذين عاشوا وقاسوا ما لا يجب أن يشهده طفل في العالم، استعادة ولو جزء من طفولتهم التي سلبتها أكثر من 321 يومًا من الحرب الطاحنة".
وذكرت أن "تقارير صادرة عن الأونروا أظهرت أن معظم الأطفال يعانون من صدمات واضطرابات نفسية أو إصابات بالغة ومنهم من فقد أحد والديه أو كلاهما وبالتأكيد هذه ستترك آثارًا نفسية عميقة ستحتاج إلى فترة طويلة للعلاج وصولاً إلى التعافي".
وأوضحت أن "كل هذه الظروف العصيبة التي مر بها الأطفال تركت آثارًا سلبية على تحصيلهم الأكاديمي وصحتهم العقلية والنفسية، ولذلك لا يزال طريق التعافي طويل وتعويض الفاقد التعليمي لأكثر من 650 ألف طفل سيكون مليئًا بالتحديات خصوصًا مع غياب وقف العدوان الإسرائيلي"، مشيرةً إلى أن الأونروا تواصل التزامها بـ"استمرار الأنشطة الترفيهية والتعليمية بقدر الإمكان"، لافتة إلى أنها ليست بديلة عن الخدمات التعليمية الرسمية.
داخل إحدى غرف مدرسة ذكور النصيرات الإعدادية التي تؤوي نازحين وسط قطاع غزة، يجلس الطفل محمد أبو عيدة ينظر بحسرة إلى كف يده اليمنى المبتور بقصف إسرائيلي.
تقول والدته منى: إنها "تحاول معه من أجل إعادته للمذاكرة الدراسية لكن البتر الذي تعرض له حال دون ذلك".
وتضيف: بأن "محمد تأثر من بتر كف يده التي يعتمد عليها بنسبة 100 بالمئة بالقيام بواجباته، بخاصة الدراسة والكتابة ومسك القلم".
كما يرفض مطالعة ما فاته من دروس بشكل "شفوي"، وفق والدته، في حين تقول مؤسسات أممية ودولية: إن "الحرب ألقت بآثار نفسية كبيرة على أطفال غزة".
وخلال أشهر الحرب، لجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى المدارس بحثًا عن الأمان وهربًا من القصف الإسرائيلي في وقت لم يجدوا فيه أي مكان آخر يؤويهم.
وداخل مدرسة الإيواء يستعين الطفل عبد الرحمن بعكازيه للعب كرة القدم مع أصدقائه رغم ساقه اليسرى المبتور بقصف إسرائيلي.
يقول عبد الرحمن: إنه "يأمل بالعودة إلى مقاعد الدراسة رغم البتر الذي تعرض له، مردفًا بأن الحرب تسببت بضياع العام الدراسي الماضي، لو أنها تنتهي ونعود للدراسة مرة أخرى".
ويتابع قائلاً: "حينها سأتعلم وأكون مجتهدًا وناجحًا، أتمنى لو نعود للمدارس ونتعلم ونرتدي زيها الرسمي".
وفي ظل النزوح المتكرر، حولت الظروف حقائب الأطفال المدرسية إلى حقائب تضم بداخلها مستلزمات أساسية وملابس، حيث يتم رصد آلاف الأطفال يحملون حقائبهم الثقيلة على أكتافهم ويفرون برفقة عائلاتهم من القصف الإسرائيلي.
وتقول شهد أبو طير (12 عامًا)، واحدة من الأطفال الذين تحولت حقائبهم المدرسية إلى حقائب نزوح: "هذه الحقيبة كانت تضم كتبًا ودفاتر وأقلامًا لأتعلم، لكنها اليوم تضم ملابس ومستلزمات وأتشرد فيها من مكان لآخر"، موضحةً أنها لم تتخيل يومًا أن تتحول هذه الحقيبة المخصصة للدارسة إلى "حقيبة للتشرد".
وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، عدوانها على قطاع غزة برًا وبحرًا وجوًا منذ السابع من تشرين الاول 2023، ما أسفر عن أكثر من 133 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على عشرة آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها