بقلم: ميساء عمر
على بعد تسعة كيلو مترات فقط شرق مدينة قلقيلية، و22 كيلو مترًا جنوب طولكرم، و23 كيلو مترًا جنوب مدينة نابلس، تقع بلدة عزون التي تبلغ مساحتها 27 ألف دونم، ويقطنها 11 ألف مواطن.
لكن هذه المسافات القصيرة التي تربطها بالمدن الثلاث وبالبلدات والقرى المجاورة في الظروف الطبيعية، تتحول إلى معاناة ومشقة وساعات طويلة محفوفة بالمخاطر في ظل الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على البلدة.
ويحاصر الاحتلال البلدة بالبوابات الحديدية والحواجز العسكرية الدائمة والمؤقتة والمكعبات الاسمنتية والأبراج العسكرية، بعد أن أحاطها بجدار الفصل والتوسع العنصري الذي التهم 770 دونمًا من أراضيها وعزل 3500 دونمًا لا يستطيع أصحابها الوصول إليها، إلى جانب خمس مستعمرات تنتشر كالسرطان على أراضي المواطنين وتحيط بالبلدة من الجهات الجنوبية والغربية والشرقية وهي: "معاليه شمرون"، "ألفيه منشيه"، "كرني شمرون"، "جينات شمرون" و"تسوفيم".
ويضطر المواطنون إلى مغادرة منازلهم في ساعات الصباح الأولى، ليتمكنوا من الوصول إلى أماكن عملهم في المدن المحيطة، وأحيانًا ينتظرون لساعات طويلة على البوابات والحواجز العسكرية، ويعودون أدراجهم دون أن يتمكنوا من العبور.
ويقول المواطن محمد شبيطة: إنه "يغادر منزله باكرًا، وينتظر في طابور طويل عند المدخل الغربي للبلدة، وعندما يصل إلى الحاجز العسكري يحتجزه جنود الاحتلال ويدققون في بطاقته الشخصية لمدة ساعة أو أكثر، ليتابع بعد ذلك طريقه متوجها الى مكان عمله في مدينة طولكرم".
ويضيف: "كانت الطريق إلى طولكرم تستغرق نحو 40 دقيقة، أما الآن فإنها تستغرق أكثر من ساعتين ونصف الساعة، بسبب الحواجز والمعيقات التي يفرضها الاحتلال"، مشيرًا إلى أن جنود الاحتلال يتلذذون بالتنكيل بالمواطنين وعرقلة سفرهم دون أي سبب.
ومنذ بدء عدوانه الشامل على شعبنا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قطع الاحتلال الإسرائيلي أوصال الضفة الغربية بالحواجز العسكرية والبوابات الحديدية، ليحاصر العديد من البلدات والقرى ويعزلها عن محيطها.
وأغلق الاحتلال المدخل الشمالي الرئيسي لبلدة عزون، المحاذي لشارع "قلقيلية - نابلس"، بالبوابة الحديدية، وطرق رئيسية أخرى بالمكعبات الأسمنتية كطريق "عزون - صير"، والطرق المؤدية إلى المناطق الواقعة شرق محافظة قلقيلية كمدينة طولكرم، وبلدة جيوس، وقريتي فلامية وصير.
ويعيق حصار الاحتلال للبلدة، وصول المزارعين إلى أراضيهم.
المزارع الستيني رزق سليمان، يضطر إلى الانتظار بعربته الزراعية على الحاجز العسكري لأوقات طويلة ليتمكن من الوصول إلى أرضه الزراعية ذات الخمسة دونمات في منطقة "جسر الخلايل" شرق البلدة، بعد أن أغلق الاحتلال الطريق الفرعية البديلة "عزون - كفر لاقف" بالسواتر الترابية ليمنع أكثر من 50 مزارعًا من الوصول إلى أراضيهم البالغة مساحتها ألفي دونم في المنطقة.
ويقول سليمان: إن "الاحتلال عزل البلدة عن البلدات والقرى المحيطة كافة، وبات المدخل الغربي الواصل بقرية عزبة الطبيب السبيل الوحيد لنا للوصول إلى أراضينا، ولكننا نضطر إلى الانتظار للعبور من الحاجز العسكري الذي نصبه الاحتلال على المدخل".
ويضيف: "يعمل الاحتلال على عرقلة حياتنا والتنكيل بنا لثنينا عن الوصول إلى أراضينا، إلا أننا سنبقى صامدين ونواجه كل المعيقات في سبيل الوصول إلى أراضينا وأعمالنا".
ياسر مراعبة الذي يعمل على توثيق انتهاكات الاحتلال للقطاع الزراعي في مديرية زراعة قلقيلية، يؤكد أن الاحتلال يستهدف بلدة عزون بشكل مباشر، فقد أقام برجًا عسكريًا على مساحة دونمين من أراضي المواطنين بالقرب من المدخل الرئيسي الشمالي، وجرف ما مساحته 30 دونمًا لصالح شق طريق استيطاني محاذي لشارع "قلقيلية - نابلس"، المعروف باسم "شارع 55"، بطول 3 كيلو متر- وعرض عشرة أمتار لتأمين حركة قواته، كما وتم تسجيل هدم منزلين، ومنع سكان منزلين آخرين من الوصول الى منشآتهم الزراعية بالمنطقة، واقتلاع أكثر من مئة شجرة زيتون.
ويوضح مراعبة بأن معسكر الاحتلال الإسرائيلي، لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن منازل المواطنين ومحالهم التجارية في المنطقة الشمالية من البلدة، ويشهد باستمرار مواجهات بين جنود الاحتلال والشبان، مشيرا إلى أن قوات الاحتلال لا تكف عن الاعتداء على المواطنين ومداهمة منازلهم وتفتيشها واعتلاء أسطحها، إضافة إلى إطلاق الرصاص وقنابل الصوت والغاز السام صوب المواطنين ومنازلهم، ما يعرض حياة أكثر من مئتي مواطن يقطنون المنطقة للخطر الدائم.
وأدى الحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال على البلدة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية للمواطنين.
ويقول رئيس البلدية أحمد رضوان: إن "تضييق الاحتلال على البلدة بشكل عام وإغلاق المدخل الرئيسي بشكل خاص، تسبب بتردي الظروف الاقتصادية، حيث أغلقت عشرة محالٍ تجارية من أصل خمسين محلاً، أبوابها بالكامل عند مدخل البلدة، كما أن الاحتلال يجبر أصحاب المحال المتبقية على إغلاقها حسب "مزاج" جنوده"، مشيرًا إلى أن الاحتلال لم يكتفِ بالحواجز العسكرية والبوابات الحديدية والاقتحامات المتكررة، لتهديد حياة المواطنين والتنكيل بهم، بل أقدم على تركيب بندقية رشاشة تعتمد على التصوير الحراري لإطلاق الرصاص.
وبحسب رضوان، فإن البندقية تحتوي على مؤشر "ليزر" يلتقط الإشعاعات الحرارية المنبعثة عن الأهداف ويقوم بتحويلها إلى صورة مرئية، موضحًا أن الاحتلال يمتلك صورًا لعدد من الشبان يزعم أنهم "مطلوبون"، والبندقية تخزّن تلك الصور، وإذا ما تعرفت البندقية على شاب قريب من البرج العسكري يشابه الصور التي لديها، يتم إطلاق الرصاص عليه مباشرة.
ويوضح رئيس البلدية بأن البندقية مركبة على أعلى البرج العسكري، وتكشف محيط البرج، وتحديدًا المنطقة الشمالية من البلدة، ما يشكّل تهديدا مباشرا على حياة المواطنين.
وخلال حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على الكل الفلسطيني، في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، استخدم الاحتلال شتى أنواع الأسلحة والتقنيات والوسائل، لقتل واعتقال وتجويع المواطنين، من طائرات حربية ومسيّرات ومدفعية ورشاشات أوتوماتيكية وقنابل وقذائف وغازات سامة، وصولاً إلى تقنيات تعتمد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والتي في غالبيتها محرمة دوليًا وتخالف المواثيق والقوانين والمعاهدات الدولية.
مدير نادي الأسير في قلقيلية لافي نصورة، يشير إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تمارس سياسة التنكيل والاعتقال ضد المواطنين في بلدة عزون، كأداة لاستهداف الشبان وتنغيص حياتهم وإرهابهم، مبينا أن الاحتلال اعتقل نحو خمسة وثلاثين مواطنًا من البلدة منذ مطلع العام الجاري.
ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، استشهد في بلدة عزون سبعة مواطنين، بينهم طفلان. ففي 21 شباط/فبراير استشهد الطفل فادي سعيد سليمان (14 عامًا) متأثرًا بإصابته برصاص الاحتلال الحي في القلب.
وفي الثاني من كانون الثاني/يناير، استشهد أربعة شبان، هم: وليد إسماعيل رضوان (18 عامًا)، وقصي جمال سليم صلاح (21 عامًا)، وإياد أحمد مصطفى شبيطة (22 عامًا)، ومحمد عبد الفتاح عثمان رضوان (26 عامًا)، واحتجز الاحتلال جثمانيهم.
وفي التاسع من كانون الأول/ديسمبر، استشهد الطفل محمود باسم أبو هنية (17 عامًا)، متأثرًا بإصابته برصاص الاحتلال الحي في الظهر.
وفي 22 تشرين الثاني/نوفمبر، استشهد الشاب أمير عبد الرحمن مجد (30 عامًا)، متأثرًا بإصابته برصاص الاحتلال في الظهر.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها