غادر المواطن محمد أبو القمصان من مكان نزوحه في مدينة دير البلح، في وقت مبكّر صباح يوم الثلاثاء، تغمره الفرحة لتسلم شهادتي ميلاد طفليه التوأم، آسر وآيسل، اللذان ولدا قبل ثلاثة أيام، في ظروف حرب الإبادة القاسية ورحلات النزوح من مكان لآخر.
وعقب تسلمه شهادتي ميلاد طفليه، تلقى محمد اتصالاً هاتفيًا يفيد بأن مدفعية الاحتلال قصفت الشقة التي تتواجد فيها زوجته جمانة ووالدتها ريم وطفلاه في أبراج القسطل شرق المدينة.
وبعد الاتصال، توجه محمد على وجه السرعة إلى مستشفى شهداء الأقصى في المدينة، لمعرفة مصير عائلته، وهو يحمل بيديه شهادتي ميلاد طفليه، ليفجع باستشهادهم جميعًا.
حينها انهار محمد باكيًا أمام جثامين عائلته عند ثلاجة الموتى داخل المستشفى، وقال وهو ينظر إلى شهادتي ميلاد طفليه: "قبل قليل أصدرت شهادة الميلاد لطفلتي آيسل وطفلي آسر، فقد ولدا قبل يومين فقط".
ويضيف وهو يبكي بحرقة: "قبل يومين ولدتهم جمانة، وكنت خارج المنزل لاستكمال الإجراءات الرسمية وإحضار شهادة الميلاد، آسر وآيسل، ولدا في 10 آب/أغسطس، وبالأمس قمت بتسجيلهم رسميًا واليوم موعد تسلم شهادة الميلاد".
وتزوج محمد من الدكتورة الصيدلانية جمانة فريد عرفة (28 عامًا) قبل العدوان بثلاثة أشهر، وبعد أربعة أيام من اندلاع العدوان في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أضطر الزوجان إلى النزوح من أبراج المخابرات في مدينة غزة إلى مدينة الزهراء وسط القطاع، ثم نزحوا مرة أخرى إلى منطقة "بلوك C" في دير البلح، ومنها إلى خيمة في محيط مستشفى شهداء الأقصى في المدينة.
وفي العاشر من آب/أغسطس الجاري، وضعت جمانة التوأم بعد عملية قيصرية صعبة، وملأت الفرحة قلبي الزوجين وعائلتيهما بقدومهما.
وانتقلت جمانة إلى الشقة التي نزحت إليها عائلتها في أبراج القسطل، لتساعدها والدتها ريم في رعاية الطفلين، وبينما كانت منشغلة بالتوأم مع والدتها، استهدفت دبابات الاحتلال المتمركزة شرق المدينة الشقة التي تؤويهم بقذائفها، ليرتقوا جميعا.
وكان محمد وجمانة يترقبان حياتهما الجديدة التي ستملأها ضحكات الطفلين، قبل أن يسلب الاحتلال الإسرائيلي هذه الفرحة مبكرًا.
وقال محمد: "ذهبت لتسلم الشهادة، وجاءني اتصال بأن الشقة استهدفت، ولم أتوقع أن أجدهم قد استشهدوا جميعًا".
وبنبرة مليئة بمشاعر الصدمة والحزن أنهى محمد حديثه بالقول: "آيسل وآسر هما أول فرحتي وآخرها، حتى فرحتي كانت منقوصة ولم تكتمل، حسبي الله ونعم الوكيل".
على الجهة المقابلة، كان شقيق زوجته جمانة، يبكي هو الآخر على جثمان والدته ريم جمال البطراوي (50 عامًا).
وقال الشاب وهو يحتضن جثمان والدته وينظر إلى جثمان شقيقته وطفليها: "هؤلاء أول أحفادنا، أول فرحتنا في البيت، لم نفرح بقدومهما بعد، لقد ولدا قبل يومين فقط". ويتساءل: "ما ذنبهم؟! لماذا قصفهم الاحتلال الإسرائيلي؟".
لحظة واحدة، غيرت حياة محمد إلى الأبد، ولم تكتمل فرحته بتوأمه، ولم تفرح زوجته بهما كما كانت تحلم. ولم يبق لمحمد سوى ذكريات قصيرة جدًا عاش فيها أجمل لحظات العمر مع طفليه وزوجته وعائلته.
فاجعة محمد، واحدة من آلاف قصص حرب الإبادة التي كتبت بالدم أو التي لم تكتب وتتكشف فصولها يومًا بعد يوم، حيث خلفت الحرب المدمرة على غزة أكثر من 132 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على عشرة آلاف مفقود، وأباد الاحتلال عائلات بأكملها، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها