في أول أيام عيد الأضحى، يحاول أطفال قطاع غزة اقتناص لحظات من الفرح والسعادة، باللعب بألعاب محدودة انتشرت في القطاع، رغم قساوة العداون الإسرائيلي.

ووسط الدمار والركام، تتجلى ابتسامات بريئة على وجوه الأطفال، إذ يسعون ببساطتهم إلى تحويل أيام العيد إلى فسحة من الأمل واللعب، رغم آلة الحرب الإسرائيلية التي تفرض قسوتها على القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

* نحو 16 ألف طفل استشهدوا بالحرب

رغم حالة الفرحة المنقوصة لدى الأطفال، يخيم الحزن العميق على الكثير من الذين فقدوا آباءهم وأبناءهم بسبب حرب الإبادة الجماعية، حيث يجدون في لحظات اللعب والضحك بعض الراحة من واقعهم المؤلم والمأساوي.

ومنذ ساعات الصباح الباكر، يسارع الأطفال في مخيمات النزوح والإيواء في وسط وجنوبي قطاع غزة إلى قضاء أوقاتهم في اللعب والهواء، رغم مرارة الواقع وآلام الحرب المستمرة للشهر التاسع على التوالي.

ويعاني سكان غزة البالغ تعدادهم 2.3 مليون نسمة من ظروف اقتصادية خانقة، حيث يفتقرون إلى المال لشراء الملابس وهدايا العيد للأطفال، مما حرمهم أجواء العيد والفرح التي يتمتع بها أقرانهم حول العالم.

وفي 21 أبريل/ نيسان الماضي، قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا": أن "كل 10 دقائق يُقتل طفل في قطاع غزة، فيما أصيب عدد مؤسف منهم في هجمات إسرائيلية مكثفة وعشوائية".

ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، استشهد 15 ألفًا و694 طفلاً، وأصيب 34 ألف طفل، بينهم 1.500 طفل فقدوا أطرافهم أو عيونهم، كما واختطف الاحتلال ما لا يقل عن 200 طفل، وأصبح 17 ألف طفل أيتامًا، حيث فقدَ 3 بالمئة منهم كِلا والديهم، بحسب آخر إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة.

* لعب رغم الحرب

يقول الطفل مصطفى قاسم (15 عامًا) الذي يلهو بأرجوحة كبيرة نصبت غرب مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، مع أقاربه احتفالاً بعيد الأضحى المبارك: "هذا العيد مختلف تماماً عن باقي الأعياد، لم نشتر ملابس وحلوى العيد، فالأوضاع صعبة"، مشيرًا إلى أن والده قد فقدَ عمله مع بداية العدوان، ويحاول الآن الحصول على عمل بين الفينة والأخرى لتوفير قوت يومهم، إلا أن ظروفهم المعيشية صعبة لدرجة أنهم لم يستطيعوا توفير حتى الاحتياجات الأساسية"، مضيفًا بأنه لم يأتِ أحد لمعايدتهم بسبب الحرب والقصف المتواصل، لكن والده قرر أن يسعدهم وأهداهم بعض العيدية النقدية حتى يتمكنوا من اللعب بالأرجوحة وشراء شيءٍ ولو كان بسيطاً".

ولم يختلف حال الطفلة رانيا العرعير (16 عامًا) عن حال قاسم كثيرًا، فهي نازحة من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، حيث استثمرت الوقت في اللعب مع صديقاتها رغم حرارة الشمس المرتفعة وأصوات القصف المتقطعة بين الفينة والأخرى.

وتقول العرعير: "في هذا العيد لم نتمكن من شراء الملابس الجديدة ولا الأضحية ولا الحلوى، ولا يوجد أحد يقدم لنا العيدية"، مؤكدة بأن جميع الأطفال يفرحون وهم خائفون من صوت القصف، وأيضاً وهم بعيدون عن بيوتهم التي دمرها الجيش الإسرائيلي، فقد فقدت شقيقها محمد، وشقيقتها سحر، بسبب القصف".

* رسم تشكيلي

وفي بلدة الزوايدة وسط القطاع، ترسم الفنانة التشكيلية شيماء نصار خارطة فلسطين بألوان العلم الفلسطيني الزاهية والجميلة على وجه الطفلة سناء أحمد، وتنعكس الفرحة بوضوح على وجه تلك الطفلة، النازحة من مدينة غزة، التي تعيش حالة نفسية صعبة جراء الحرب المستمرة، وبمجرد أن انتهت الفنانة نصار من رسم وجه سناء، انطلقت الطفلة بفرح لترقص، وطلبت من شقيقتها الأكبر أن تلتقط صورة لها بالجوال لتخليد هذه اللحظة الجميلة.

وتقول الطفلة سناء: "نحن سعداء بالعيد، لكننا نشعر بالخوف والقلق بسبب الحرب، لقد أردت أن تُرسم خريطة فلسطين على وجهي لأني أحبها، و نحن نحب غزة وأتمنى انتهاء الحرب لأعود للعب في بيتي".

* مبادرة فردية

أما الفنانة نصار، فتقول: "قررت تنظيم هذه المبادرة الفردية في أول أيام عيد الأضحى المبارك، في بلدة الزوايدة، بهدف رسم البسمة على وجوه الأطفال من خلال الرسم على وجوههم، لأن أطفال القطاع يعيشون حياة صعبة وقاسية للغاية ولا يمكن تحملها، بسبب القصف والدمار والجوع والعطش والأزمات الإنسانية والكوارث الصحية والبيئية، والحرمان من أدنى الحقوق التي كفلتها المعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية".

* رعب مستمر

وقال متحدث منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" جيمس إلدر: "أنه ليس من الطبيعي أن يعيش أطفال قطاع غزة في رعب مستمر بسبب القصف الإسرائيلي"، مؤكدًا أن الوضع بغزة يزداد سوءًا للأطفال يومًا بعد يوم، وسط اشتداد الحر وتكدس العائلات في خيام فوق الرمال. 

وفي معرض تعليقه على تداعيات النزوح القسري برفح، قال المسؤول الأممي: أن "هناك نحو 3 آلاف طفل كنا نقدم لهم مساعدات غذائية طارئة، والآن لا نعلم مكانهم"، موضحًا أنه مع استمرار القيود على إدخال المساعدات، بعد ما يزيد عن 250 يومًا من الحرب على القطاع، يواجه أهالي غزة صعوبات بالغة في الحصول على الطعام لأطفالهم.