لم يعد مقبولاً أن يبقى ميثاق الأمم المتحدة الذي صيغ ليكفل مصالح الدول المنتصرة بالحرب العالمية الثانية عبر منح كافة الصلاحيات التنفيذية حصرًا وبتغييب كامل لدور الجمعية العامة للأمم المتحدة "وما حق الفيتو إلا مثال لذلك" محصورًا بالدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن بتقويض لمبادئ ومقاصد وأهداف الأمم المتحدة بصون الأمن والسلم الدوليين ومس وإنتهاك خطير للمادة 2 /1 من ميثاق الأمم المتحدة التي تكفل بمبدأ العدالة والمساواة في السيادة بين جميع أعضائها.

* الفيتو الأميركي الدليل؟

إذا ما استعرضنا الحالات التي استخدمت أميركا حق النقض الفيتو نجد أن معظمها كانت لصالح ودعمًا لجرائم الكيان الاستعماري الإسرائيلي وسياسته الإجرامية التوسعية على مدار ما يزيد عن سبع عقود ليس في فلسطين فحسب بل بعدد من الدول العربية وما الفيتو الأمريكي برفض وقف إطلاق النار "وقف حرب الإبادة والتطهير العرقي" التي تشنها قوات المستعمر الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من السلاح في قطاع غزة والضفة الغربية من نهر الأردن واستخدام الفيتو بإجتماع مجلس الأمن مساء الخميس الموافق 18 /4/ 2024 برفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية كعضو كامل بالجمعية العامة للأمم المتحدة في تحد صارخ لإرادة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعترفت بقرارها رقم 19/ 67 / 2012 بالدولة العربية الفلسطينية كعضو مراقب ومن قبله بموجب قرار الجمعية العامة رقم 181 "قرار التقسيم الظالم " والذي بموجبه تم الاعتراف بإسرائيل عضوًا بالأمم المتحدة مما يعني تلقائيًا الاعتراف بالدولة العربية الفلسطينية على 45٪ من مساحة فلسطين التاريخية عملاً بالشطر الثاني من ذات القرار إلا دليلاً على استمرارية النهج الأميركي بتاجيج الصراعات وعدم الإستقرار الإقليمي والدولي خدمة لمصالحها وهيمنتها.

* رسائل الفيتو الأميركي:

استخدام أميركا المتكرر للفيتو الذي يمثل إنتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم وأهدافها وتأجيجًا للصراعات والنزاعات المسلحة والحروب يعني بكل وضوح أن النظام العالمي القائم وليد نتائج الحرب العالمية الثانية لم يعد صالحًا لتحقيق أهداف ومبادئ الأمم المتحدة بترسيخ وتجسيد وصون الأمن والسلم الدوليين واقعًا دون إزدواجية وإنتقائية وما أدل على ذلك الفيتو الأميركي الذي قوض إمكانية إلزام "إسرائيل" وقف حرب الإبادة والتطهير العرقي ومن قبل إنهاء احتلالها الإستعماري الاحلالي لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة وبرفض الإعتراف بالدولة الفلسطينية إرسال رسائل متعددة الإتجاهات والأهداف منها:

أولاً: منع ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب أو تأخير ولادته ما أمكن لما يعنيه من تراجع النفوذ الأميركي على الساحة العالمية.

ثانيًا: ضمان إستمرار الخلافات البينية العربية وإدامة حال عدم الإستقرار في الوطن العربي الكبير باقطاره بما يعني ضمان الهيمنة الأميركية على المنطقة التي لن تستقيم في حال قيام دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس وطي صفحة الخلافات البينية التي تعني قيام كتلة عربية قوية تفرض نفسها لاعبًا على الساحة العالمية بل قطبًا جديدًا.

ثالثًا: تواصل الرهان على استمرار الدور الوظيفي للكيان الإستعماري الإسرائيلي المصطنع وإعادة تأهيله بعدما تبين هشاشة هذا الكيان لإدامة بقائه قاعدة انطلاق تهدد أي مشروع قطري أو إقليمي يشي بالإنفكاك عن المظلة الأميركية وما السياسة الأميركية لفرض إدماج "إسرائيل" بقلب الوطن العربي دون إنهاءها الفعلي لاحتلال أراض الدولة الفلسطينية المحتلة والجولان السورية إلا خطوة أساس في هذا السياق.

رابعًا: منع إقامة دولة فلسطينية مستقلة لما تعنيه من إيقاف أهداف الحركة الصهيونية العنصرية والإرهابية التوسعية التي تهدف إلى الهيمنة الكاملة على جغرافيا الوطن العربي الإستراتيجية على إمتداده وعلى مصادر ثرواته.

* المجتمع الدولي بعد الفيتو الأميركي:

مثل الفيتو الأميركية الأخير برفض الإعتراف بالدولة الفلسطينية الغطرسة الأميركية وتحديها ورفضها الإمتثال لميثاق الأمم المتحدة ولإرادة المجتمع الدولي من حيث:

أولاً: الفيتو الأميركي يتناقض كليًا مع ديباجة ميثاق الأمم المتحدة وأهدافها.

ثانيًا: إنتهاك للمادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة التي بينت لقبول دولة عضوًا جديدًا بالأمم المتحدة الإلتزامات والشروط الواجب توافرها والمتمثلة بالمحبة بالسلام والإلتزام بمضامين ميثاق الأمم المتحدة وهذين الشرطين متوفران بطلب دولة فلسطين المراقب.

ثالثًا: إنتهاك لحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة إعمالاً وتنفيذًا للقرارات الدولية وأيضًا للمادة الأولى من العهدين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية.

رابعًا: التعسف بإستخدام حق الفيتو المفترض فقط أن يتم إستخدامه فقط في حال كان القرار يقوض الأمن والسلم الدوليين لا في حال تعزيز الأمن والسلم الدوليين وتصفية الاستعمار ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني المحروم من التمتع بحقوقه الأساس أسوة بباقي شعوب العالم بالحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.

خامسًا: إنتفاء اي مصوغ قانوني أو حقوقي أو إنساني لإستخدام حق النقض الفيتو سواء للإعتراف بالدولة الفلسطينية أو أمام وقف العدوان الهمجي الوحشي على قطاع غزة وعموم أراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليًا أو لحرمان الشعب الفلسطيني من العودة إلى مدنه وقراه التي طرد منها عنوة عام 1948 و1967.

بناءًا على ما تقدم فالمجتمع الدولي بغالبيته من دول أعضاء الجمعية العامة ممثلة بالجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ودول الإتحاد الإفريقي ودول عدم الإنحياز والدول الصديقة مطالبة بالإنتفاض والإنتصار لدورها ومكانتها و لهيبتها وحقوقها أمام تغول مجلس الأمن والأميركي خاصة بالعمل على:

- العمل على تعديل ميثاق الأمم المتحدة بسحب كافة الصلاحيات التنفيذية من مجلس الأمن وإناطتها بالجمعية العامة للأمم المتحدة وإلغاء حق الفيتو ونقل صلاحيات قبول دولة جديدة وطرد دولة مارقة من عضوية الأمم المتحدة بالجمعية العامة تحت طائلة تجميد أو انسحاب جماعي من الأمم المتحدة في حال رفض مجلس الأمن إجراء التعديلات المطلوبة.

- التقدم بطلب تجميد عضوية إسرائيل بالأمم المتحدة لإنتفاء شرط قبولها عضوًا ولإنتفاء شروط قبول دولة وفق المادة 4 من الميثاق ولرفض تنفيذ اي من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة خلافًا للمادة 25 ولقيامها بإستمرار احتلال أراض الدولة الفلسطينية والجولان بتحد للمجتمع الدولي وغيرها من الأسباب.

- تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة عبر فرض جدول زمني يلزم الكيان الإستعماري الإسرائيلي إنهاء احتلاله لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليًا ولكافة الأراضي العربية المحتلة تنفيذًا لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة وإتخاذ إجراءات عقابية بحق أي دولة تمكن سلطات الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي الإفلات من المساءلة والعقاب.

الولايات المتحدة الأميركية تثبت برفضها الاعتراف بدولة فلسطين كعضو دائم أنها تقف بالصف المعادي لحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وبتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة في رسالة للعالم بدعم سياسة القوة وتغييب مبادئ الحق والعدالة والمساواة بين الدول والشعوب على حد سواء.
كما أن تبرير أميركا لإقامة الدولة الفلسطينية يأتي من خلال المفاوضات المباشرة مع الكيان الإسرائيلي المصطنع فقد أثبتت الوقائع فشل ذلك وما تنصل وانقلاب "إسرائيل" على إلتزاماتها المنصوص عليها بإتفاق أوسلو بإنهاء احتلالها خلال مدة أقصاها خمس سنوات تنتهي في أيار 1999 وانقلابها على إلتزاماتها على المعاهدة الأردنية الإسرائيلية من حيث الحدود والقدس إلا دليل على عدم الثقة بهذا الكيان المارق الذي يحتمي بالدعم والإنحياز الأميركي مما يستدعي الانتقال من مربع إدارة الصراع إلى مربع حل الصراع عبر فرض إلزام المستعمر الإرهابي الإسرائيلي تنفيذ كافة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

دعم فلسطين وحرية شعبها أضحت أولوية لدى شعوب ودول العالم الحرة، وصورة إسرائيل الدموية الإرهابية التي تمارس جرائم حرب الإبادة والتطهير العرقي والحرب وضد الإنسانية في قطاع غزة والضفة الغربية اضحت سوداء قاتمة أمام شعوب العالم مما يستدعي عزلها على الساحة العالمية.

عجلة التاريخ تدل على أن الاستعمار الإسرائيلي العنصري إلى زوال مهما بلغ حجم الدعم والإنحياز الأميركي الأعمى، والشعب الفلسطيني طليعة الشعب العربي ماض بنضاله مدعومًا من أحرار شعوب ودول العالم بكافة الوسائل المكفولة دوليًا بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني حتى النصر والتحرير وإقامة دولته المستقلة وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948 نتيجة لحرب إبادة وتطهير عرقي وإن طال الزمن؟!