ظللتُ أتابع دون شغف ما يُحلله كثيرون من فقهاء التحليل السياسي من العرب على وجه الخصوص، في زمن كارثة الاستئصال العنصري لشعب فلسطين المتمثل في إبادة مدينة غزة بساكنيها، وفي ظل سيناريو الصراع الإيراني الإسرائيلي، وفي ظل هذين الحدثين استذكرتُ ما أوردتُه في مقالاتي السابقة، عن العلاقة بين أميركا وإسرائيل، فهي ليست علاقة بين دولتين وشعبين مختلفين، بل علاقة صلة جينات سياسية واحدة، أثبتها كتابُ كثيرون، فقد ورد في كتاب، أرض الميعاد للكاتب الأميركي، والتر ماكدوغال النص التالي: «عندما وصل المهاجرون الأوائل من إنجلترا إلى العالم الجديد (أميركا) سمّوا أميركا (أورشليم الجديدة) وكانوا يتشبهون بالعبرانيين القدماء»!
ورد أيضاً في كتاب، «اليهود في أميركا» للكاتب الأميركي، جونثان غولدبيرغ: «يكمنُ الفرقُ الوحيد بين الحزب الديمقراطي الأميركي، وبين الإصلاحيين الدينيين اليهود (الحريديم) في شيء واحد فقط هو أيام العطلات الرسمية»!


قال الجنرال الأميركي، ألكسندر هيغ، وزير الخارجية الأسبق العام 1981 والقائد العام لحلف الناتو من 1974-1979م: «إسرائيل أكبر حاملة طائرات أميركية في العالم، على الرغم من أنها لا تحمل أي جندي أميركي، وفي الوقت نفسه لا يمكن إغراقها»!
قالت، هيلاري كلينتون يوم 22/4/2008 في مهرجانها الانتخابي في بنسلفانيا: «إذا اعتدت إيران على إسرائيل، فسوف نمحوها عن الخارطة»!
ستظل أميركا وإسرائيل إلى الأبد مربوطتين بالحبل السُّري ذاته، على الرغم مما يُردد بأن أميركا ليست إسرائيل، وإسرائيل ليست أميركا، وهذا نوعٌ من الخداع بقناعٍ زائف!
والغريب في الأمر أن هناك عشرات الاتفاقات ومئات البروتوكولات السرية بين أخوين، لا بين دولتين، تنصُّ كلها على تزويد الأخرى بكل المعلومات التي ترد إلى أي طرف منهما، فكل المعلومات عن إيران تصل أميركا من إسرائيل، ومعظم المعلومات عن اقتصاد العرب تصل إسرائيل من أميركا.


وحتى كتابة هذه الأسطر سيظلُّ كثير من العرب من الكتاب والمفكرين، ونجوم الفضائيات من السياسيين والمحللين والمعلقين، يمارسون طقساً عربياً قديماً وحديثاً، يتمثل هذا الطقس التراثي العربي في إلحاحهم على أميركا بضرورة الانفصال عن إسرائيل عربوناً للصداقة بين العرب وأميركا، كما أن بعضهم أيضاً سيظل يُطالب أميركا (الديمقراطية) بأن تردع إسرائيل وتأمرها بالتوقف عن سفك دم الفلسطينيين وترحيلهم، أو أن تقف موقف الحياد، أو أن تشجب عمليات اغتيال معارضي إسرائيل في الخارج!
تذكروا أن إنشاء أميركا تمَّ بالضبط كما أُنشئت إسرائيل، فكلاهما قام على الإحلال والمحو، إحلال جنس جديد ومحو الجنس القديم!
سيظل كثيرون من حاملي الألقاب الفخمة وزبائن الفضائيات يتوهمون بأن أميركا يمكنها ردع إسرائيل عن إقامة المستوطنات، مع أن التاريخ الأميركي يؤكد أنها أسست المستوطنات على أنقاض أكواخ الهنود الحمر، وهم السكان الأصليون!
إن كل الذين لا يدرسون التاريخ وعلم السياسة سيظلون مُضللين أو أسرى لديماغوجيا السياسة، فهم للأسف يساهمون في تضليل الشعوب، وإبعادها عن أحداث ومجريات التاريخ!
وسأظل أردّد الحكمة المشهورة: «كُتِبَ على كل الذين لم يقرؤوا التاريخ أن يُعيدوه مراتٍ ومراتٍ»!