لاحقًا للجزء الأول من هذا المقال الذي نشر قبل ايام على صفحات هذا الموقع. فإن هذه الجرائم ستستمر طالما سُمح لإسرائيل بالعمل دون أي عواقب، وطالما استمرت الولايات المتحدة في توفير الغطاء الدبلوماسي لإسرائيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وإرسال الأسلحة لها رغم خلافات هامشية بينهم حول ما يسمى باليوم التالي، وطالما كان العالم على استعداد للتغاضي عن ذلك.

* محاصرون في اساطيرهم الخاصة

ومن المثير هو حقيقة أن قادة "شعب" هم عبارة عن مجموعات عرقية مختلفة يجمعها الدين قد عرضتهم حركتهم الصهيونية العنصرية بمضامينها لتاريخ مأساوي أثناء الحرب العالمية الثانية وبشكل خاص خلال أعمال المحرقة النازية التي استهدفت الشعوب الأوروبية بشكل عام بما فيهم اليهود الأوروبيين الغير ساميون، يقفون اليوم غير قادرين تماما على التشخيص الصحيح للنتائج النهائية لسياساتهم الإجرامية والمحارق بحق شعبنا الفلسطيني، وما قد يترتب من نتائج عليهم أنفسهم.
حيث أنهم محاصرون بطريقة ما في أساطيرهم الخاصة ، وبأشكال التأرجح بين دور الضحية التي يدعونها ودور الجاني الفعلي الذي أصبح أكثر وضوحًا أمام العالم خاصة وأنهم يقفون اليوم أمام العدالة الدولية كجناة بحق شعبنا والأعراف والقوانين الدولية.

* لا يمكن لوم الضحية

إن قيام حكومة الأحتلال الإسرائيلية بوقف المذبحة الآن في غزة سيُعتبر هزيمة بمعاييرها الخاصة، لأنها فشلت حتى الآن في إبادة المقاومة كعمل وفكر كما كانت تعلن عن ذلك ضمن اهدافها ، بعد ان دمرت ٦٥٪ من غزة وشردت إلى النزوح أكثر من ٧٥ ٪ من سكانها. تلك المقاومة التي تستمر الآن بأشكال مجموعات حرب العصابات ضد جيش منظم مدجج توقع به الخسائر التي لم يعتاد عليها طيلة ٧٦ عامًا مضت، رغم تضحيات شعبنا الكبيرة. وبغض النظر عن عدد من الأسئلة المشروعة التي يتوجب الإجابة عليها لاحقًا حول مفاهيم المقاومة وقرارات الحرب والسلم بعد وقف هذا النزف الجاري من الدماء أولاً نتيجة حرب الإبادة، دون أن يلوم أحد الضحية اليوم بغض النظر عما نتفق عليه أو نختلف مع بعض أجنحتها السياسية والفكرية الآن كما وخطيئة انقلابها في غزة سابقًا. فلقد غير ما بعد السابع من أكتوبر كافة المعادلات الكلاسيكية والمعتادة للصراع بالمنطقة كما وعدد من المفاهيم أيضًا. ومن الضروري الآن أن يعزز ذلك من جهة اخرى وحدة ابناء شعبنا وكافة قواه السياسية في إطار قيادة موحدة التي يجب أن تتمثل في إطار منظمة التحرير حتى نتمكن من مواجهة ما هو قائم وقادم.

وضرورة عدم إضاعة الفرصة التي ولدتها الحرب من تحولات جوهرية في منحى الرأي العام الدولي لدى الشعوب وعدد من الحكومات التي ترددت بالسابق، وبما يؤهل التوجه الفلسطيني إلى المنظمات الأممية لاستكمال ما هو مطلوب على طريق فرض العقوبات على إسرائيل وطلب التعويضات منها لدولة فلسطين المعترف بها عن ما خلفته من تدمير وجرائم الإبادة، تمامًا كما دفعت وما زالت تدفع ألمانيا لعدد من الدول على اثر ما قامت به حكومة الرايخ الثالث النازية فيها أنذاك، وحتى لو تتطلب ذلك السعي من أجل إقامة محاكم دولية خاصة ووطنية كذلك.

* فكر الثورة وحركات التحرر

إن نتنياهو وحكومته لن يتمكن من القضاء على فكرة المقاومة المسلحة وغيرها من أشكال الثورة المشروعة وفق القوانين الدولية لشعب تحت احتلال، من دون التوصل إلى حل سياسي ينهي الاحتلال والعدوان اولا ويحقق لشعبنا حقوقه التاريخية السياسية والقانونية وبالمقدمة منها حق تقرير المصير ومتطلبات السلام الثابت التي أقرتها القرارات الأممية والقانون الدولي.

* فشل إسرائيل

ستفشل إسرائيل في تهجير الفلسطينيين وضم غزة كما فشلت في مشاريع سابقة، حيث كان قادتها يعلنون من وقت لآخر أهدافهم تلك، بما يتطلبه ذلك من مواقف عربية على الاقل ترتقي إلى مستوى مواقف دول صديقة مثل جنوب إفريقيا، نيكاراغوا وكولمبيا. فإسرائيل تعاني الآن من هزيمة سياسية خطيرة للغاية بدات تعصف بنظام حكمهم وفئات مجتمعهم وتصاعد خسائرهم الإقتصادية. كما أن الولايات المتحده ترغب في تغير الحكم باسرائيل بما يضمن الارتقاء بالعلاقة الإستراتيجية وخدمة الرؤية الأمريكية للمنطقة والنظام الدولي على قاعدة مطالبها بالتجديد والتجدد كما تطلب ذلك وتشترط من كل حكومات المنطقة بهدف بيعها أوهامًا وسرابًا جديدًا. وهو أمر أصبح اليوم كما بالأمس أكثر وضوحًا بعد وضوح موقفها المطلق الذي عبرت عنه الإدارة الأميركية اليوم برفضها لمشروع قرار مجلس الأمن حول رفع مكانة دولة فلسطين من عضوية دولة مراقب إلى كاملة العضوية في الأمم المتحدة، واعتبرت ذلك خروجًا عن "مسارها" المفروض بالتفاوض المباشر بما يدلل على وهم فكرة الدولة التي تعلن عنها!!

إن تبدُد كل رأس المال السياسي "والأخلاقي المزعوم " الهائل الذي كانت تمتلكه وتدعيه دولة الاحتلال حتى وقت قريب بسبب فزاعة المحرقة "الهولوكوست و معاداة السامية"، الذي أصبح شعبنا الفلسطيني اليوم بنظر العالم هو ضحية نسختها الصهيونية، فباتت اليوم فلسطين حاضرة في كل شوارع العالم، وهي غير قابلة الآن للاختزال أو تجاوزها.

وبما أن القيادة الإسرائيلية ترفض أي فكرة لوقف عمليتها الإجرامية في غزة، فإن السبيل الوحيد للمضي قدماً في رؤيتها للحسم المبكر هو استمرار وتسريع الإبادة الجماعية التي ترتكبها ومن ضمنها اجتياح رفح مع نتيجتين محتملتين: الأولى ، هو قبول مصر والدول الأخرى بأبناء شعبنا على أراضيها بعد تهجيرهم القسري أو الطوعي الإجباري، وهو الأمر الذي لا يبدو محتملا حتى الآن. والثانية، هي استمرار إبادة الفلسطينيين، حيث معظم العواصم والمحللين لا يؤمنون بمثل هذا الاحتمال، لكنهم لا يؤمنون به ليس لوجود سبب لعدم الإيمان به، بل لأنهم إذا صدقوه فسيتعين عليهم مواجهته، لأن هذا الاحتمال سيقدم لهم معضلة كسر اعتمادهم على إسرائيل ومواجهتها، أو ما يتبعه من نتيجة إلى الهاوية. هذه هي معضلة بايدن وغيره الآن، وهو لا يريد الاعتراف بها ومواجهتها، بل يبذل قصارى جهده لتجنبها.

وذلك يتشابه نوعًا ما بما يحدث بحربه بالوكالة بأوكرانيا، والتدخلات الانتقامية ببعض دول امريكا اللاتينية بعد فوز قوى اليسار المناهض للسياسات الأميركية فيها بإثارة الفوضى هنالك والحروب في مناطق أخرى تقرب العالم من أزمة يصعب حلها في حال تطورت.

* خيار إسرائيل واضح

انطلاقًا من الهجوم على منظمة أميركية تقوم بتوزيع المساعدات على سكان غزة الذين يعانون من الجوع، وهي واحدة من آخر المنظمات التي بقيت في المنطقة، وأيضًا من حقيقة أن قواتها تركت مستشفى الشفاء مع أكوام الجثث بداخله، هي محاولات لترهيب المنظمات الانسانية التي تقدم المساعدات، بالوقت الذي أقرت به حزمة المساعدات العسكرية الأميركية الجديدة. فمن الواضح أن الهدف هو محو أبناء شعبنا هنالك إذا اختاروا عدم المغادرة. ويقدر الخبراء البريطانيون أنه بحلول نهاية العام سيكون حوالي نصف مليون فلسطيني قد ماتوا، ليس فقط من القصف والعدوان، ولكن أيضًا من نقص الغذاء والماء والرعاية الطبية وظروف النظافة غير الصحية، ومن الممكن وفق رؤيتهم أن يكون هناك أكثر من نصف مليون ضحية في النهاية.