في خطوة موازية لدولة جمهورية أفريقيا الجنوبية، التي رفعت دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية على دولة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلية في نهاية ديسمبر 2023 بارتكابها حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والتي قبلتها المحكمة، وأصدرت بشأنها تدابير وأحكام ملزمة لإسرائيل بوقف حرب الإبادة الجماعية، رفعت دولة نيكاراغوا الصديقة والشقيقة في آن أسوة بكل دول وشعوب أميركا اللاتينية دعوى قضائية في شهر مارس الماضي دعوى قضائية امام اعلى محكمة عالمية على دولة المانيا لمساهمتها المباشرة بحرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا من خلال إمدادها إسرائيل بالسلاح، وكونها تأتي بالدرجة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية من حيث تورطها في الحرب المجنونة. 


وطالبت نيكاراغوا السندانية في مرافعتها التاريخية والهامة أول أمس الاثنين 8 ابريل الحالي أمام محكمة العدل الدولية بإلزام المانيا بوقف دعم إسرائيل في "تدمير" الشعب الفلسطيني، الذي وصفته ب"التعرض لأكثر الأنشطة العسكرية تدميرًا في التاريخ الحديث". وقال الفريق القانوني النيكاراغوي إن ألمانيا "مسؤولة عن الإبادة الجماعية في غزة بدعمها إسرائيل"، منتهكة إتفاقية منع جريمة الإبادة، وأضاف الفريق القانوني أن الدعم العسكري الألماني لإسرائيل "زاد 10 أضعاف" مقارنة بعام 2022، وأن "شركات التصنيع العسكري الألمانية تحقق أرباحًا من الحرب على غزة"، واستنكر "محاولة ألمانيا إقناعنا بأن أسلحتها لا تستخدم في الإبادة الجماعية في غزة". وتابعت نيكاراغوا في الدعوى أن صدور قرار عن المحكمة في هذا الشأن يعد "ضروريًا وملحًا"، نظرًا لأن حياة "مئات الآلاف" من الفلسطينيين على المحك. 
وقال رئيس الفريق القانوني النيكاراغوي، كارلوس خوسيه أرغويلو غوميز للمحكمة إن ألمانيا انتهكت اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 من خلال الاستمرار في تزويد إسرائيل بالأسلحة بعدما قضى قضاة محكمة العدل الدولية أنه من المحتمل أن إسرائيل انتهكت بعض الحقوق المكفولة بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية أثناء هجومها على غزة.


وعمق أرغويلو غوميز رؤيته القانونية بالقول "لا شك أن ألمانيا. كانت تدرك جيدًا، وتعلم جيدًا، على الأقل الخطر الكبير المتمثل في ارتكاب إبادة جماعية" في قطاع غزة، وأضاف إلى أنه بموجب معاهدة منع جريمة حرب الإبادة الجماعية، يتعين على الدول الموقعة مثل المانيا منع حدوث إبادة جماعية.
وتفترض نيكاراغوا وفريقها القانوني أن تؤدي جلسات الاستماع المتعلقة بالتدابير الطارئة التي تعقدها محكمة العدل الدولية إلى إصدار أوامر قضائية عاجلة وأولية لضمان عدم تفاقم النزاع أثناء النظر في القضية المرفوعة، التي قد تستغرق سنوات لحين البت فيها إلى النتيجة النهائية. 
وتكمن قيمة وأهمية دعوى نيكاراغوا في أنها أولاً جاءت لتعمق دعوى دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بارتكابها وحلفائها حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني؛ ثانيًا كونها تأتي في أعقاب قرار مجلس حقوق الانسان الأممي بمنع تصدير الأسلحة لدولة إسرائيل، وهو ما يعزز موقفها ودعواها القضائية؛ ثالثًا كما أنها أتت بعد 3 أيام من رفع محامين وحقوقيين ألمان، دعوى قضائية عاجلة في محكمة برلين الإدارية، ضد تصدير الأسلحة الألمانية الى إسرائيل، مطالبين ألمانيا بوقف تسليم أسلحة لإسرائيل على الفور. وقال المحامون والحقوقيون الألمان يوم الجمعة الماضي 6 ابريل الحالي، إنهم رفعوا دعوى قضائية عاجلة في برلين ضد الحكومة الألمانية، لإلزامها بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، مؤكدين أن الأسلحة تستخدم في غزة بطرق تنتهك القانون الإنساني الدولي.


وربط رئيس الفريق النيكاراغوي أرغويلو غوميز في المؤتمر الصحفي بعد المرافعة يوم أول أمس الاثنين بين ما يجري في فلسطين اليوم، وما حدث بالأمس في نيكاراغوا نفسها في ثمانينات القرن الماضي، حين رفعت قضية أمام محكمة العدل الدولية ضد الولايات المتحدة قبل 40 عامًا، متهمة إياها بخرق القانون الدولي من خلال دعم المعارضة المسلحة في الحرب ضد حكومة نيكاراغوا وتفخيخ موانىء البلاد، التي نجم عنها حينذاك سقوط 75 ألف ضحية، بينهم 29 ألف قتيل، وقد أقرت المحكمة حينها باستخدام واشنطن القوة بشكل غير لا شرعي، وأصدرت قرارًا بغرامات مالية لصالح نيكاراغوا ولكن إدارة ريغان الاسبق رفضت الانصياع كعادتها لقرار المحكمة الدولية الأعلى في العالم. 
ولم يكن إيراد رئيس الوفد القانوني النيكاراغوي استباحة الولايات المتحدة قرار محكمة العدل الدولية مصادفة، أو لمجرد ذكر الحادثة، وإنما شاء الربط العميق بين دور إدارة بايدن الحالية في حرب الإبادة الجماعية، ومشاركتها وقيادتها  المباشرة بحرب الإبادة الجماعية على فلسطين، وإدارة ريغان قبل 40 عامًا ضد نيكاراغوا، ليؤشر بإصبعه على دورها في كل حروب الإبادة التي شهدتها البشرية خلال العقود الماضية، وليميط اللثام عن دور الدول الامبريالية بقيادة البيت الأبيض في انتهاكها للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي بهدف إخضاع شعوب العالم لمآربها الاستعمارية القميئة، ولنهب ثروات شعوبها. 
لم يكن مستغربًا موقف نيكاراغوا الشجاع في ظل قيادة الرئيس اورتيغا، الزعيم السندانيسيتي نصير الشعوب المظلومة والمنكوبة بويلات الاستعمار الرأسمالي بشكليه القديم والحديث، فضلاً عن أن العلاقات الكفاحية ووشائج الترابط بين شعبي وقيادتي الشعبين النيكاراغوي والفلسطيني عميقة وأصيلة، لأنهما في الخندق الأمامي في الدفاع عن القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، ولحرصهما على السلم والأمن العالميين، ولتأمين وانتصار الحق الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتقرير المصير وعودة اللاجئين إلى أرض وطنهم الأم فلسطين، وغروب شمس الاستعمار الإسرائيلي مرة وإلى الأبد عن دولة فلسطين المحتلة. شكرًا نيكاراغوا قيادة وحكومة وشعبًا، وشكرًا لشعوب وقادة أميركا اللاتينية أنصار السلام والعدالة السياسية والاجتماعية والقانونية.