أيها القاعدون المنتظرون للإعلان عن وقف إطلاق النار، والانتظار هنا له أشكال مختلفة فمنهم من ينتظر للخلاص من الموت المتربص بكل اللحظات، ومنهم من ينتظر تأجيل الموت والقتل ولو إلى حين، وهناك من ينتظر لينقض على الحلم لاحالته إلى كابوس، والكوابيس أضحت الحقيقة الراسخة هنا، ومنهم من يعد العدة ليعبر عبوره المظفر على متن الهزيمة، واخر يسيل لعابه لتكون له الحصة من غنائم إعادة ما يسمى بالإعمار والاعمار بعيد المنال، ومنهم من يهدف لأن يتربع على عرش الزعاميتة.

أيها القاعدون المنتظرون أساطيل السحق والحرق والقتل لإنهاء المهمات وانتم ترقبون قوافل الجند العبرية العابرة للحواري المدمرة، أيها القاعدون المنتظرون جند يهوذا، لسحق ما تبقى من البيوت الأيلة للسقوط في غزة البحر، تكبيراتكم لن تعلو وستكتشفون عاجلاً إنهم سيتساقطون على أسوار القلاع المحصنة الحصينة حامية أحلام البسطاء وفقراء الليل يعرفون اتجاهات الريح الشمالية ويعلمون خفايا عشقهم للتراب المجبول بعرقهم ولن يبيعوا أحلامهم الصغيرة وسيحددوا بوصلتهم، وكسرى وإن كان ضجيجه عاليًا يعرفون انه مبدع بتجارة الرقيق والبيع والشراء. وبوصلة لا تشير إلى أم المدائن العتيقة القدس مقتنعون إنها المشبوهة وتبقى العنتريات الكلامية ثغاء أحوى والتجارة الرائجة في ظل عصر حريم السلطان. 

وأنت القاعد حيث أنت تراقب المشهد ما بين الأمس وقصته واليوم وبشائره وللقادم حكاية أخرى بأسفار التكوين، وحيث أن الحروف تهبط عليك كونك للكتاب جامع حروفه فلابد من الاستجداء ولو قليلاً في محاولة لتفكيك استعصاء الفهم الطبيعي فقد عاد المجوس إلى ساحات الوغى ولابد من إشهار السيف بوجه الزنادقة وإعادة الخليفة إلى بيته على التلة المشرفة ولتصدح الأبواق معلنة عن القدوم الجديد لأنصار الدين وولاة الله على الأرض وقطع الرؤوس بالميادين واحدة من أساليب استعادة هيبة النص الإلهي إلى أزقة العابثين ومن لا يتعظ فجهنم وبئس المصير. والأرزاق من يتحكم بها المولى عز وجل، وهنا حيث هنا تنقلب الموازيين ويصبح امبرطور المنصة عازمًا العقد على حرق المتمرد وان كان ببيت الله معتصمًا، وباستيلات يهوذا تعلن تمردها بكل الاتجاهات وبكل الأمكنة بعد أن أصبح الإهمال سيد الموقف وبعد اصبح القائد مجرد رقمًا في حسابات مصالح أباطرة اليوم ولا يمكنه أن يتولى مقعده في بوتقة القيادة ولا مكان لمانديلا في صياغة المشروع الوطني الجديد.

بالهرج والمرج، وبالضحك على الذقون كانت البيعة والمبايعة، وأدرك القوم أنه القادم على صهوة المحبة والمنهج السليم في خبايا الخراب، فكان التهميش مرة أخرى. 

واعدوا العدة وطردوا الحالمين من يوميات ازقتهم، وتجمعوا بكل الثنايا وأيقنوا أن لحظة الانقضاض قد باتت مواتية لاقتناص الغنائم بعد ظلوا مختبئين بالكهوف وقد حانت الساعة لممارسة أعتى أشكال الدهاء في فن السياسة والباطن عكس الظاهر والظاهر هو استبدال للعباءة فبعد أن كان العسس يطاردون الحالمون بأزقة التغير والطامحون للأمن والآمان في البقاع المسماة بالأوطان صار الاختباء من نظراتهم سيد الموقف ومطاردة التائهة على شواطئ القبيلة، ومن جديد سنحاور ذواتنا امام شجر الزيتون في ظل الحقد على التين والزيتون وحكايا الجدات، وسنرى المشهد من جديد، ونعاود فهم ما يحدث، أو بالأحرى محاولة استيعاب المفردات الجديدة بقواميس الإيمان المطلق لأمام العصر الجديد. 

وندقق النظر بعيون ذابلة ومحبطة بمشهد الفرار والهروب من وطن يُقال أنه الوطن، في ظل الغزوات المبتكرة لمطاردة اللاهثين خلف شظف العيش بكرامة وحرية، واخيرًا اعتلوا ويعتلون منصة التشريع ولهم بالقول والكلام ما سيصغونه ويمطروننا به من خلال مفردات غير قابلة للنقاش أو التأويل، ولا مكان للاختلاف هنا وهو ممنوع ومحرم ومن أفعال إبليس، ولا حقيقة إلا حقائقكم، ولا رؤية إلا كما ترونها أنتم، أولستم المنتصرين حتى الأن بمعارك تطهير الجغرافية وفقًا لما تعتقدون من ملحقات التاريخ الماضي والتاريخ لا يبدأ إلا من خلالكم حسبما نصت عليه مزامير أدبياتكم.

تعالوا نناجي الرب بحضرة الانكسار والظلم، وان كان القهر سيد الموقف، ولا داعي لأن نمارس خداع الكلام المعسول والممزوج بدبلوماسية الكذب والتكذيب، ولنصارح فقراء أرصفة الشوارع والجوع، ومن يجوبون الحواري بحثًا عن حقيقة وجودهم، وهل باتت اسماءهم وكنى عائلاتهم من مرادفات إبليس الجديد؟

أيها الليل انتظرهم قليلاً ليلتقوا مع جميلاتهم وامنحهم القليل من الموت قبل أن تعلن عن موعدهم مع النوم الأبدي في كهوف مكفهرة باردة، فالله سيعلن عن موتهم أيضًا وإرادة البسطاء من إرادة الرب وهم التواقون لإغفاءة ولو قليلة على أكتاف الحبيبة والخنساء ستطأطأ رأسها احترامًا واجلالاً للثكالى اليتامى الضائعين الهائمين على وجوههم ورقعة الجغرافيا المسماة بالوطن ستظل كما هي دون ان تختفي الجبال وقلاع البحر ستستقبل الأساطيل من جديد بصرف النظر عن المنتصر وللنصر وجهان. والرقيق والسبايا هم سادة وسيدات القبائل المهزومة على أطراف القبائل المتناحرة وتاج كسرى سيتوج الرأس المعممة بالوشاح الأسود وصغار القوم بأطراف المدينة سيحاولون أن يعتلوا اسطحة منازلهم مكبرين مهللين متضرعين للرب بان يحمي عرينهم. 

وعذرًا لشاعر قال ما قال بحضرة الرب حينما ضاقت رقعة جغرافية الوطن عليه وولى الأدبار هاربًا بعتمة ليل غاب القمر ليلتها ليكون فعل الهروب ممكنًا وانشد مناجيًا رب وطنه والأوطان متمنيا على أبواب سنته الجديدة أن يكون للوطن معنى وأن يكون لإنسانيته حقيقة يفهمها الأخر، فحينما يصبح هذا الوطن سجنا والسجان رفيق الأمس، وحينما يتحول الوطن مرتعًا لممارسة العهر في وضح النهار، ومملكة لأمراء المجون، يصير كل شيء مباح، وانهيار مداميك ما يسمى بالقيم والاخلاق والمحرمات فيه الكثير من وجهات النظر. فنيرون احب روما واحرقها، والحجاج حفظ كلام الله وقصف الكعبة، تعالوا لنقول كلمتنا بوجه التنين ولمرة واحدة وليكن من بعد ذلك الطوفان، سئمنا التحليل والتعقل وممارسة اقصى درجات الضبط والحكمة ولربما يتطلب الموقف ان نصبح المجانين بوضح النهار، وجنون الجماهير فيه الكثير من التعقل حينما تعجز القيادات بليلها. هي كلمة للتاريخ وليغضب من يغضب، فلم يعد يهمنا غضب حفنة من الفاسدين والسماسرة وحفنة من الدراويش المتطرفين والعنصريين، فهم الحاقدون على الأفكار المبدعة المحلقة بعنان السماء، وهم من يخافون من ان يصبح الوطن وطنًا فعليًا للكل ومن لا يرى الوطن إلا بعيون لغة الدولار والبزنس، يرتعبون من الفكر الحر، يرتعبون من قصيدة حب ومن ظفيرة سمراء ترقب سويعات الغروب على شاطىء البحر المائج أو من قصيدة صوفية تحاول مناجاة الله بعيدًا عن الشهوة والملذات بالعسل الموعود وحوريات العين. 

هذه الخربشات والمفردات تأتي في ظل واقعية ووقائعية المشهد الراهن في ظل معركة الجوع وللجوع قصص يعلمها العشاق جيدًا، فأعذروا لي خربشاتي يا سادة القوم وصغاره، واعذروا حزني وبكائي على الوطن الضائع المسلوب.