بعدما كان مرادفًا للخير، بات المطر يحمل معه صعوبات جديدة للمواطنين في مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة، إذ يضيف إلى معاناتهم في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل، ويثير الخوف في نفوس الأطفال الذين لا يميّزون بين دوي الرعد وصوت القصف الإسرائيلي.

وتقول عبير الشاعر النازحة من مدينة خان يونس والمقيمة حاليًا في خيمة بمدينة رفح "لم نعرف النوم طوال الليل، فقد غرقنا من المطر، وصوت الرعد كان مخيفًا ونحن لم نعد نستطيع التمييز بين صوت الطيارات والرعد"، مؤكدةً أنه من حدة المعاناة، أصبح الأطفال يخافون من أي صوت، بخاصة بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على العدوان.

ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، يمضي سكان غزة يومياتهم على إيقاع القصف المدفعي والجوي الإسرائيلي، وهدير المقاتلات الحربية والطائرات المسيّرة الإسرائيلية التي لا تفارق سماء القطاع المحاصر.

وفي منطقة الشابورة داخل مخيم رفح للاجئين، راحت آية تساعد والدها محمود سعد على وضع التراب الذي نقلته في حلة الطبخ حول خيمة العائلة لمنع تسرب المياه إليها، بعدما أغرقتها الأمطار الغزيرة التي تساقطت منذ فجر الثلاثاء.

وتقول آية البالغة من العمر 20 عامًا: "أمطرت الدنيا في الليل ودخلت المياه إلى الخيمة وتبلل الفراش والأغطية وخرجنا لنحتمي تحت سقف المسجد" الواقع على بعد 250 مترًا من المكان، وعندما تمطر لا ننام، فالشتاء خير في كل الدنيا إلا عندنا في غزة ... مصيبة.

نزحت الشابة آية وعائلتها من حي الشجاعية بشرق غزة إلى خان يونس، ومنها إلى رفح التي باتت تؤوي الغالبية العظمى من أكثر من 1,7 مليون مواطن نزحوا عن منازلهم في القطاع جراء الحرب، وفق أرقام الأمم المتحدة. واضطر العديد من هؤلاء النازحين إلى الإقامة في خيم عشوائية تفتقر إلى التجهيزات اللازمة.

وتشير آية إلى طعام مخصص للإفطار، كناية عن علبة بازلاء وعلبة فول ومياه وسبعة أرغفة خبزتها على الحطب، وتقول: "دُمّرنا، لا أكل ولا شرب للسحور أو الإفطار وكل شيء حزين والجميع مكتئب".

وعند الظهر، مع سطوع الشمس وضع الأب الفراش ليجف على سطح الخيمة المصنوعة من القماش السميك والنايلون ومساحتها نحو تسعة أمتار مربعة. حولها، أكثر من 20 خيمة لم يكن مصيرها بأفضل منها. فمعظم الخيام المصنوعة من النايلون وبعض ألواح الصفيح، مزقتها الرياح وبلّل المطر ساكنيها.

بين الخيام المنصوبة على الرمال، قنوات ضيقة لتصريف المياه التي تساقطت طوال الليل، وأطفال معظمهم حفاة يسيرون فوق البرك، غير آبهين برجل ينهرهم قائلاً "لا تلعبوا هنا! هذه مياه قذرة وسوف تجلب لكم المرض".

في منطقة المواصي الساحلية غرب رفح اقتلعت الرياح عشرات الخيام المنتشرة على جانبي الطرق، وعلى الأرصفة وبجانب أسوار مدارس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) ومراكز الإيواء، وجعل البلل الأطفال يرتجفون وأسنانهم تصطك من شدة البرد.

وفي ظل المعاناة من المطر والبرد، لا يجد الغزيون سوى احتضان أولادهم وسيلة لتهدئة روعهم.

ويوضح أكرم عليان النازح من خان يونس مع عائلته "فراشنا مبلل، والمكان ضيق، حضنت أولادي لأخفف من خوفهم والمطر يغرق الخيمة".

ويضيف: "نحنا ما لنا والحروب؟ كنت اعمل في سوق الفواكه وكان دخلي يكفيني، اليوم لا أعرف ماذا أجلب، حليب أم حفاظات للأطفال، فالأسعار غالية، لا مأوى ولا ملابس لأطفالي، والخيمة تمزقت من شدة الريح، تعبنا".

الحال مماثل لدى أم عبدالله علوان النازحة من جباليا بشمال القطاع، والتي تقول: "نحن 14 فردًا لم نعد نميّز القصف من رعد المطر، أولادي يبكون من الخوف، غرقنا ونحن نائمين في الشارع لا نعرف أين نذهب".

وتشير إلى أنها وأبناؤها تكوموا فوق بعضهم البعض ليشعروا ببعض الدفء "وقد مضى علينا أكثر من 160 يومًا في الحرب ونحن نعاني، يشهد الله أنني قد بكيت من شدة البرد، قتلونا في وطننا".

وتسبب العدوان الإسرائيلي بظروف إنسانية كارثية، لجأ مئات الآلاف من أبناء شعبنا من بقية أنحاء القطاع، إلى أقصى الجنوب، في مدينة رفح على الحدود مع مصر، هربا من القصف الإسرائيلي المتواصل، حيث يعيشون في خيام معظمها مصنوعة مما تيسر لهم.

وتقول ياسمين شيخ العيد (43 عامًا) النازحة من بلدة عبسان شرق خان يونس بصوت مرتجف وهي ما زالت تحت صدمة سقوط ركام شقة أصابها صاروخ إسرائيلي في مبنى مجاور على خيمتها "كان الصغار نائمين. لم نسمع صوت انفجار. سمعنا صوت أزيز وبعدها تطايرت الحجارة".

وتضيف السيدة التي أصيب زوجها وأطفالها بجروح: "كانت أختي تحت الركام وكل الحجارة فوقها، أخرجناها وزوجها بأعجوبة، أختي نازحة من خان يونس، خرجت من الموت وجاءت إلى الموت".

وارتفعت حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 31819، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. كما ارتفعت حصيلة الإصابات إلى 73934، في حين لا يزال آلاف الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، حيث يمنع الاحتلال وصول طواقم الإسعاف والإنقاذ إليهم.