من تفاجأ بمصادقة الكونغرس الأميركي على مشروع قانون يحظر على جميع أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية دخول الأراضي الأميركية يوم الأربعاء 31 يناير الماضي بأغلبية 422 صوتًا مقابل صوتين ضد المشروع يكون لا يعرف واقع النخب السياسية في الولايات المتحدة، ويجهل في آن حجم الأموال التي تدر على أعضاء المجلسين الشيوخ والكونغرس من قبل "الايباك" والمنظمات الصهيونية والمنظمات المسيحية الافنجليكانية ومن لف لفها لربطهم بعجلة سياساتهم، وبحيث يكونوا أدوات رخيصة لتمرير أهداف الحركة الصهيونية المتفشية في أوساط البناء الفوقي السياسي والقانوني والثقافي التربوي والفني، وحدث ولا حرجة عن المؤسسات الاقتصادية والعسكرية الأمنية الأميركية. 


وعلى سبيل المثال لا الحصر فان اللجنة الأميركية – الإسرائيلية للشؤون العامة (ايباك) رصدت 100 مليون دولار أميركي لهزيمة أعضاء ما يعرفن في مجلس النواب ب"الفرقة" في الانتخابات القادمة، أي النائبات المناهضات لإسرائيل، والرافضات مهاجمة او ادانة قوى المقاومة الفلسطينية، وفق تقرير أعدته ليا مكارثي وليزا كاشينسكي في موقع بوليتيكو. وحسب التقرير ففي عام 2022 أنفقت مجموعة تابعة ل"ايباك"، وهي "المشروع الديمقراطي المتحد" حوالي 26 مليون دولار لمساعدة مرشحين مؤيدين لإسرائيل فاز عدد منهم. وارتباطًا بذلك، فإن عملية الرشوة المالية للنواب ليست منْة، ولا كرم اخلاق، ولا تبرع مجاني، وانما كل سنت له ثمن، هذه مجموعة وليست كل المنظمات والجمعيات الصهيونية المتفرعة عن الايباك الصهيوني. 
وبالعودة لرسالة المقال الأساسية، فإن تصويت أعضاء الكونغرس ليس مفاجئًا، ولا مستغربًا. كما أنه لا يضيف جديدًا لنهج سياسات الولايات المتحدة واداراتها المتعاقبة تجاه منظمة التحرير الفلسطينية وهياكلها وهيئاتها القيادية منذ العام 1975 عندما صادق البرلمان الأميركي على قرار تصنيف منظمة التحرير بممارسة "الإرهاب" في تناقض فاضح مع قرارات هيئة الأمم المتحدة، حيث جاء ذلك القرار في اعقاب انتزاع اكثر من قرار اممي منح فيه الشعب الفلسطيني حق استخدام كافة أشكال النضال لتحقيق هدف الحرية والاستقلال وتقرير المصير، ومنها وصف الصهيونية بالحركة الرجعية والعنصرية ..إلخ، ووضعها على قوائم الإرهاب. مع أن القيادة الفلسطينية بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو في 13 أيلول / سبتمبر 1993 طالبت وتطالب الإدارات المتعاقبة برفع منظمة التحرير من تلك القوائم. لا سيما وأن التوقيع على الاتفاقية المشؤومة تم في البيت الأبيض الأميركي، كما أن واشنطن كانت الراعي الوحيد لعملية السلام على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، لكنها لم تستجب ولا لنداء واحد حتى الآن.


مع أنها في الآونة الأخيرة بعد اشتعال نيران حرب الإبادة الجماعية الوحشية في 7 أكتوبر 2023 ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ادعت أنها قد تعترف بالدولة الفلسطينية، ولكن كل ادعاءاتها شكلية وكاذبة حتى لحظة اعداد هذا المقال، إلا إذا غيرت بالممارسة وفي الواقع نهجها، واعترفت حقيقة بالدولة الفلسطينية. ورغم ذلك يطرح السؤال التالي، كيف يمكن التوفيق بين من يقود حرب الإبادة على القطاع، ويواصل إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة الإبادة الجماعية، ويستخدم حق النقض الفيتو ضد مشاريع القرارات الأممية التي تنادي بوقف الحرب، ويضغط على الدول العربية للاندفاع نحو التطبيع المجاني مع إسرائيل، ويرغمهم على تعويم صفقة هدن تافهة ومبتورة مقابل تبادل الاسرى، وفي نفس الوقت يذهب الكونغرس للمصادقة على قرار لمنع دخول أعضاء الهيئات القيادية للمنظمة إلى الأراضي الأميركية؟ ومع من ستتفاوض الإدارة الأميركية لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة؟ ومن مع ستبني ركائز السلام؟ صحيح ان الكونغرس سيد نفسه، ولكن الإدارة وحزبها يستطيعون الحؤول دون تمرير أي مشروع قانون إن أرادوا، أو على الأقل في حال تم تمريره، فسيمرر بالحد الأدنى، وليس 422 عضوًا. 


القانون الجديدة جزء لا يتجزأ من مواصلة حرب الإبادة على الشعب العربي الفلسطيني، ورغم أنه لا يضيف جديدًا، إلا أن تمريره أثناء حرب الإبادة ومواصلتها لليوم 117 (يوم الأربعاء الماضي) يعكس التواطؤ والشراكة المعلنة لمؤسسات الدولة الأميركية التنفيذية والتشريعية في حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني الأعزل، والمنكوب بدولة الاستعمار الإسرائيلية الفاشية، ويميط اللثام عن ازدواجية المعايير الأميركية، واستهدافها المعلن لمكونات الشعب الفلسطيني جميعها بدءا من منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد، والسلطة الوطنية وحكومتها الشرعية وأطرها ورموزها المختلفة، وكشفت وفضحت رياءها وأكاذيبها، الأمر الذي يتطلب عدم التساوق معها، او المراهنة على أكاذيبها، دون أن يعني ذلك قطع العلاقات معها. لأنها مازالت الدولة المقررة في السياسة الدولية.