انطَلَقوا باندفاع وحماسة وبوتيرة عالية غير مسبوقة، وكأنهم في مضمار سباق قصير، لتحقيق أرقام قياسية جديدة شخصية في عملية اغتيال سياسي لرئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية الرئيس الإنسان أبو مازن، متبوع باغتيال مادي! فلو كانوا حقا من (عائلة الإستراتيجية) ومراكزها لرجعوا إلى أرشيفهم، وبحثوا في الجواب على سؤال: لماذا قال أركان سياسيون وأمنيون في منظومة الاحتلال والاستيطان العنصرية إسرائيل: "إن أبو مازن أخطر فلسطيني على وجود إسرائيل"، أما الجواب: فلأنه  يناضل على رأس قيادة فلسطينية بعقلانية، ومعرفة، وبعلم راسخ، وحكمة، وصبر وشجاعة، وبثقة وإيمان بحق الشعب الفلسطيني التاريخي والطبيعي، ولأنه استطاع تفكيك كذبة المنظمة الصهيونية، وأسقط قناع الديمقراطية الإسرائيلية، وكشف حقيقة منشأها الاستعماري، وخطرها المتنامي على الاستقرار والسلام في العالم وعلى اليهود بموازاة خطرها على وجود الشعب الفلسطيني وأرض وطنه فلسطين.

لم يصدقوا انبعاث الضوء الأميركي الإسرائيلي الأخضر، وابتداء الحديث عن سلطة فلسطينية متجددة، حتى سارعوا لتقديم أوراق اعتماد ليكونوا أداة تنفيذية خطة ومرحلة اليوم التالي لانتهاء حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، وذهبوا في العدمية إلى حد اعتبار التزام عضو اللجنة المركزية لحركة فتح المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة بأخلاقيات المناضل الوطني، ورفضه الانجرار إلى مربع الخصومة والصراع الداخلي ضعفا، ونقيصة في الأداء القيادي السياسي والإعلامي، فهؤلاء معنيون بإشعال نار الفتن الداخلية وقدح شرارتها عبر وسائل إعلام مشبوهة كلما أخمدها الوطنيون بعقلانيتهم، وصبرهم وعضهم على الجراح.

يسوقون في كتاباتهم وتصريحاتهم مواقف شخصيات رسمية في دول عربية، ويبرزونها ويقدمونها على أنها أصلب وأقوى من مواقف القيادة الفلسطينية، لكنهم يعرفون أنه لولا حراك الرئيس ومعه القيادة على الصعيدين العربي والدولي لما تم حشد الموقف العربي والدولي بهذه الصلابة في الشكل والسعة والعمق في المضمون، وتحديدًا حول قضية الحل السياسي الشامل، ومنع نكبة جديدة بتهجير الملايين من غزة والضفة الغربية، والعمل على استصدار قرارات من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لإيقاف العدوان فورًا وإغاثة الملايين من الشعب الفلسطيني في غزة، وتأمين مقومات الحياة، وحشد الرأي العام العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وكشف إجرام رؤوس حملة الإبادة الدموية الصهيونية!.

يريدون من القيادة ترك الساحة الدولية لمنظومة الاحتلال إسرائيل، وكأن الشعب ليس شاهدًا على شجاعة وحكمة وصلابة القيادة، وقدرتها على انتزاع حقوق من أصل الحق ثابت وتاريخي للشعب الفلسطيني فالقائد الوطني الذي صقلته التجارب، لا ينسحب ولا يسلم ولا يستسلم  ولا يترك الميدان، فيما المعركة في أوجها، لأن المسؤولية الوطنية والأخلاقية تتطلب خوض غمارها وجها لوجه، ودون توكيل لأحد لينوب عنها، فالقيادة لا تتعامل مع القضايا المصيرية بمنطق ردة الفعل أو الانتقام، فكل قرار محسوب بإيجابياته وسلبياته، ولا يمكن لقيادة مؤتمنة على  مصير شعب، أخذ قرارات انفعالية تودي بالشعب إلى التهلكة، من أجل الاستحواذ على صورة بطولة جوفاء فارغة!! فالبطولة عند المناضل القائد الوطني أن يواجه الأقوى دون التسبب بإلحاق خسائر جسيمة بالشعب، ودون التراجع عن المبادئ والأهداف الوطنية، ولعلنا نذكرهم كيف أن دونالد ترامب صاحب صفقة العصر قد برر قراره بقطع المساعدات للسلطة الفلسطينية وتلك المخصصة للأونروا بقوله: "إن القيادة الفلسطينية تهيننا ولا تحترمنا وترفض خطتنا"!. ونعتقد أن هؤلاء سمعوا بآذانهم ما قاله سيادة الرئيس أبو مازن على الهواء مباشرة عن بلفور الثاني ترامب وعن مشروعه الاستعماري.

يعترفون (حسب مصادرهم أيضًا) أن لقاءات سيادة الرئيس أبو مازن مع المسؤولين الأميركيين كانت ساخنة، وأن الرئيس انتقد الإدارة الأميركية لعدم ضغطها على إسرائيل، ونعتقد أنهم يعلمون أن الانتخابات التشريعية والرئاسية، و(للمجلس الوطني حيثما أمكن أمر) متفق عليها ومقررة في اجتماعات أمناء الفصائل، وليست اختراعا بمقاسات أميركية أو أوروبية يفرض على القيادة والشعب، أما أن يبلغ أحدهم حد تصوير مصير السلطة الوطنية الفلسطينية في مسارين فقط: "سلطة تتعاون مع الاحتلال في أمور وتتعارض في أخرى، أو سلطة عميلة" فهذا الكلام سقوط حر في مستنقع السياسة الإرهابية، بمعنى أنك أيها الوطني العقلاني الحكيم، الشجاع، الصابر الصادق الأمين على أرواح ودماء ومقدرات الشعب، سنبقى نتهمك بالتعاون مع الاحتلال او نعتبرك عميلاً له، أما مصيرك فهو الإعدام في الحالتين!.