بقلم: سامي أبو سالم

في قلب مخيم جباليا شمال غزة، ينتشر عدد من الشبان بين الأزقة وبين مئات البيوت المدمرة بحثًا عن قطع من الخشب والكرتون، لاستخدامها في طبخ آلاف الأطباق من الفول أو العدس للمساهمة في إغاثة عائلات في بيوت الإيواء، أو في بيوتهم، شمال القطاع.

وقال الناشط الشبابي أمين عابد من مخيم جباليا: إنه كغيره من آلاف المواطنين الذين رفضوا مغادرة المخيم يساهمون في توفير وجبات غذائية للعائلات التي لا تجد قوت يومها، وهي بالطبع جميع من تبقى من العائلات شمال غزة.

وأضاف عابد: إن "العائلات المحتاجة لا تعني غني وفقير بل الجميع، بعضهم لديه أموال لكن لا يستطيع الشراء لأنه لا يوجد شيء يشتريه".

وتابع: "انا وأصدقائي نطبخ في كل يوم زهاء 1500 طبق فول من الحجم المتوسط وتكفي الكمية حوالي 4500 شخص في المنطقة التي يقيم فيها".

وقال: "نطبخ الفول لأنه يمكث طويلاً في المعدة، أو غيره ويأتي مواطنون من مراكز الإيواء بشكل أساسي أو من العائلات في المنطقة ليلتقط كل منهم نصيبه".

وأشار إلى أن الوجبات هي فقط بقوليات، سيما الفول والعدس ومصدرها هو ما تسلمته العائلات من سلال غذائية من الأونروا، أو غيرها من الهيئات المحلية، قبل العدوان الذي بدأ في السابع من أكتوبر الماضي أو حوانيت دُمرت بفعل القصف.

وأضاف: أن "هناك شح شبه كامل في الأدوية ويلجأ السكان لمساعدة بعضهم عبر مد بعضهم بأدوية الأعراض الطارئة مثل الإسهال والإمساك والانفلونزا والنزلة المعوية. هذه الأعراض تظهر كثيرًا بسبب تلوث الماء، ولا مجال للنقل للمستشفى، ويمد الناس بعضهم بأدوية أمراض السكر وضغط الدم، وكل ما ذُكر هو تضامن بين المواطنين".

وقال: "لم يغادر جميع المواطنين كل من محافظة "شمال غزة" (التي تضم جباليا ومخيمها وبيت لاهيا وبيت حانون) ومحافظة "غزة" (التي تضم مدينة غزة وضواحيها بما فيها مخيم الشاطئ للاجئين). ولا يوجد إحصائية دقيقة لمجموع من غادر أو من تبقى لكن هناك مئات الآلاف على الأقل لا يزالون متمسكون بالبقاء في بيوتهم رافضين الخروج، رغم القصف الإسرائيلي الشرس والعشوائي على البيوت ومراكز الإيواء".

وحول عدم خروج آلاف المواطنين قال صلاح عابد (والد الناشط أمين): إن "الكثير من الناس يخافوا أن لا يستطيعوا العودة وتتكرر مأساة نكبة الشعب الفلسطيني 1948، أو لا يوجد لديهم القدرة على المشى والتحرك لأسباب صحية، أو ليس لديهم أجرة سيارة أو كارة يجرها حمار".

وتابع صلاح قائلاً: "جارتنا كبيرة في السن وثقيلة الوزن ولا تستطيع الحركة ولم تغادر وبقي أولادها وأحفادها معها".

وأضاف عابد: "نذهب للبيوت المدمرة لجمع الحطب رغم أن هذا الأمر خطير جدًا فربما تتعرض للقصف مرة أخرى كما جرى في أكثر من مكان، أو خطر انفجار صواريخ غير منفجرة أو خطر انهيار جدران أو مباني".

ولفت إلى أن هناك الكثير من جثث الشهداء لا تزال تحت الأنقاض ولا يستطيع أحد انتشالها.

وفي إحصائية غير نهائية، أعلنت وزارة الصحة، ارتفاع عدد الشهداء في قطاع غزة، إلى أكثر من 12,200 شهيد، بينهم نحو 5000 طفل، و3250 امرأة، و690 مسنًا، فيما بلغ عدد المصابين أكثر من 29500 مصاب، وفيما لا يزال أكثر من 4000 مواطن في عداد المفقودين، بينهم 2000 طفل.

وتصعب الاتصالات بالمواطنين في كل أرجاء قطاع غزة بسبب تضرر شبكة الاتصالات بسبب قطعها بشكل متعمد من طرف الاحتلال الذي يسيطر عليها أو بفعل تضرر الشبكات بسبب القصف الإسرائيلي.

وفيما يتعلق بالماء، قال: إن "المياه أيضًا معدومة والآبار لا تعمل بسبب قطع الاحتلال للتيار الكهربائي وتدمير شبكة الكهرباء وشح الوقود. لكن يتدبر الشبان المتطوعون وكذلك الأهالي، فجزء من الماء يتم الحصول عليه من خزانات الماء أعلى أسطح البيوت التي توجّه أهلها إلى جنوب القطاع. وجزء آخر كان من بئر مياه يتبع وكالة الغوث "الأونروا" الذي توقف أيضًا. ويعمل الشبان على لملمة تبرعات لجمع مبلغ من المال لشراء عدة لترات من الوقود لصالح ماتور بئر مياه. مشيرا إلى أن المال لم يعد له قيمة في ظل عدم وجود مواد تشتريها".

وقال عابد: "لكن الأمور لن تطول، صحيح أن الأهالي صامدين لكن إذا استمر الحال على ما هو عليه فربما يموت بعض المواطنين عطشًا أو جوعًا أو بسبب عدوى الأمراض الناتجة عن قلة الماء".

وأشار إلى أن المواطنين في أماكن الإيواء في حالة تفوق الوصف، فكل مدرسة فيها من 4 إلى 6 آلاف مواطن يشكلون مئات العائلات بمن فيهم كبار سن وأطفال رضع، كلهم تحت خطر الموت. وتعرضت مدارس في شمال غزة، كان آخرها مدرستي الفاخورة وتل الزعتر للقصف ما أدى لاستشهاد حوالي 200 من المواطنين وإصابة العشرات بجراح.

وأكد أن الأزمة ليست فقط طعام وشراب وهما الأساس بالطبع، لكن أيضا خطر الموت وهناك احتياجات أطفال من الحليب وحفاضات وما يحتاجه الرضع والأمهات اللواتي وضعن أطفالاً حديثًا. وتواجه النسوة هناك أزمة تنظيف الأطفال بعد الإخراج، فلا يوجد حفاضات يعني أنهن يستخدمن قطع قماش وبالتالي قطع القماش بحاجة لغسيل لكن لا يوجد ماء للغسيل، الأمر الذي تسبب في حالات مرضية وإعياء وربما ستزداد.

وقال عابد: لا يقتصر دور الشبان على الطبخ وتوفير الماء بل أيضا يساهمون في نقل المصابين والشهداء والبحث بين الأنقاض في حل تعرض منزل للقصف، أو نقل مريض أو حالة ولادة للمستشفى.