بقلم: فاطمة ابراهيم

داخل غرفة يملؤها الدخان والسواد، وقف عبد السلام أبو الهيجا يتفقد بقايا أثاث منزله الذي أصبح رماداً بعد تفجير قوات الاحتلال له، فجر يوم الأحد، في مخيم جنين للاجئين شمال الضفة الغربية.

على يمينه، كان ابنه أسامة يحاول أن يجد شيئًا لم تصل إليه النار من ملابسه التي احترقت بفعل التفجير. "والله لأجيبلك غيرهم كلهم يابا، لا تزعل" يحاول أبو الهيجا التخفيف من حُرقة طفله الذي أخذ بالبكاء على ملابسه وكتبه المحترقة.

وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد فخخت منزل أبو الهيجا بعبوات تنفجر عن بعد، وفجرته فجر اليوم، خلال اقتحامها لمخيم جنين للمرة الثانية خلال يومين.

يقول أبو الهيجا: "فجر الجمعة اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزلي وقامت بهدم جدار فيه، ثم تمركز عدد من الجنود في الطابق العلوي من المنزل، وبعد ذلك تركوه وذهبوا، لكنني كنت على يقين بأنهم سيعودون إليه.. توقعت أن يحولوه إلى نقطة عسكرية".

ويضيف: "أصبحنا نفهم مغزى الجنود وتصرفاتهم بشكل عام، المنازل التي يتم اقتحامها وهدم جزء منها، تصبح مسرحاً لقواتهم في كل اقتحام لاحق، لذا قررت أن أُبعد عائلتي عن المنزل بعد اقتحامه يوم الجمعة، وفعلاً خرجنا من المنزل كلنا".

ترك أبو الهيجا وعائلته المنزل وانتقلوا إلى منزل قريب لهم في بلدة كفر راعي المجاورة، وفجر اليوم وصلت إليه أخبار من الجيران أن منزله تعرض للتفجير فعاد مسرعاً لتفقده، وحين وصل كانت النيران تشتعل في غرف المنزل كلها.

ويتابع أبو الهيجا: "فقدت منزلي كله وتعب عمري في لحظة، لقد استدنت بعض أثاثه وما زلت أدفع أقساط هذا الأثاث، لم يتبقَّ لنا سوى الملابس التي نرتديها".

ويسكن أبو الهيجا (أب لخمسة أبناء)، في منزله المكون من غرفتين في الطابق العلوي، وغرفة منفردة في الطابق السفلي، قبل أن يفجره الاحتلال.

يقول أبو الهيجا: إنه لا مكان يذهب إليه بعد تفجير منزله واحتراقه بشكل كامل، وإنه مضطر وعائلته إلى البقاء في منزلهم المهدَّم حتى يتمكن من استئجار منزل آخر.

ويقول عبد السلام: "لا مبرر ولا سبب لتفجير المنزل سوى أن الاحتلال تسلط علينا، هم يهدمون بهدف الهدم ويقتلون بهدف القتل فقط، أجبرونا على الرحيل من أراضينا عام 48 واليوم يلاحقوننا في مخيمات اللجوء لجعلنا نرحل، كل ذلك لترهيبنا وإذلالنا".

أمام باب المنزل، كانت تظهر بقايا المفخخات التي استعملها جنود الاحتلال الإسرائيلي في تفجير منزل عبد السلام أبو الهيجا، وفي الغرفة الوحيدة المتبقية في الطابق السفلي، كانت تجلس "أم أسامة" زوجة عبد السلام وابنتاه.

وخلال 48 ساعة، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين مرتين متتاليتين، وجرفت مداخل المخيم وشوارعه، وهدمت عدة رموز ونصب تذكارية للشهداء في المخيم.

ويقول سكان المخيم، إن قوات الاحتلال تسعى إلى تدمير البنى التحتية وتدمير شبكات المياه والكهرباء بشكل متعمد ومستمر، خصوصًا أن عمليات إعادة إعمار المخيم بعد الاقتحام الكبير الذي كان في الثالث من تموز الماضي لم تنتهِ بشكل كامل بعد، بالإضافة إلى عمليات القتل التي يمارسها جنود الاحتلال في كل اقتحام، فقد وصل عدد الشهداء في جنين منذ الشهر الماضي إلى 24 شهيدا، فيما بلغ عدد الشهداء في محافظة جنين منذ بداية العام إلى قرابة 101 شهيد.