بعدما اضطروا للفرار من غارات طائرات الاحتلال الاسرائيلية على مدينة غزة، يقوم مئات الصحفيين الفلسطينيين بتغطية العدوان المتواصل على قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، مجازفين بحياتهم في ظروف مروعة.

نصب صحفيون خيامًا في باحة أحد المستشفيات لتشكل قاعة التحرير نهارًا ومأوى ليلاً، ويعمل بعضهم لوسائل إعلام محلية وآخرون لدى الصحافة الدولية، لكنهم يعيشون نفس المعاناة لاداء عملهم منذ بداية العدوان.

وبحسب نقابة الصحفيين الفلسطينيين، استشهد 24 صحفيًا جراء غارات طائرات الاحتلال الإسرائيلية على قطاع غزة منذ بدء العدوان في السابع من الشهر الجاري.

عند بدء العدوان كانت وسائل الإعلام الموجودة في الأراضي الفلسطينية تعمل من مكاتبها في مدينة غزة، إلا أن القصف الإسرائيلي الكثيف الذي دمر عدة أبراج، أجبرهم الى المغادرة مع فرقهم إلى الجنوب، رغم أن الغارات الإسرائيلية لا توفر أي منطقة.

واستقر مئات الصحفيين  بينهم فريق فرانس برس في مدينة خان يونس في خيم نصبت في باحة مستشفى ناصر، وحين لا يكون لديهم تقارير لإعدادها، تستخدم الخيم "كقاعة تحرير" وينامون فيها ليلاً إذا كان صوت القنابل يوفر لهم فترة هدوء ليغمضوا عيونهم.

تعج باحة المستشفى باستمرار بنساء ورجال يرتدون سترات واقية من الرصاص كتب عليها "صحافة" بالانكليزية، ويضعون خوذات على رؤوسهم فيما تتكرر عمليات القصف بالقرب من المستشفى وتكون دامية في معظم الأحيان.

ويؤوي مستشفى ناصر أيضًا في باحته وأقسامه المختلفة أكثر من 30 ألف فلسطيني نزحوا بسبب العدوان على قطاع غزة.

وإذا كانوا تمكنوا بفضل مولدات الكهرباء في المستشفى من شحن الهواتف وأجهزة الكمبيوتر والكاميرات وغيرها من المعدات، فإن ظروف النظافة الشخصية صعبة.

وغالبًا ما تُقطع المياه الجارية وبسبب عدم وجود قاعات استحمام، يغتسل كثيرون في المراحيض.

وفي الخيم، ينام البعض على فرش أو على الأرض، ويغطون أنفسهم بسترة أو كنزات. وللحصول على بعض الخصوصية، ينام آخرون وخصوصا النساء في سياراتهم المتوقفة في باحة المستشفى.

هدى حجازي (25 عامًا) تحمل الجنسية الاسبانية هي وعائلتها وتعمل مراسلة للتلفزيون الاسباني منذ عام 2018، قضت حياتها في إسبانيا قبل أن تعود مع عائلتها إلى غزة قبل خمسة أعوام. تعمل من داخل مستشفى ناصر بينما بقيت عائلتها في غزة لعدم توافر منزل يلجؤون اليه.

تقول هدى: "هذه أول حرب أغطيها بهذا الحجم، الوضع مأساوي لم أر عائلتي منذ أسبوعين". مضيفة "حين طلبت إسرائيل التوجه إلى الجنوب، قررت أن أبقى مع عائلتي لانهم أهم من العمل. بعد يومين اطمأننت عليهم وجئت هنا، لكنني أفكر بهم طيلة الوقت وهذا يزيد الضغط علي".

وتوضح "الوضع صعب في المستشفى، أنام في السيارة والجو حار بالكاد أتدبر الاستحمام كل يومين أو ثلاثة في أحد حمامات بعض الاقسام داخل المستشفى".

رغم انها تحمل الجنسية الاسبانية ويمكنها نظريا مغادرة قطاع غزة اذا فتح معبر رفح الحدودي، تقول "أحاول اقناع عائلتي بالسفر اذا فتح المعبر لكنني سأبقى لمواصلة عملي".

من جهته، يقول محمد ضاهر (34 عامًا) مراسل تلفزيون رؤيا الأردني "كان علي تغطية النزوح وإخلاء عائلتي أيضًا. كان في بيتي نحو 30 شخصًا، ذهبت إلى المنزل وأخليت جميع العائلة لمخيم النصيرات وسط القطاع واتيت للعمل من المستشفى".

يقول ضاهر الذي باتت لحيته طويلة: "بالكاد نتدبر دخول الحمام والحفاظ على نظافتنا الشخصية، سأحلق حين تنتهي الحرب أن شاء الله".

إلى جانب نقص مستلزمات النظافة الشخصية يشير مراسل قناة "تي آر تي وورلد التركية" نزار سعداوي (36 عامًا) إلى "صعوبة الاتصالات" التي تسببها الغارات على الشبكة.

ويضيف: "التواصل مع زملائنا وعائلاتنا ومصادرنا يصبح إشكاليًا".

وتابع أنه في البداية كان ينام بالسترة الواقية من الرصاص في الموقف بين السيارات لكنه تمكن قبل يومين من الحصول على فراش ونصب ما يشبه خيمة.

من جهته، قال حازم البنا مراسل سكاي نيوز العربية "نعمل في ظروف شديدة الخطورة، ليس هناك مكان آمن، نأخذ كل وسائل السلامة لكن عنف الغارات لا يستثني أحدًا".

ويعمل الصحفيون مع نفس المخاوف على عائلاتهم مثل كل سكان غزة، فالأربعاء استشهد عدد من أفراد عائلة مراسل الجزيرة في غزة وائل الدحدوح، بينهم زوجته وابنته وابنه وحفيدته، جراء غارة اسرائيلية طالت منزلاً نزحوا إليه.