نجح المجلس العسكري في النيجر الذي أطاح بالرئيس محمد بازومي في مقاومة الضغوط الفرنسية ومجموعة الإيكواس الأفريقية التي طالبت بإنهاء الانقلاب على الرئيس العميل لفرنسا الذي يتاجر باليورانيوم مع باريس، وساهم في إفقار بلاده، حيث تعد النيجر آخر معاقل الاستعمار الفرنسي، وقد جرى بالفعل نقل قوات فرنسية إلى النيجر من مالي المجاورة بعد نجاح العسكر في إبعاد فرنسا عن التحكم بقرار باماكو التي وجدت في نيامي بديلا لوجودها المتزعزع والمنهار في أفريقيا، وقد تدفع فرنسا ثمنا باهظا لتاريخها الاستعماري في القارة السمراء بالرغم من إشارات واضحة عن صراع روسي أميركي على القارة التي بدأت تتجه شرقا، وتنفض عنها غبار الاستعمار الغربي الذي استنزف مواردها، وجعلها ساحة لحروب بالوكالة، وملاذا لزعماء حرب وتجار وقتلة ساهموا في تجويع بلدانها وبهدلة شعوبها المستضعفة.

 واحدة من مشاكل النيجر المستعصية هي الكهرباء.. فبالرغم من غناها باليورانيوم الذي يمثل ثروة تدر مليارات الدولارات، فقد أنفقت هذه الدولة عشرات مليارات منها وعلى مدى سنوات في محاولة لترميم وتطوير قطاع الكهرباء، وتناوب وزراؤها على ترويج مزاعم بقدرتها على إنتاج الكهرباء، وتصديرها إلى الخارج، بينما لم ير أبناء النيجر شيئا من تلك الوعود، وبسبب صحراوية الطبيعة والنفوس فيها فقد شحت المياه هناك، وصارت البلاد بمشكلتين بعد أن كانت المشكلة واحدة! ولم تفلح كل محاولات النهوض بقطاع الكهرباء برغم توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع شركات عالمية تذهب إلى أنحاء النيجر، وتتحدث عن حاجات هنا وهناك في قطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع، بل صرفت عشرات المليارات من عوائد اليورانيوم دون جدوى، وطرح خبراء ومتخصصون وباعة خضار ورجال دين وشرائح اجتماعية حلولا عدة لها أول، وليس لها آخر دون جدوى، وتطوع باعة اللبن أنفسهم حين رأوا عجز حكوماتهم المتعاقبة للتفكير بحلول أثناء عملية تحضير اللبن.

وفي آخر زيارة لنيامي قبيل الانقلاب الذي قام به الحرس الرئاسي بدعم من شركة فاغنر الروسية التقيت في أحد شوارع العاصمة المشبعة بالغبار عددا من باعة اللبن والطرشي الذين وضعوا أمامي عددا من الحلول وقد شرح لي أحد الباعة بينما كان يخوض في قدر (الشنينة) فتتحرك قطع الثلج وتلف وتدور كيف يمكن حل المشكلة، وبطرق علمية غير مكلفة، وبدأ بالقول:

مشكلة الكهرباء في النيجر التوليد ونقل الطاقة والتوزيع.

ونحتاج إلى التوليد القريب بحيث يوجد لكل محافظة محطة توليد قريبة تنتج الكهرباء، وتنقلها بيسر إلى أحياء وقرى المحافظة دون انتظار وصول إمدادات الكهرباء من محطات توليد تبعد مئات الكيلومترات، وهذا ما يجعلنا نستغني عن نشر أبراج نقل الطاقة في كل أنحاء النيجر من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب بما فيها من تكاليف مادية وحماية لهذه الأبراج من العمليات الإرهابية والتخريب الذي يقوم به المتطرفون الذين ينتمون لجماعات دينية عابرة، حيث يحتاج الأمر إلى تعيين آلاف الحراس، وتفاهمات مع القبائل التي تعيش على خطوط الإمداد.

أحد باعة الطرشي، وكان يحمل بين يديه رأس (قرنابيط) ليضعه في إناء مليء بخل التفاح تأملني لبعض الوقت، وسأل: هل أنت صحفي، أم كهربائي؟ فقلت أنا محروم من الكهرباء، وأعيش على (النتلات) وقد أدهشني بشرح مفصل للمشكلة مؤكدا أن واحدة من أقدم مشاكل النيجر هي طريقة الربط الكهربائي المعروف بالربط على (التوالي) فعندما تسقط محطة، وتتعرض لحريق كما حصل قبل أيام في أقصى جنوب النيجر فإن المحطة التي تليها تسقط تلقائيا مثل أحجار الدومينو فتجد أن حريقا، أو عطلا طارئا في محطة في مدينة بعيدة يتسبب في قطع التيار الكهربائي عن محافظات وسط وجنوب البلاد، وكشف عن وجود دراسات عدة لحل أزمة الكهرباء، ومن السهل جدا حلها في وقت قياسي، وبأموال أقل بكثير من الأموال التي صرفت على مدى عقود من الزمان، لكنه ألمح إلى وجود عقبات سياسية كأداء تمنع تطوير قطاع الكهرباء، وربما وجود مافيات متنفذة ومنتفعة تعيق أي جهد في هذا الاتجاه، وتمنع العمل على تحسين وتطوير الشبكة الكهربائية التي جعلت شعب النيجر يعيش الذهول والصدمة وشعورا باليأس في حل قريب.