بعد أيام قليلة أقل من أصابع اليد الواحدة، ومع مطلع أيار/ مايو المقبل تنتهي عطلة الكنيست الإسرائيلي، التي بدأت مع منتصف شهر آذار/ مارس الماضي، وتعود درجات الحرارة للارتفاع في أوساط الموالاة والمعارضة الإسرائيلية مع إمكانية طرح الثقة بحكومة التغيير بقيادة نفتالي بينت، ويترافق ذلك مع التصعيد في القدس العاصمة الفلسطينية عمومًا وحوضها المقدس خصوصًا، والذي يحمل في ثناياه تداعيات وسيناريوهات عدة، منها أولاً بقاء حكومة الائتلاف، رغم فقدانها الأغلبية بعد انسحاب النائب عيديت سيلمان؛ ثانيًا انهيار الحكومة في حال انسحب أي نائب جديد من الائتلاف، وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة عضو كنيست من الائتلاف، إما برئاسة لبيد، أو برئاسة غانتس الأوفر حظا؛ ثالثا الذهاب لانتخابات جديدة مع عودة وبقيادة نتنياهو ودعم التيارات الأكثر تطرفا وفاشية؛ رابعا في حال عودة الوئام بين القوى الفلسطينية بمختلف مشاربها تحت يافطة وعنوان القائمة المشتركة وحصولها على 15 نائبًا أو أكثر ستعود دورة المراوحة والذهاب لصناديق الانتخابات في دورات متلاحقة مع فقدان اليمين الصهيوني المتطرف إمكانية تشكيل حكومة، وعدم تمكن ما يسمى "اليسار" والوسط الصهيوني من الحصول على المقاعد التي تؤهله لتشكيلها أيضًا، ويصبح النواب الفلسطينيون العرب بيضة القبان مجددًا، وبالتالي اللوحة حتى اللحظة ضبابية وغامضة، ولا يمكن الجزم بما سيكون الوضع عليه في إسرائيل. 
حكومة بينت/ لبيد ادعت أنها حصنت خلال الأسابيع الماضية قاعدتها الائتلافية، وحسب إدعاء رئيس الحكومة ونائبه لا خشية على الائتلاف. لا سيما أن القائمة العربية الموحدة بزعامة منصور عباس وعدت بعدم الانسحاب منه، رغم تجميد عضويتها مؤقتًا، والذي ينتهي مع عودة الكنيست للعمل. كما يفترض زعماء الائتلاف القائم على نقطة ارتكاز واحدة عنوانها، عدم عودة نتنياهو للحكم. ولكن البيع والشراء في الكنيست لا تضبطه مبادئ ولا قيم ولا اتفاقات موقعة، وبالتالي ما صرح به بينت ولبيد ليس أكثر من تطمين للذات ولأعضاء الائتلاف المرتجف من بعبع الحاوي نتنياهو.
لكن حسابات الرياح لسفن الائتلاف المهزوز والمربك، قد تأتي بما لا تشتهيه، وتعصف رياح التغيير مع اشتداد التصعيد الإجرامي في القدس وعموم الضفة الفلسطينية، لأن الحكومة لا تملك أمام جملة الأزمات التي تعاني منها إقتصاديًا وسياسيًا وإجتماعيًا سوى التصعيد ضد أبناء الشعب الفلسطيني لنقل الصراع للخارج، للتغطية على عجزها، وإسكات اليمين المتطرف مع إقرار مشاريع قوانين تخدم عمليات تعزيز وتوسيع الاستيطان الاستعماري في النقب والضفة عموما والقدس خصوصا، وعلى حساب العلاقة مع كتلة "راعم" والفلسطينيين عموما في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، وعلى حساب عملية السلام والفلسطينيين عمومًا، وللتخفيف من حرج منصور عباس وشركائه في القائمة الموحدة، قد يتم تقديم فتات من الرشاوى لتطويق انسحاب مازن غنايم أو وليد طه أو للتخفيف من حدة التناقضات داخل الحركة الإسلامية الجنوبية.
لكن كل ذلك لن يحول دون مواصلة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو، زعيم الليكود والمعارضة في آن من تقديم مشاريع اقتراحات بهدف إسقاط الحكومة بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة؛ لأن رئيس الحكومة السابق معني بشكل شخصي لاستعادة زمام الحكم للالتفاف على قضايا الفساد التي تلاحقه، وتطويق الاتهام الجديد بقضية الفساد في ملف الغواصات. وحتى قوى الموالاة ستتحرر من القيد أو الشرط الذي وافقوا عليه مع تشكيل الحكومة قبل أحد عشر شهرًا، الذي ينص على عدم تقديم أي من أطرافه مشاريع اقتراحات لمدة عام، يكون انتهى مع مطلع حزيران/ يونيو المقبل، وبالتالي قد يفتح شهية بعض القوى السبعة من تقديم مشاريع قوانين خلافية تعطل دورة الحياة والتواصل بين مكوناتها. 
ولا اعتقد أن منصور عباس وقائمته يستطيع الصمود في الائتلاف طويلا في حال تصاعد حدة العنف والانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في داخل الداخل أو في الضفة الفلسطينية وفي مقدمتها القدس العاصمة أو على جبهة غزة أو على جبهة الشمال، لأكثر من سبب، أولاً لأنه فقد نسبة عالية من أوساط الفلسطينيين المؤيدين للحركة الإسلامية الجنوبية وكتلة "راعم"؛ ثانيًا لبروز تناقضات حادة داخل أقطاب الحركة وتياراتها، وداخل القائمة، وبالتالي سيكون مرغمًا للانسحاب للتغطية على الواقع البائس الذي وصل إليه، ولحماية ما تبقى من رصيد. 
وهنا في حال سقط الائتلاف الحاكم، وقررت الكنيست الذهاب للانتخابات، ولإعادة الاعتبار للذات في أوساط أبناء الشعب الفلسطيني، قد يقبل منصور عباس العودة لحاضنة القائمة المشتركة، وإذا تم ذلك، وحصلت الانتخابات قبل نهاية العام الحالي أو مع مطلع العام المقبل، وتم التحشيد جيدا، فإن القائمة المشتركة يمكن أن تفوز بأكثر من خمسة عشر مقعدا ما يعيد الاعتبار أولا لدور الجماهير الفلسطينية كرقم صعب في المعادلة الإسرائيلية، ويحول دون صعود نتنياهو للحكم ما لم يمر عبر الممر الإجباري ودفع فاتورة واستحقاق البرنامج السياسي للقائمة المشتركة بما في ذلك الانخراط التكتيكي في ملف السلام مع قيادة منظمة التحرير، وهو ما يعني أنه قد يتخلى عن سموتريطش وبن غفير، إن لم يتمكن اليمين المتطرف من تشكيل الحكومة. أضف إلى أن كلا من لبيد، زعيم "هناك مستقبل" وبني غانتس، زعيم "أزرق أبيض" قد يحققان نتائج تسمح لهما بقطع الطريق على نتنياهو، ويلجأون مجددا للتعاون مع القائمة المشتركة، وبالتالي يبقى نتنياهو في زوايا النسيان، وانتظار السجن أو المساومة والانسحاب كليًا من الساحة السياسية. 
باختصار شديد كل السيناريوهات مفتوحة، وقابلة لرؤية النور وفق معادلات التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية في الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية والضغوط الدولية المتلازمة مع الحرب العالمية الجارية في أوكرانيا. 

 

المصدر: الحياة الجديدة