مازالت ذكرى رحيل مؤصل الوطنية الفلسطينية الشهيد الرمز ياسر عرفات السابعة تغطي المشهد الفلسطيني بالفعاليات الوطنية بتلاوينها المختلفة، تأكيدا من الشعب وقواه الوطنية والاجتماعية والثقافية على الوفاء للرجل، الذي حمل الحلم الوطني على مدار سني حياته الحافلة بالنضال والتصميم على بلوغ اهداف الشعب في الحرية والاستقلال والعودة.

ابو عمار، الذي سممته يد الغدر والجريمة الاسرائيلية، لم يمت، وإن غاب الجسد النحيل. ابو عمار، الذي قاد ملحمة الثورة الفلسطينية المعاصرة، ومؤسس السلطة الوطنية ورئيسها الاول، مازال حيا باحلامه وطموحاته ورؤاه الوطنية، باق ما بقيت القيادة التاريخية، التي تسلم رايتها الرئيس محمود عباس، لانها تواصل الطريق والخيار الذي ساهم في صناعته رمز الوطنية المعاصرة، الاختيار.

 حلول الذكرى الثالثة والعشرين لاعلان الاستقلال متزامنة مع ذكرى إستشهاد ابو عمار السابعة، كأن هذا التزامن يحمل دلالة بالغة الاهمية في تاريخ الرجل والقضية والشعب على حد سواء. كون مناسبة إستشهاده تريد ان تبقي إعلان الاستقلال في العام 1988 حاضرة في الوعي السياسي الفلسطيني، والقرار السياسي الفلسطيني، الذي جاء هذا العام مترافقا مع توجهات القيادة في الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، ليشير ان القيادة ماضية ومصممة في بلوغ احد الاهداف الرئيسية للشعب الفلسطيني، ولنقل اعلان الاستقلال من مجرد ذكرى وحلم الى واقع.

ورغم ان مجلس الامن الدولي ولجنة العضوية فيه نتيجة الضغوط الاميركية، شاءت في ذكرى رحيل القائد الرمز ابو عمار أن تحول دون وصول طلب العضوية للتصويت في المجلس لعدم التمكن من الحصول على تسعة اصوات من اعضاء المجلس، لتقول الولايات المتحدة للشعب الفلسطيني وقيادته السياسية، إن حلمكم وحلم رمزكم بعيد بعد الارض عن السماء! إلآ ان ما نسيته الولايات المتحدة ودولة الابرتهايد الاسرائيلية، إن الشعب الفلسطيني وقيادته امسوا أكثر إصرارا على تحقيق اهدافهم الوطنية. ولن تحول بينهم وبين اهدافهم الوطنية اية عقبات او عراقيل مهما كانت التضحيات والصعوبات والانتهاكات والجرائم الاسرائيلية والتعقيدات والضغوط الاميركية.

إعلان الاستقلال (الوثيقة التي صاغها شاعر القضية الكبير الراحل الرمز محمود درويش) الذي أعلنه الرئيس الشهيد الرمز ابو عمار فتح بوابة الامل في اوساط الشعب وقواه السياسية، مازال هاجسا وطنيا، ومشعلا يضيء طريق الكفاح الوطني، ويشحذ الطاقات الوطنية والقومية وانصار السلام في العالم لبلوغ الهدف في وقت غير بعيد.

احياء الذكرى الثالثة والعشرين لاعلان الاستقلال، هي، إحياء متجدد للامل والتمسك أكثر فأكثر بالاهداف الوطنية. وهي مناسبة للاصرار على تحقيق هدف المصالحة الوطنية رغم كل الارباكات، التي تضعها في الطريق القوى المتضررة منها. لان الشعب وقيادته السياسية مُّصرة على طي صفحة الانقلاب الاسود، وإعادة اللحمة والوحدة للشعب والقضية، لاعادة الاعتبار للاهداف الوطنية، وتعزيز عوامل الصمود والتصدي لمشاريع ومخططات دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية. 

قد يستغرب كثيرون من إحتفال الفلسطينيين بالمناسبة قبل بلوغ هدف الاستقلال وازالة الاحتلال الاسرائيلي الجاثم على الارض والشعب طيلة ال(44) عاما. ونسي هولاء جميعا، إن المناسبة صنعها كفاح الشعب البطولي، وما كان يمكن لاعلان الاستقلال ان يرى النور في العام 1988 لولا بطولات الشعب على مدار سنوات الاحتلال الغيضة وخاصة  الانتفاضة الكبرى 1987- 1993، التي فتحت الآفاق واسعة امام تحقيق هدف العودة والاستقلال، وأصلت لنشوء السلطة الوطنية كمقدمة لولادة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي  194.

هذه التضحيات الجسام من الشهداء والجرحى والاسرى والخسائر الفادحة التي تكبدها الفلسطينيون على مدار سنوات النكبة ال (63) الماضية، كانت بحاجة لاغنائها بإقتراب الحلم، ورسم ملامح المستقبل المشرق للاجيال الجديدة، النابضة قلوبها وعقولها برؤية فجر الحرية مع زوال الاحتلال الاسرائيلي من خلال رصف طريق الاستقلال بالامل. لهذا يحتفل الفلسطينيون، وسيحتفلوا كل عام حتى نقل الحلم والهدف من الفكرة الى التجسيد الخلاق في الواقع الوطني مع ولادة الدولة المستقلة وتحقيق حلم العودة لارض الاباء والاجداد.